ليس لدفع الفلسطينيين للتفاوض قطعت واشنطن أموالها عن أونروا

الولايات المتحدة تدرك ان الضغوط المالية لن تعيد السلطة الفلسطينية الى طاولة المفاوضات التي لا تحظى بشعبية لكنها ماضية في 'الصفقة النهائية' رغم تراجع قدرتها على التأثير في صنع السلام.
غزة تحت وقع الأثر الأشد قسوة لإضعاف أونروا
واشنطن تساعد إسرائيل على فرض شروطها في تسوية النزاع المزمن

رام الله (الاراضي الفلسطينية) - رأى محللون ودبلوماسيون أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب قطع جزء كبير من المساعدات المقدمة للفلسطينيين سوف يعزز موقف إسرائيل ويضعف قدرة الولايات المتحدة على الدفع بتسوية النزاع ناهيك عن تأجيج التوتر في الشرق الأوسط.
وأعلنت الإدارة الأميركية الجمعة وقف مساهمتها في ميزانية وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في أحدث إجراء في سلسلة خطوات مثيرة للجدل اتخذتها إدارة ترامب، وأثنت عليها الحكومة الإسرائيلية لكنها أثارت الصدمة والقلق لدى الفلسطينيين لأنها تجعل برأيهم حلم إقامة دولة مستقلة أبعد من أي وقت مضى.
وتأتي هذه الاقتطاعات الكبيرة في حين يسعى المجتمع الدولي للتوصل إلى اتفاق لتخصيص مساعدات إنسانية كبيرة إلى قطاع غزة المنكوب والذي يعتمد معظم سكانه على المساعدات الخارجية.
وللقرار الأميركي أثر كبير نظراً لأن الولايات المتحدة كانت أكبر مانح منفرد للأونروا إذ ساهمت سنوياً بأكثر من 350 مليون دولار في ميزانية المنظمة الأممية التي أنشئت في 1949 وتوفر خدمات أساسية في مخيمات اللجوء حيث يقيم خمسة ملايين لاجئ فلسطيني فروا من ديارهم إبان نكبة عام 1948 وقيام إسرائيل مع أبنائهم وأحفادهم.
وتعارض إسرائيل والولايات المتحدة نقل وضعية اللاجئ إلى الأبناء والأحفاد وبالتالي تطالبان بتخفيض عدد اللاجئين إلى الحد الأدنى.
ويرى الفلسطينيون في المواقف الأميركية انحيازاً صارخاً لإسرائيل وسعياً لتجريدهم من حقوقهم.

الولايات المتحدة ترفض نقل صفة لاجئ الى الابناء والأحفاد
الولايات المتحدة ترفض نقل صفة لاجئ الى الابناء والأحفاد

وقبل أسبوع أوقفت الإدارة الأميركية تمويل مشاريع مخصصة للفلسطينيين تنفذها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وكان يخصص لها سنوياً أكثر من 200 مليون دولار.
كل هذا بعد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في كانون الأول/ديسمبر 2017، في ما شكل قطيعة مع عقود من الإجماع الدولي على ضرورة التفاوض حول وضع المدينة المتنازع عليها بين الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يتطلعون لجعل القدس الشرقية المحتلة عاصمة لدولتهم المنشودة.
وشهد افتتاح السفارة الأميركية في المدينة في أيار/مايو تصعيداً في الاحتجاجات الفلسطينية لا سيما في قطاع غزة حيث قتل عشرات الفلسطينيين على طول الشريط الحدودي بنيران إسرائيلية.
وقال دبلوماسي أوروبي لوكالة الصحافة الفرنسية السبت "إن الإجراءات الأميركية المتخذة بالتزامن مع تعهد أميركي باستخدام حق النقض ضد أي اقتراح ينتقد إسرائيل في مجلس الأمن الدولي، شجعت حكومة (بنيامين نتانياهو) التي تعد أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل".

