مئة يوم في قرطاج والتونسيون لازالوا يجهلون استراتيجية الرئيس

أول وعد انتخابي ينجح في تنفيذه قيس سعيّد الذي تقتصر صلاحياته الدستورية على العلاقات الدبلوماسية والأمن القومي، هو زيارة الجزائر الأحد المقبل.

تونس - يبدو أن الرئيس التونسي قيس سعيّد قد اختار مواصلة انتهاج الغموض كاستراتيجية أثبتت فعاليتها لتفادي احتراق ورقته أمام الرأي العام والأحزاب التي خسرت الكثير وخذلت التونسيين منذ نهاية نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 2011.

واليوم الخميس تمر مئة يوم على وصول سعيّد إلى سدة الحكم تميزت بتجاذبات سياسية حادة دفعته ليصبح في وسط المعترك السياسي في ظل عدم تشكيل حكومة جديدة حتى الآن.

لم تكن علاقة قصر قرطاج بالإعلام جيدة منذ أن وصل سعيّد (61 عاما) الجامعي المتخصص في القانون الدستوري إلى الحكم، ويطل الخميس أمام الصحافة في حوار يبثه التلفزيون الحكومي يتحدث فيه لأوّل مرّة منذ أدائه اليمين الدستورية في 23 تشرين الأول/أكتوبر عن حصيلة عمله.

لم يخاطب سعيّد التونسيين إلا في مناسبات قليلة وهو الذي ركز حملته الانتخابية على الدفاع عن لامركزية القرار السياسي وانتقاد طبقة سياسية حاكمة لم تنجح في إيجاد حلول للوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب في البلاد منذ ثورة 2011.

برز اهتمامه الشديد بهذين الملفين بالرغم من أن صلاحياته الدستورية تقتصر على العلاقات الدبلوماسية والأمن القومي حصرا.

أمسك سعيّد بملف ليبيا وقابل في خصوصه ممثلين دبلوماسيين ورؤساء دول فاعلين فيه على غرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كانت زيارته إلى تونس في ديسمبر الماضي سببا في توجيه الانتقادات للرئيس التونسي.

في المقابل لم يغفل سعيّد فتح أبواب الرئاسة لاستقبال شباب عاطلين عن العمل من المناطق الداخلية في البلاد يبحث معهم مقترحاتهم لحل أزمة انتاج الفسفات في قفصة (جنوب).

لم تتخذ إجراءات عملية إثر لقائهم لكنه طمأنهم في انتظار حسم تشكيل الحكومة المقبلة التي توكل لها هذه المهام.

يقول المحلل السياسي يوسف الشريف "ليس لدينا فكرة محددة على استراتيجيته، وليس هناك حكومة وبذلك فإن هناك بطء في عجلة الدولة".

إلى ذلك فإن غياب برنامج سياسي واضح المعالم خصوصا اثر الانتخابات النيابية التي أفرزت برلمانا بكتل نيابية مشتتة يزيد في تعقيد الوضعية في البلاد.

كل الأحزاب التونسية تحفر قبورها ما عدا قيس سعيّد الذي يواصل استراتيجية الغموض 

وجد سعيّد نفسه ملزما دستوريا بتكليف شخصية لتشكيل الحكومة إثر فشل مرشح حركة النهضة الإسلامية الحبيب الجملي في نيل ثقة البرلمان مطلع كانون الثاني/يناير لـ"يفرض لعبته" في العملية السياسية في تقدير الشريف.

اشترط الرئيس التونسي خلال دخوله في مشاورات سياسية مع الأحزاب قبل ترشيح وزير المالية الأسبق إلياس الفخفاخ، أن تقدم الأحزاب والكتل السياسية مقترحاتها "كتابيا" في محاولة لتجنب إهدار الوقت.

لم يكن الفخفاخ مرشحا من النهضة 54 مقعدا من أصل (217) وحزب "قلب تونس" (38 مقعدا)، ولكنه أكد منذ أول ظهور له في الإعلام أنه يستمد شرعيته من الرئيس سعيّد دون سواه.

