ماكرون والأمير محمد يستعجلان تسوية للشغور الرئاسي في لبنان

باحث فرنسي يرجح أن تلعب السعودية دورا للتخفيف من حدّة موقف حزب الله وذلك من خلال إيران للتوصل إلى حلّ وسطي بشأن الرئاسة في لبنان، مضيفا أن المسألة هي معرفة ما إذا كانت مصالحة الرياض وطهران يمكن أن تساهم في تهدئة الساحة السياسية اللبنانية.

باريس - أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة على "ضرورة الإسراع في إنهاء الشغور السياسي المؤسساتي في لبنان". وقالت الرئاسة الفرنسية في بيان، إن مباحثات ثنائية جرت بين الزعيمين "يتقدمها ملفا الحرب في أوكرانيا وأزمة الرئاسة في لبنان".

وأضافت أن عدم انتخاب رئيس منذ ثمانية أشهر "يبقى العائق الرئيسي أمام معالجة الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الحادة" التي يعانيها لبنان. وذكّر ماكرون والأمير محمد أيضا بـ"تمسكهما المشترك بالأمن والاستقرار في الشرقين الأوسط والأدنى"، معربين عن نيتهما مواصلة جهودهما المشتركة من أجل تهدئة دائمة للتوترات"، وأيضا عزمهما على "تطوير وتعميق الشراكة بين البلدين"، وفق المصدر ذاته.

ومنذ سبتمبر/ أيلول 2022، فشل البرلمان اللبناني عبر 12 جلسة آخرها الأربعاء الماضي، في انتخاب رئيس للبلاد خلفا لميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وقبل اللقاء توقعت مصادر دبلوماسية أن يطلب الرئيس الفرنسي من ولي العهد السعودي أن يستخدم نفوذ بلاده في لبنان لكسر الجمود السياسي الذي أدّى إلى فشل البرلمان مرارا في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، كان آخرها الأربعاء، وسط انقسام سياسي يزداد حدّة بين حزب الله وخصومه وينذر بإطالة الشغور الرئاسي، على وقع انهيار اقتصادي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850.

وكانت السعودية قد انتقلت إلى مرحلة الحياد الايجابي في أزمة الشغور الرئاسي وتراجعت عن تحفظاتها على مرشح الثنائي الشيعي: حزب الله وحركة أمل سليمان فرنجية رئيس تيار المرده الذي يحظى على ما يبدو بدعم فرنسا.

وقال وليد بخاري سفير السعودية لدى لبنان إنه بلاده لا تعترض على اي مرشح للرئاسة في لبنان وأنها لن تكون طرفا في أي تسوية، مشيرا وفق ما نقل عنه بعض من محدثيه خلال لقاءات أجراها مع قادة قوى سياسية لبنانية في الفترة الماضية، أن التسوية يجب أن تكون لبنانية، لكن في ظل تعثر انتخاب رئيس للبلاد تقول مصادر محلية إنه قد يصار إلى فرض تسوية من الخارج.

وعيّن الرئيس الفرنسي وزير الخارجية السابق جان-إيف لودريان "مبعوثا خاصا إلى لبنان" لمحاولة المساعدة في التوصل إلى مخرج من المأزق السياسي. ويُتوقع أن يزور السياسي المخضرم بيروت قريبا.

ويشير الباحث ديني بوشار المستشار لشؤون الشرق الأوسط في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، إلى أن الرياض قد "تلعب دورا للتخفيف من حدّة موقف حزب الله وذلك من خلال إيران للتوصل إلى حلّ وسطي" بشأن الرئاسة في لبنان، مضيفا "المسألة هي معرفة ما إذا كانت مصالحة السعودية وإيران يمكن أن تساهم في تهدئة الساحة السياسية في لبنان".

وأعلنت السعودية وإيران في مارس/اذار الماضي استئناف علاقاتهما الدبلوماسية في اتفاق مفاجئ أُبرم برعاية الصين، ما أثار آمالا بحلحلة ملفات إقليمية عدة.

ويترأس الأمير محمد وفد المملكة المشارك في قمة من أجل ميثاق مالي عالمي جديد مقرر عقدها في باريس يومي 22 و23 يونيو/حزيران الجاري، فيما تهدف القمة، وفق بيانات فرنسية سابقة، إلى "تعزيز تمويل الأزمات للبلدان الضعيفة وفي مقدمتها أزمة المناخ".

ويناقش الرئيس الفرنسي مع ضيفه التحضيرات لهذه القمة الهادفة إلى "جمع التمويل الخاص والعام وتركيزه حيث تشتد حاجة العالم والناس إليه لمحاربة الفقر وقيادة التحوّل المناخي الضروري وحماية التنوع البيولوجي"، حسب ما أوضح الجانب الفرنسي.

كما سيشارك ولي العهد السعودي في حفل استقبال المملكة الرسمي لترشيح الرياض لاستضافة "إكسبو 2030" المقرر عقده في باريس في 19 يونيو/الجاري، بينما تعد هذه الزيارة الثانية خلال أقل من عام للأمير محمد إلى فرنسا بعد أولى جرت في يوليو/تموز 2022.

وسبق أن التقى الزعيمان في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، على هامش قمة التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ بالعاصمة التايلندية بانكوك.

وفي لقاء جرى في قصر الاليزيه بحث الأمير محمد وماكرون الجمعة، تطوير العلاقات وقضايا دولية. وعقد الجانبان "اجتماعا ثنائيا موسعا بحضور وفدي البلدين"، جرى خلاله "استعراض العلاقات التاريخية والإستراتيجية بين البلدين وسبل تطويرها في جميع المجالات"، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس) التي قالت أيضا "تبادل الطرفان وجهات النظر حول مستجدات الأحداث الدولية والإقليمية وتنسيق الجهود المبذولة المشتركة بشأنها". وفي وقت سابق الجمعة، بثت قناة "الإخبارية" السعودية الرسمية، لقطات وصول ولي العهد السعودي واستقباله من جانب ماكرون.

وتنأى السعودية بنفسها إلى حدّ ما في الملف الأوكرانيوقد دعت إلى إنهاء الحرب، لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حضر الشهر الماضي جانبا من قمة جامعة الدول العربية التي استضافتها المملكة في مدينة جدّة، في أول زيارة له إلى الشرق الأوسط منذ بدء الغزو الروسي لبلاده. حينها، وضع ماكرون طائرة حكومية فرنسية بخدمة زيلينكسي أقلّته إلى جدّة ثمّ إلى اليابان للمشاركة في قمة مجموعة السبع.

وكانت الرياض صوّتت لصالح قرارات مجلس الأمن المندّدة بالغزو الروسي وضمّ موسكو مناطق في شرق أوكرانيا، لكنّها في الوقت نفسه واصلت التنسيق بشكل وثيق مع روسيا حول السياسات النفطية. وتوسّطت في عملية تبادل للأسرى بين كييف وموسكو.

ويسعى ماكرون علنا إلى إقناع دول غير منحازة على غرار الصين والهند وكذلك السعودية، بالضغط على موسكو لإنهاء حربها على أوكرانيا، بينما رأى أن زيارة زيلينسكي لجدّة سمحت "بالحصول على دعم واضح جدا من الرياض وقوى كبرى أخرى في المنطقة".