مأساة وفاة الرضع في تونس تكشف ملفات فساد خطيرة

مطالب بمحاسبة المسؤولين عن فاجعة وفاة أطفال رضع في مستشفى عمومي في تونس، والكارثة تعيد ملفات الفساد في وزارة الصحة إلى الواجهة.
ارتفاع عدد الوفيات إلى 12 رضيعا
شبهات فساد في وزارة الصحة تتحكم فيها لوبيات
خامس وزير صحة يعين في حكومة الشاهد
"صيحة فزع" في قطاع الصحة عقب كارثة مستشفى وسيلة بورقيبة

تونس - أثارت فاجعة وفاة 11 رضيعا بمستشفى وسيلة بورقيبة الحكومي بالعاصمة تونس، حالة استياء كبرى في أوساط التونسيين الذين عبروا عن سخطهم ورفضهم لتدني مستوى الخدمات الصحية في مستشفيات البلاد، التي تواجه صعوبات كبيرة منها تراجع مستوى الخدمات ونقص الأدوية وهجرة الأطباء إلى الخارج.

وتفاقمت حالة الغضب في صفوف التونسيين على اثر الكشف عن ارتفاع عدد وفيات الأطفال إلى 12.
وقالت وزيرة الصحة بالنيابة سنية بالشيخ، اليوم الاثنين، خلال مؤتمر صحفي بالعاصمة تونس "سجلنا حالة وفاة الأحد وأصبح عدد الأطفال المتوفين في هذا المستشفى 12 طفلا".
وأضافت أن هؤلاء الأطفال يولدون قبل آجال الولادة الطبيعية ويخضعون لعلاج خاص وتغذية يقع تحضيرها في المستشفى.
وأكدت الوزيرة أن اتجاه التحقيق يميل إلى أن تعفنات قد مست المستحضر الغذائي ولكن لا يمكن الجزم بذلك قبل صدور نتيجة التحقيق.

وقدم وزير الصحة عبدالرؤوف الشريف، السبت، استقالته على اثر مأساة قسم التوليد وطب الرضيع بمستشفى الرابطة، التي حمل أغلب التونسيين مسؤوليتها للحكومة.

وكلّف رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، الأحد، وزيرة شؤون الشباب والرياضة سنية بالشيخ بتسيير وزارة الصحة؛ وهي خامس وزير صحة يعين على التوالي في فترة الشاهد.

وفتحت وزارة الصحة، السبت، تحقيقًا عاجلًا في وفاة الرضع، ولفتت أن أبحاث أولية أظهرت أن الوفيات ناتجة عن تعفّنات سارية في الدم تسببت سريعًا في هبوط في الدورة الدموية، دون معرفة سبب تلك التعفنات على الفور.

ويشكو التونسيون من تراجع الخدمات العمومية في البلاد وخاصة في مجالات النقل والتعليم والصحة، وذلك منذ "ثورة يناير 2011" التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، وأدت إلى حدوث تحول ديمقراطي لكن جعلت تونس تعاني من أزمة اقتصادية حادة.

وتعاني المستشفيات التونسية العمومية من نقص فادح في الأدوية نتيجة احتكار بعض المزودين، بالإضافة إلى نقص في عدد أطباء الاختصاص بالجهات الداخلية، حيث شهدت البلاد مغادرة 320 طبيبا مختصا سنة 2018.

وظهرت شبهات فساد إلى العلن داخل قطاع الصحة بتونس في السنوات الأخيرة، حيث رفعت العديد من اللفات المتعلقة بها إلى القضاء، ومن أبرزها كانت ملف "البنج الفاسد" الذي تسبب في وفاة ثلاثة مرضى، وملف صفقة لوالب قلبية اصطناعية غير صالحة للاستخدام.

وقالت بالشيخ خلال المؤتمر الصحفي إن القطاع العمومي في تونس يطلق اليوم "صيحة فزع" على خلفية المأساة التي وقعت في مستشفى وسيلة بورقيبة، والتي تعكس حالة الانهيار الكبير للصحة العمومية في الديمقراطية الناشئة منذ سنوات.

وأضافت أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد "سيتولى بشكل مباشر ملف الصحة العامة في ظل الوضع الصعب والشائك الذي يعيشه القطاع".

وتمثل حادثة الوفاة الجماعية أحدث وأخطر كارثة ضمن سلسلة من الأخطاء وحالات الفساد التي تضرب هذا القطاع الحساس، والذي يعاني من تدني الخدمات وتقادم البنية التحتية وهجرة مكثفة للأطباء إلى الخارج. وفجرت الحادثة حالة من الغضب والحزن في تونس.

وقالت بالشيخ "الأطباء في القطاع أيضا يطلقون صيحة فزع، رئيس الحكومة كلفني بالإشراف على الوزارة لكنه سيتولى الملف بصفة مباشرة".

وأفادت بأنه يجري تحليل العينات بالقسم في ثلاثة مختبرات للتأكد من أسباب الوفاة وانه سيجري الكشف عن نتائجها على الفور.

وأشارت إلى أن الملاحظات الأولية تشير إلى حالات تعفن شائعة، لكنها غير مقبولة عند مستويات معينة، لافتة إلى أن 11 رضيعا لقوا حتفهم بالإضافة إلى حالة وفاة جديدة لم يتأكد ما إذا كانت شملتها نفس الأعراض.

