ماكرون يُوبّخ ساسة لبنان ويمهلهم شهرا لتشكيل الحكومة

الرئيس الفرنسي يندد بـ"نظام من الفساد يتمسك به الجميع لأن الجميع يستفيدون منه"، مستنكرا قيام بضع عشرات من اللبنانيين بإسقاط بلاد.
ماكرون يستهجن خيانة ساسة لبنان ونقضهم لتعهداتهم
ماكرون يراوح بين التهديد والترغيب في الضغوط على الفرقاء اللبنانيين
الرئيس الفرنسي يهاجم ضمنا حركة أمل وحزب الله
ماكرون لا يستبعد فرض عقوبات على ساسة لبنانيين لكن ليس الآن

باريس/بيروت - وجه الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون مساء الأحد في مؤتمر صحفي تمت الدعوة إليه على عجل في قصر الاليزيه بباريس، انتقادات حادة وتوبيخا لساسة لبنان واتهمهم بأنهم خانوا تعهداتهم على تعطيل تشكيل الحكومة واضطرار رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب السبت للاعتذار عن استكمال مهمته.

وبدا ماكرون غاضبا بعد أن وجه الفرقاء اللبنانيون ضربة قاصمة للجهود التي بذلها من أجل حشد الدعم الدولي للبنان ومساعدته في محنته على اثر الانفجار الكارثي الذي هزّ مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/اب وخلف خسائر بمليارات الدولارات ونحو 190 قتيلا وأكثر من 6 آلاف جريح.

ومساء الأحد قال الرئيس الفرنسي إنه "أخذ علما بالخيانة الجماعية" للأحزاب اللبنانية التي تتحمل "كامل المسؤولية" عن هذا الفشل، مضيفا "أخجل" مما قام به القادة اللبنانيون.

وأضاف "إن "خارطة الطريق (التي أعلنت) في الأول من أيلول/سبتمبر باقية (...) إنها المبادرة الوحيدة التي اتخذت على الصعيد الوطني والاقليمي والدولي (...) لم يتم سحبها من الطاولة (...) ولكن يعود الآن إلى المسؤولين اللبنانيين أن ينتهزوا هم هذه الفرصة الأخيرة".

واستبعد فرض عقوبات على القادة اللبنانيين حاليا، موضحا أنه لا يعتقد أن فرض العقوبات سيكون مفيدا في هذه المرحلة، لكنه قد يفكر في ذلك في مرحلة لاحقة بالتشاور مع آخرين.

وبدا لبنان الأحد بدون أي أفق للخروج من الأزمة بعد اعتذار رئيس الوزراء المكلف عن عدم تشكيل حكومة في ظل خلافات الفرقاء على الحقائب الوزارية.

وكانت الأحزاب السياسية تعهدت لدى ماكرون الذي زار بيروت في مطلع سبتمبر/أيلول بتشكيل حكومة تضم اختصاصيين ومستقلين في مهلة أسبوعين، من أجل الحصول على المساعدة الدولية اللازمة لإنقاذ البلاد من الانهيار.

وكانت كلمة ماكرون موضع ترقب، فقد عنونت صحيفة النهار اللبنانية "تداعيات خطيرة للاعتذار والأنظار إلى ماكرون".

لكن رغم توجيهه الانتقادات الشديدة إلى السياسيين اللبنانيين، قال ماكرون إن أمامهم "فرصة أخيرة" لاحترام هذه التعهدات بهدف تشكيل "حكومة بمهمة محددة تحصل على المساعدة الدولية".

وقد أعطى اعتذار مصطفى أديب عن مهمة تشكيل الحكومة بعد أقل من شهر على تكليفه، شعورا بالعودة إلى المربع الأول في ظل غموض تام يلفّ المشهد اللبناني.

ووفقا للدستور، يتعيّن على الرئيس اللبناني إجراء مشاورات برلمانية ملزمة جديدة لتكليف رئيس وزراء جديد من أجل تشكيل الحكومة، لكن هذه العملية مهددة مرة أخرى بالتأجيل والتأخير وربما الفشل مُجددا.