تشجيع أميركي على الاستيطان
تشجيع أميركي على الاستيطان

وقال الدبلوماسي إن إسرائيل تزداد قناعة بأن لها مطلق الحرية لتسريع نمو المستوطنات بل وحتى التفكير بضم أجزاء من الضفة الغربية.
ورأى آلان بيكر، الدبلوماسي الإسرائيلي السابق ان الحكومة الإسرائيلية لا بد أن يسعدها قطع المساعدات.
وأضاف المحلل أن وقف تمويل "الأونروا أمر منطقي لأن المنظمة عفا عليها الزمن وتعمل على الإبقاء على وضعية اللجوء بدلا من السعي لحل المشكلة".
وقال بيكر إن الهدف من التخفيضات الأميركية إجبار الفلسطينيين على العودة إلى طاولة المفاوضات، رغم أن محللين آخرون استبعدوا حدوث ذلك.
ويحاول فريق ترامب الذي يتزعمه صهره جاريد كوشنر ومبعوث الشرق الأوسط جيسون غرينبلات تنفيذ ما وصفه الرئيس الأميركي "بالصفقة النهائية" او ما بات يُعرف باسم "صفقة القرن"، لكن الفلسطينيين قاطعوا إدارته منذ إعلانها القدس عاصمة لإسرائيل.
وقال دبلوماسي إن الإجراءات الأميركية التي تعني تخفيض المساعدات إلى الحد الأدنى، أضعفت يد ترامب. وقال "عندما لا تكون هناك أموال يمكن التهديد بقطعها، فهذا يعني أنك فقدت القدرة على التاثير".
وقال الاقتصادي الفلسطيني ناصر عبد الكريم "إن التخفيضات ستضر بالشعب الفلسطيني، لكن تأثيرها سيكون ضئيلا على السلطة الفلسطينية إذ أن هذه الاقتطاعات لن تؤثر على خزانة السلطة الفلسطينية".

اذا عادت السلطة الفلسطينية وتحدثت للأميركيين فإنها تعطيهم ضوءا أخضر لفعل كل ما يريدون فعله. وإذا لم تعد فإنهم سيفعلون ما يريدون فعله، هذا يعني خسارة في كل الأحوال

فعلى عكس بعض الدول الأوروبية، فإن الولايات المتحدة لا تقدم دعماً مباشراً لموازنة السلطة الفلسطينية، والجزء الوحيد الذي تبقى من التمويل الأميركي الذي يذهب مباشرة إلى السلطة الفلسطينية مخصص لدعم الأجهزة الامنية الفلسطينية في مجال التنسيق الأمني مع إسرائيل.
ويرى محللون آخرون إن هذا الوضع لا يشجع السلطة الفلسطينية للعودة إلى المفاوضات.
وقالت نادية حجاب رئيسة مؤسسة "الشبكة" إن "العودة إلى المفاوضات لن تحظى بشعبية كبيرة بين الفلسطينيين" على الرغم من تخوفها من أن الدعم الأميركي الكامل لإسرائيل يطلق يدها في توسيع الاستيطان.
وأضافت "اذا عادت السلطة الفلسطينية وتحدثت إلى الأميركيين فإنها تعطيهم ضوءاً أخضر لفعل كل ما يريدون فعله. وإذا لم تعد فإنهم (الأميركيون) سيفعلون ما يريدون فعله، هذا يعني خسارة في كل الأحوال".
ووافقها هيو لوفات من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية الرأي بقوله "إن هذا لن يؤدي سوى إلى جعل الفلسطينيين يصرون على نهجهم الحالي في مقاطعة الإدارة الأميركية ومهاجمة خطة السلام الأميركية التي لم يتم الكشف عنها بعد".
ولا ترى حجاب والعديد من الفلسطينيين أن الولايات المتحدة تسعى إلى إعادة القيادة الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات، بل على العكس تسعى لمساعدة إسرائيل "لإنهاء النزاع بشروطها وإضفاء الشرعية على احتلالها".
وهذا إنما يعني تجريد اللاجئين في جميع أنحاء المنطقة من حقوقهم، وبالتحديد تجريدهم من فكرة أنهم يستطيعون العودة يوماً إلى فلسطين التاريخية.
ويتمتع اللاجئون الفلسطينيون في الأردن ولبنان بحقوق أقل من حقوق المواطنين ويعتمدون على خدمات الأونروا في مجالات التعليم والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الأساسية.
أما قطاع غزة الذي تديره حركة حماس الإسلامية، فإن غالبية سكانه لاجئون، مما يعني أن أثر وقف تمويل الأونروا سيكون شديد القسوة.
وأثار صرف المئات من موظفي الوكالة بسبب تقليص التمويل احتجاجات كبيرة.
ويعاني قطاع غزة من الفقر المدقع بسبب الحصار الإسرائيلي المحكم وإغلاق مصر معبر رفح معظم الوقت، وثلاث حروب خاضتها حماس وإسرائيل منذ عام 2008.
وتعبر جهات في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بهدوء عن قلقها من أن تؤدي التخفيضات الفورية في تمويل الأونروا إلى زيادة التوتر مع إسرائيل في غزة والضفة الغربية.