وقالت مديرة الصحة العمومية نبيهة البورصالي في وقت سابق "هناك إمكانية كبيرة أن تكون الجرثومة في مستحضر التطعيم".

واتهم التونسيون على مواقع التواصل الاجتماعي الحكومة بوجود إهمال وتقصير وفساد في القطاع الصحي.

وتظاهر عشرات النشطاء أمام المسرح البلدي بالعاصمة تونس، أمس الأحد، احتجاجا على المأساة التي هزت الشارع التونسي، واعتبروا أن "الدولة كلها تتحمل المسؤولية".

ورفع المحتجون شعارات منها "مستشفياتنا مقابر أطفالنا وأحلامنا"، و"حتى الرضع قتلوهم"، و"مستشفيات كردونة" (علب كرتونية).

كما حمل المحتجون علبًا كرتونية متوسطة الحجم مماثلة لتلك التي سلّم فيها مستشفى وسيلة بورقيبة بالعاصمة جثامين الرضع إلى ذويهم؛ ما أثار سخط التونسيين.
وقال هشام ماجري، ناشط سياسي وحقوقي "نحن هنا للتعبير عن رفضنا للكارثة التي ارُتكبت في حق الرضع من أبناء الطبقات المهمشة والفقيرة من الشعب التونسي البسطاء".
وأضاف الماجري "نحن متعجبون من رد فعل الشعب السلبي تجاه هذه الكارثة؛ فالقضية وطنية وليست سياسية أو حزبية".

بدورها، قالت شيماء مثلوثي، وهي ناشطة مدنية "لقد أثرت في الحادثة وأحسست أن ما وقع مس عائلتي كثيرًا، وبكيت بشدة ولا تزال غصة في داخلي".
وأضافت "الدولة تتحمل المسؤولية وكل إطاراتها (هيئاتها)، وسنواصل تحركنا الاحتجاجي".

وقال قصي بن فرج، وهو طالب وناشط مدني، إن "احتجاجنا اليوم يعبر عن غضب شبابي على الأوضاع".

وأضاف "الوضع مأساوي في تونس فيما يتعلق بالصحة العمومية والنقل، فكل شيء مترد، وليس هذا ما حلم به الشعب التونسي".

وتابع معلقًا على وفاة الأطفال "الدولة كلها تتحمل المسؤولية هم حاولوا التضحية بالوزير (وزير الصحة) كمخرج سياسي للحكومة والحال أن كل السياسيين يتحملون المسؤولية".

ومن المنتظر أن تشهد ساحة القصبة في العاصمة (حيث يوجد قصر الحكومة) غدا الثلاثاء، وقفة احتجاجية أطلقها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ #كرذونتك_و_القصبة للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن مأساة الرضع.
وكتب المشرفون على التظاهرة على فيسبوك "خلي القصبة تتكلم بأصوات الناس المهمومة... خلي القصبة تتكلم بأصوات الناس المحرومة... خلي القصبة تتكلم باسم تونس اللي نحبوها".

وحامت العديد من شبهات الفساد في قطاع الصحة في تونس في السنوات الأخيرة، حيث لم يستطع الوزراء الأربع الذي تم تعيينهم بعد 2011 من فتح الملفات .

وصرح وزير الصحة الأسبق سعيد العايدي، اليوم الاثنين، في برنامج إذاعي تونسي أن الشاهد كان عليه عدم قبول استقالة الوزير عبدالرؤوف الشريف، مشيرا إلى "وجود إرادة لهدم قطاع الصحة العمومية من قبل بعض اللوبيات مقابل غياب أي إرادة سياسية للإصلاح".

وحمل وزير الصحة الأسبق حكومة الشاهد مسؤولية الفاجعة لأنها لم ترصد ميزانية كافية للصحة العمومية التي تعرف هجرة كفاءاتها وهروبها نحو الخارج.

وكان العايدي قد كشف في وقت سابق عن وجود "شبهات فساد ولوبيات قوية" في وزارة الصحة. وأوضح أنه قام خلال توليه منصب وزارة الصحة بإقالة أشخاص من مهامهم بمستشفى الحبيب بورقيبة بصفاقس بعد القيام بعملية تدقيق أسفرت عن وجود سوء تصرف مالي وإداري فضلا عن شبهات فساد تطالهم، غير أنهم عادوا بعد ثلاثة أشهر إلى مناصبهم.

وكشف العائدي أن "المشاكل التي اعترضته حين حاول كشف ملفات فساد في مستشفى صفاقس والتي كانت السبب المباشرة لابعاده من الوزارة أنذاك، لم تكن مع النقابة وإنما مع أشخاص تحوم حولهم شبهات فساد واضحة فيما يخص إدارة الأدوية التي تعتبر خارجة عن سيطرة الدولة".
من جهتها طالبت المعارضة بالاستقالة "الفورية للحكومة وتحميلها مسؤولية تردي الأوضاع على كافة المستويات والخوف من مغبة حصول مزيد من الكوارث نتيجة تفرغها لتأسيس حزب سياسي بدل خدمة المواطن"، في إشارة إلى حزب "تحيا تونس" الذي ساهم في تأسيسه رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد مؤخرا، وذلك استعدادا لخوض الانتخابات التي ستشهدها البلاد خلال أشهر.