ليبيا.. مشروع إسقاط الإسلام السياسي

مواجهة الإخوان والجماعات الجهادية

فجأة ظهر عام 2014 معلناً تجميد حكومة ما بعد القذافي، وعارضاً "خارطة طريق" لمستقبل ليبيا السياسي، وكأنه يستنسخ ما فعله السيسي. وباتت بموازاة حكومة الوفاق -المدعومة من المجتمع الدولي- حكومة موازية يدعمها الجنرال حفتر. أحدث خبر نقل الجنرال خليفة حفتر على عجل إلى المستشفى العسكري بباريس في الخامس من أبريل / نيسان 2018، للعلاج من وعكة صحية ردات فعل وتساؤلات متباينة داخل ليبيا.

صدمة وقلق في معسكر المؤيدين له. وفرح وابتهاج في معسكر أعدائه الإسلاميين الذين تبنى إعلامهم الفضائي في الدوحة واسطنبول خبر موته المؤكد نقلاً عن وسائل إعلام عربية وأجنبية ومن أهمها صحيفة لوموند الفرنسية الشهيرة برصانتها.

انضم إلى المعارضة الليبية بقيادة "الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا" وشغل فيها منصب "قائد الجيش الوطني". وعمل سريّاً من منفاه مع ضباط كبار داخل ليبيا على التخطيط لعملية انقلاب عسكري. لكن تم كشف المحاولة واعتقال رؤوسها قبل تنفيذها بأيام في أكتوبر / تشرين الأول 1993. ويبدو أنه، نتيجة لفشل المحاولة الانقلابية وخلافه مع "جبهة الإنقاذ" المعارِضة انشق عنها وقبل بالتصالح مع النظام برعاية مصرية تم بموجبها ضمان إقامته وعائلته في مصر بشرط عدم ممارسته لأي عمل سياسي معارض لنظام القذافي.

إذ تفجرت انتفاضة 17 فبراير / شباط 2011 التي سرعان ما تحولت إلى تمرد مسلح، وقد سقط نظام حسني مبارك، جاء العقيد حفتر من طريق البر إلى بنغازي ليجد أمامه الجنرال عبد الفتاح يونس (وزير داخلية القذافي المنشق) يترأس قوات المتمردين من عسكريين ومدنيين متطوعين.

فدخل الرجلان في خلاف شخصي حاد على أحقية القيادة العسكرية. اُستبعد الجنرال حفتر من لعب أي دور عسكري قيادي عملياً. حتى ظهر فجأة مساء 14 فبراير / شباط 2014 من خلال قناة "العربية" السعودية يعلن في بيان انقلابي مسجّل عن سيطرة قوات تابعة له على مواقع عسكرية وحيوية في العاصمة وتجميد عمل البرلمان والحكومة، عارضاً ما سماه "خارطة طريق" لمستقبل ليبيا السياسي، وكأنه يستنسخ ما قام به السيسي دون أن يملك شيئا حقيقيا مما في حوزة الأول من جيش قوي موحد منضبط.

كان بيانه الانقلابي افتراضيا تماما. انقلاباً فضائياً. فلم يكن على الأرض ولو جندي واحد تابع له بعدما خلت به مليشيات الزنتان التي كان يراهن عليها. لكنه لم يتوقف عن المثابرة. إذ ظهر بعد ثلاثة أشهر -أي في مايو/ أيار 2014- في بنغازي يقود عملية عسكرية من بضع مئات الجنود والضباط من الجيش الليبي تحت اسم "كرامة ليبيا" في مواجهة المجموعات الإسلاموية المسلحة المسيطرة على بنغازي والمتهمة من غالبية أهل المدينة كمجموعات إرهابية مسؤولة عن مئات عمليات الاغتيال ضد عناصر الجيش والشرطة ونشطاء المجتمع المدني في المدينة.

إسلاميون سلفيون (أتباع المذهب المدخلي) معادون بشراسة للإخوان المسلمين والجماعات الجهادية وموالون للسلطان في صف الجنرال الليبي خليفة حفتر. إن "هزيمة الإسلاميين في ليبيا في الانتخابات البرلمانية 2014 ألجأتهم إلى فرض وجودهم السياسي السلطوي بقوة السلاح في مواجهة ما تبقى من قوات الجيش النظامي التي يقودها الجنرال خليفة حفتر مدعوماً بمقاتلين مدنيين مساندين بمن فيهم إسلاميون سلفيون (أتباع المذهب المدخلي) معادون بشراسة للإخوان المسلمين والجماعات الجهادية".

وسرعان ما انضم إلى عملية "الكرامة" عداد متزايدة من عسكريين ومتطوعين. وصار العقيد حفتر المنقذ المنشود في نظر الغالبية الساحقة في المنطقة الشرقية على الأقل.

وبضغط من أنصاره في مجلس النواب وأعيان وشيوخ القبائل ودعم قادة محاور القتال، قام رئيس مجلس النواب بصفته القائد الأعلى بتعيينه قائدا عاما للجيش وترقيته إلى رتبة فريق وفيما بعد إلى رتبة مشير. بالمقابل، في طرابلس ومصراتة في غرب البلاد تحالفت الميليشيات الإسلامية لمجابهة مشروع الجنرال حفتر الذي نجح في القضاء على الميلشيات الإسلاموية في بنغازي وكامل إقليم برقة ما عدا جيبهم الصغير في مدينة درنة الصغيرة.

سيطرت قواته على موانئ تصدير النفط فأصبح كما تصفه صحيفة لوموند "رجل برقة القوي" وهو الذي يسعى أن يكون رجل ليبيا القوي بعد توحيد المؤسسة العسكرية والسيطرة على العاصمة طرابلس بواسطة مجلس عسكري مؤقت يشرف على مرحلة انتقال سياسي جديد

من الواضح لي كمراقب للأحداث من داخل المنطقة الشرقية أن غيابه عن المشهد سوف يُحدث فراغاً في تماسك أركان القيادة العامة للجيش بالنظر إلى شخصيته الكاريزمية القوية وعلاقاته الوثيقة بحلفائه الإقليميين والدوليين (فرنسا وروسيا). كما أن مشروعه العسكري (عملية الكرامة) للقضاء على الإرهاب وإسقاط مشروع الإسلام السياسي بإحكام سيطرة المؤسسة العسكرية الموحدة على البلاد لن يكون بعد غيابه كما هو عليه في وجوده، فهو مشروع مشخصن فيه من مؤيديه وخصومه على السواء.

مؤيدوه طوّبوه في صورة "القائد المنقذ" لدرجة الوقوع في طقوس "عبادة الشخص"، بينما شيطنه خصومه الإسلاميون في صورة "قذافي جديد" يقود ثورة مضادة لـ"ثورة 17 فبراير" التي يعتبرون أنفسهم ثوارها الحقيقيين وأولياء الله عليها. وهم يعتقدون أن غياب الجنرال القوي سوف يُعجِّل بتحقيق توافق سياسي جامع يضمن لهم نصيب الأسد من السلطة. لقاء جمع الرئيس ماكرون برئيس الوزراء حكومة الوفاق الليبية فائز السراج والجنرال الليبي المتقاعد المشير خليفة حفتر.

فرج العشة

ملخص المنشور في القنطرة الألماني