طلب سعيّد من الفخفاخ أن يأخذ بالاعتبار في برنامج عمله "أنّاة العاطلين عن العمل وأنّاة الفقراء".

يبقى سيناريو رفض البرلمان لحكومة الفخفاخ قائما وأمام سعيّد إمكانية حل البرلمان والدعوة لانتخابات نيابية مبكرة بداية من منتصف آذار/مارس، على ما ينص الدستور التونسي في فصل 89.

دبلوماسيا، من الصعب الوقوف على تغيير واضح المعالم في سياسة البلاد.

يعتبر الشريف "بدأنا نرى نوعا من الحفاظ على السيادة"، معلّلا ذلك برفض تونس الدخول في حلف مع أنقرة في خصوص الملف الليبي بالإضافة إلى رفض دعوة برلين في منتصف كانون الثاني/يناير للمشاركة في المؤتمر الدولي حول ليبيا لأنها وصلت "متأخرة".

لم يقم الرئيس التونسي بأية زيارة رسمية في انتظار تشكيل الحكومة، إنما زار مسقط فقط لأداء واجب العزاء إثر وفاة السلطان قابوس ومن المرتقب أن يزور الجزائر الأحد وهو ما وعد قدمه للناخبين خلال حملته الرئاسية، حيث قال إن الجارة الغربية الجزائر ستكون أول وجهاته الخارجية عند توليه مهامه كرئيس.

ظهر حرصه على الحفاظ على السيادة الوطنية جليّا في حملته الانتخابية وفي خطابه خلال أداء اليمين. غير أن رفض دعوة برلين أثار انقساما لدى الرأي العام، اعتبره البعض مفخرة للدبلوماسية التونسية وآخرون وصفوا القرار بالمتسرّع.

كما أثار استقبال سعيّد لمجموعة من اليتامى من أبناء الجهاديين التونسيين في ليبيا انتقادات واسعة وأظهر في المقابل التزاما من قبل السلطات بهذا الملف الذي طالما تجنبت الخوض فيه.

طالبت منظمات المجتمع المدني منذ مدة بتسلم هؤلاء الأطفال وأمهاتهم العالقين في ليبيا. لكن لم يحظ هذا الجدل بمكانة في نقاشات البرلمان نتيجة لاحتدام الصراعات بين النواب والكتل حول تشكيل الحكومة المقبلة.

يقول عنه المحلل السياسي والباحث من "مجموعة الأزمات الدولية" مايكل العيّاري "كل الأحزاب تحفر قبورها ما عدا هو... قيس سعيّد ظاهرة جديدة"، مضيفا "الكل ينتظر رجلا قوّيا...وعليه أن يظهر ذلك".

اللافت اليوم في شخصية سعيّد الغامضة هو عدم تعليق الرئاسة التونسية على صفقة القرن التي قدمها هذا الأسبوع الرئيس الأميركي بشأن خطته للسلام في الشرق الأوسط والتي تخص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خصوصا أن موقف سعيّد الرافض للتطبيع مع إسرائيل كان أبرز الدعايات التي اعتمد عليها لكسب الناخبين.

في المقابل نجد الرئاسة التونسية تصدر بيانا الأربعاء تشير فيه إلى استجواب سعيّد لوزيرة الشباب والرياضة سنية بالشيخ حول مشاركة لاعب تنس يحمل الجنسية الإسرائيلية في فعالية رياضية في تونس.

يذكر أن سعيّد قال خلال مناضرة تلفزيونية سبقت فوزه بالرئاسة إن "تونس في حالة حرب مع الكيان الغاصب (يقصد إسرائيل) الذي شرّد الشعب الفلسطيني”.

هذا الغموض والازدواجية في المواقف يجعل من سعيد حسب نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، محل تساؤولات بشأن كيفية قيادته للملفات الخارجية وتعامله مع القضايا الدولية التي تخص تونس وهي تمر حاليا بمرحلة عزلة تفاقمت مع فشل الأحزاب في تشكيل حكومة جديدة رغم مرور أكثر من 3 أشهر على الانتخابات التشريعية التي فاز بأغلبيتها حزب النهضة الإسلامي.