ماذا يأتي بعد داعش؟!

من غير المعقول تقوم تنظيمات مثل داعش بإيجاد مساحات نفوذ دون التنسيق للتزود بالسلاح مقابل البترول ومن غير الممكن أن تفشل أجهزة المخابرات الدولية أمام مجموعات تتحرك في مساحات مكشوفة ومعروفة.

بقلم: منى مكرم عبيد

ربما تم القضاء على رأس تنظيم داعش، ولكن تظل الفكرة والكيان موجودين بيننا، ولاتزال التحليلات مستمرة بشأن مستقبل التنظيم، رغم قضاء القوات الأمريكية على زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي، وهذا ما يعيد للأذهان ما قام به الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بالقضاء على أسامة بن لادن، ومع ذلك لم يختف تنظيم القاعدة وخطره من العالم.

المتابع لتحليلات الصحف الأمريكية ومراكز التفكير سيجد أن السؤال الذي يشغل البال هو: ماذا بعد تنظيم داعش؟ وهل الإدارة الأمريكية قادرة على اقتلاع مخاطر التنظيم من جذوره، أم أن استهداف رأس التنظيم مجرد خطوة ولاتزال هناك العديد من الخطوات للوقوف على هذا الأمر؟

بالفعل هذا صحيح، ويبدو أننا مع مرحلة بزوغ تنظيم جديد سيعاني منه المجتمع الدولي لسنوات قادمة، فالخبرة العملية تشير إلى أن القضاء على رأس أي تنظيم إرهابي يتم من داخله ليؤسس نواة تنظيم جديد، ويحدث ذلك سواء عبر خيانة للزعيم حبًّا في المكافأة أو رغبة في الزعامة، وتكرر ذلك في حادثتي أسامة بن لادن وأبوبكر البغدادي، ولم تكن مفاجأة في سرعة اختيار زعيم جديد للتنظيم، رغم تأكيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه تم استهداف البغدادي والشخص الثاني بالتنظيم، إلا أنه توالى إعلان الولايات المختلفة البيعة في العراق وتركيا وسيناء وغيرها من المناطق، حتى إن السيدات الموجودات في مخيم الهول شمال سوريا قدمن البيعة للزعيم الجديد أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، ما يثير القلق في النفوس.

الغريب في الأمر هو عدم قدرة الدول الأوروبية على مواجهة خطر داعش بشكل جذري، رغم ما تم إنفاقه من مليارات الدولارات للقضاء على الإرهاب، وحتى الآن لم يتم حل أزمة العالقين في مخيم الهول بشمال سوريا، فهناك أرقام مرعبة تأتينا من هذا المخيم، حيث تتواجد 12 ألف امرأة من عوائل عناصر وقادة داعش، الذين فروا من المناطق التي جرت فيها معارك ضد داعش في دير الزور والرقة، وأنه وفقا لتقديرات «يونيسف» هناك 28 ألف طفل من أكثر من 60 دولة عالقون في شمال شرق سوريا، منهم 20 ألف طفل من العراق، معظمهم يقيمون في مخيمات النزوح، إلى جانب 11 ألف مقاتل، منهم 7 آلاف تونسي.

هذه الأزمة لم يقدر المجتمع الدولي على حلها حتى الآن، وهي قنبلة موقوتة من الممكن أن تنفجر في وجوهنا جميعا، وخطرها يزيد على خطر داعش، فالتنظيم الإرهابي بنى امبراطوريته الضخمة من خلال ترويع الآمنين، والاستيلاء على آبار البترول والضرائب في المناطق الخاضعة لسيطرته.. ووفقا لمجلة «فورين بوليسي» كان التنظيم يحصد 800 دولار سنويًّا من الضرائب، أما حالات العنف والقتل البشع التي كان يقوم بها فكانت لخدمة أجندته في الترويع والتعامل مع الإعلام بهذا الشكل العنيف، إلا أن وجود عدد من السيدات والأطفال بهذا الحجم دون القدرة على معرفة مصيرهم فهذا يعني أن هؤلاء نواة تنظيمات متطرفة ستظهر قريبا.

فرنسا وألمانيا تقومان باستعادة بعضهم على استحياء، وحسب كل حالة، وفقًا لمنظور حقوق الإنسان وغيرها من المفاهيم.. في فرنسا يرفض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عودة المقاتلين الفرنسيين إلى بلادهم، بينما يربط القضاء الفرنسي عودتهم بموافقة السلطة السياسية، وهو ما يعني اشتراط موافقة الرئيس الفرنسي أولًا، وفي ألمانيا يتم قبول بعض الأحكام المتعلقة بالمقاتلين في العراق ومحاسبة المقاتلين الألمان في مناطق النزاع مثل العراق، وترفض قبول الضغوط الأمريكية لاستعادة المقاتلين الألمان، في حين أعلنت وزارة الداخلية الألمانية أنها تدرس كل حالة على حدة قبل الموافقة أو الرفض على عودتهم. ومؤخرًا، ظهر حكم قضائي يجبر الحكومة الألمانية على استعادة سيدة وأطفالها من مخيم الهول بسوريا بناء على قضية رفعها زوجها، وخطورة هذا الحكم في إمكانية إقدام عدد من المقاتلين الألمان المتواجدين هناك على استعادة أسرهم وأطفالهم، وهو ما يُعبّر عن وجود عدد من الدواعش على الأراضي الألمانية، وكلها تحديات تكشف عن عمق الأزمة وفشل الدول الأوروبية في المواجهة حتى الآن.

لذا فالقضاء على البغدادي خطوة، ولكن الأهم كيف سيتم اقتلاع جذور التطرف لمنع بزوغ تنظيمات إرهابية جديدة؟ وهذا يتطلب وضوحًا أكثر في التعامل، وعدم الارتكان إلى تنافس أمريكي- روسي على مواجهة الإرهاب في مقابل تحقيق مصالح للدول الكبرى في صراع الهيمنة على مناطق النفوذ، فلاشك أن ظهور داعش كان خطوة للهيمنة على آبار النفط في سوريا والعراق، واستفادت دول عديدة من هذا الأمر، والصراع قد ينتقل إلى ليبيا خلال المرحلة المقبلة في إطار الهيمنة على الثروات المعدنية والبترول أيضا، ومن غير المعقول أن تقوم هذه التنظيمات بإيجاد مساحات نفوذ لها دون التنسيق مع الدول الكبرى للتزود بالسلاح مقابل البترول، ومن غير الممكن أن تفشل أجهزة المخابرات الدولية أمام مجموعات تتحرك في مساحات مكشوفة ومعروفة، لذا يظل الهاجس مستمرًا بشأن الخطر القادم.

نُشر في المصري اليوم