ومنذ تكليف أديب بتشكيل الحكومة في 31 اغسطس/اب، سعى إلى تشكيل حكومة اختصاصيين قادرة على إقرار الإصلاحات الضرورية.

واصطدمت جهوده خصوصا بإصرار الثنائي الشيعي ممثلا بحزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد، وحليفته حركة أمل بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري، على تسمية وزرائهما والتمسّك بحقيبة المال.

وفي هذا السياق قال ماكرون إن على حزب الله "ألا يعتقد أنه أقوى مما هو"، مضيفا أن حزب الله "لا يمكن أن يكون في الوقت نفسه جيشا يحارب إسرائيل وميليشيا في سوريا وحزبا يحظى باحترام في لبنان. عليه أن يثبت أنه يحترم جميع اللبنانيين. وفي الأيام الأخيرة، أظهر بوضوح عكس ذلك"، مضيفا "رغبة حركة أمل وحزب الله كانت عدم القيام بأي تنازل".

وأعلن الرئيس الفرنسي أيضا أنه سيجمع "بحلول عشرين يوما كل أعضاء مجموعة الدعم الدولية للبنان لترسيخ وحدة المجموعة الدولية بشأن المراحل المقبلة"، موضحا أن المرحلة الأولى "ستكون المطالبة بنتائج التحقيق في أسباب انفجار 4 اغسطس أخيرا ونشرها وتحديد المسؤولين"، في إشارة إلى الانفجار الضخم الذي وقع في مرفأ بيروت.

لبنان على مفترق طرق بعد نسف الثنائي الشيعي حليف عون للمبادرة الفرنسية
لبنان على مفترق طرق بعد نسف الثنائي الشيعي حليف عون للمبادرة الفرنسية

وتحدث عن مهلة "أربعة إلى ستة أسابيع" لكي يرى المانحون الدوليون ما إذا كان لا يزال من الممكن أن يشكل لبنان حكومة ذات مهمة أو يجب التفكير في تغيير كامل للمشهد.

وقال "خلال شهر أو شهر ونصف سنكون مضطرين لعرض الوضع، فإذا لم يحصل أي تقدم على الصعيد الداخلي فسنكون مضطرين للتفكير في مرحلة جديدة بشكل واضح جدا وطرح مسألة الثقة: هل لا يزال من الممكن تشكيل حكومة ذات مهمة محددة على أساس خارطة الطريق؟ أو يجب في ذلك الوقت تغيير المعطيات واحتمال المضي في طريق منهجي أكثر لإعادة تشكيل المشهد السياسي في لبنان؟" مضيفا أن تلك الفرضية "ستنطوي على مغامرة".

كما ندد الرئيس الفرنسي بـ"نظام من الفساد يتمسك فيه الجميع لأن الجميع يستفيدون منه"، مضيفا "اليوم، يقوم بضع عشرات من الأشخاص بإسقاط بلاد". ورغم اللهجة الحادة جدد ماكرون دعم بلاده للبنان قائلا "فرنسا ستبقى ملتزمة إلى جانب أصدقائها اللبنانيين".

وتتصاعد المخاوف الأمنية في لبنان أيضا بعد مقتل عسكريين لبنانيين ليل السبت الأحد علىلا أيدي "إرهابيين" في بلدة في شمال البلاد، كما أعلن الجيش اللبناني في بيان، فيما أفاد مصدر أمني الأحد بأن تسعة مسلحين على الأقل يشتبه بانتمائهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية قتلوا في الشمال بعد عملية مطاردة قامت بها القوى الأمنية.

وكان الرئيس اللبناني ميشال عون حذر الاثنين من أن البلاد تتجه نحو "جهنم" في حال عدم توافق القوى السياسية على تشكيل حكومة.

وقال كريم بيطار الخبير السياسي في شؤون الشرق الأوسط "إذا لم نذهب إلى جهنم، فقد نشهد تزايدا للعنف وإضعافا للمؤسسات العامة وتفاقما للأزمة الاقتصادية وموجة جديدة من الهجرة".