مالي في انعطافة مربكة تنفتح على حوار مع الجماعات المتطرفة

الرئيس المالي يقر بفتح قنوات للتواصل مع المتمردين المتشددين دينيا بعد أن دفعت قطر بشدة قبل سنوات لتمكين الجماعات المتشددة من المشاركة في السلطة.
مالي رفضت مرارا التواصل مع الجماعات الإرهابية رغم الضغوط القطرية
الرئيس المالي يكلف تراوري لبناء الجسور مع الجميع بمن فيهم متطرفين
قطر دفعت في السنوات الأخيرة لتمكين المتطرفين في مالي من المشاركة في السلطة

باماكو - أقر رئيس مالي إبراهيم أبوبكر كيتا للمرة الأولى بفتح قناة للتواصل مع متمرّدين جهاديين وهو خيار كانت الحكومة قد رفضته مرارا.

لكن تنامي الهجمات الإرهابية أجبر الحكومة المالية على ما يبدو على التوجه نحو الحوار مع الجماعات المتطرفة.

وقال كيتا في مقابلة مع قناة فرانس 24 ومحطة راديو فرانس إنترناسيونال الإذاعية تقرر بثها الاثنين إن "عدد القتلى في منطقة الساحل يرتفع بشكل مطّرد وقد حان الوقت لاستكشاف قنوات جديدة".

ومنذ العام 2012 تشهد مالي هجمات إرهابية أسفرت عن مقتل آلاف العسكريين والمدنيين ولم تتمكّن السلطات حتى الآن من احتوائه.

لكن حكومة باماكو لطالما استبعدت التحاور مع الزعيمين الجهاديين أمادو كوفا وإياد أغ غالي، إلا أن كيتا بدا في المقابلة وكأن السلطات المالية غيّرت موقفها الرافض لفتح حوار مع الجهاديين.

وقال الرئيس المالي "نحن مستعدون لبناء جسور التواصل مع الجميع في مرحلة ما سيكون علينا الجلوس حول طاولة والتحدث"، كاشفا أنه أوفد الرئيس السابق ديونكوندا تراوري ممثلا عنه "في مهمة". وقال إن عمل تراوري يقتضي "الاستماع إلى الجميع".

وتراوي مكلّف بالبحث عن أشخاص منفتحين على "خطاب عقلاني"، لكنّه أكد أنه لا يعوّل كثيرا على فرص نجاح هذه المبادرة و"لا يكن احتراما لمن يعطون الأوامر لأشخاص بدخول مسجد وتفجير أنفسهم وسط المصلين".

الحكومة المالية رفضت في السابق التفاوض مع زعيم انصار الدين إياد أغ غالي
الحكومة المالية رفضت في السابق التفاوض مع زعيم انصار الدين إياد أغ غالي

وأعلن أبوبكر كيتا أيضا أن القوات المالية بدأت الاثنين بالانتشار باتجاه بلدة كيدال الشمالية التي تعد رمزا لغياب الحكومة في شمال البلاد الذي تمزقه النزاعات، مضيفا "ونحن نتحدث، الجيش يتحرك باتجاه كيدال وأعتقد أنه أمر جيد للغاية".

ولقي الآلاف من الجنود والمدنيين حتفهم في النزاع الذي وجدت مالي صعوبة في احتوائه حتى بمساعدة الآلاف من القوات الأجنبية.

ومع ذلك، تعد عودة القوات المالية إلى كيدال خطوة نحو إعادة تأكيد الحكومة سيطرتها على أراضيها الشاسعة.

ويُعد نشر الجنود في كيدال بندا رئيسيا في تنفيذ اتفاق السلام بالجزائر الذي أبرم بين الحكومة في باماكو وبعض الجماعات المتمردة في عام 2015، فيما يُنظر إلى هذا الاتفاق بدوره كإحدى الطرق القليلة لتجنب الغوص في دوامة مفرغة من العنف في مالي.

وقال كيتا إنه يتوقع وصول الجيش إلى كيدال يوم الجمعة بعد الانطلاق من بلدة غاو الشمالية والتي تقع على بعد حوالي 200 كيلومتر إلى الجنوب من البلدة، محذرا من أن الرحلة محفوفة بالمخاطر.

وقال "من الطبيعي إذن أن تتصرف قيادة الأركان العامة والقوات المالية والقوات المتحالفة معها بحذر".

ويتعرض الجنود الماليون بصورة متكررة لكمائن تنصبها الجماعات الإسلامية أو هجمات بقنابل تزرع على جانب الطريق، توقع ضحايا في صفوفهم.

وقال ضابط بالجيش المالي طلب عدم الكشف عن هويته إن نحو 200 رجل يتجهون شمالا إلى كيدال على متن عشرات العربات.

وسقطت كيدال بأيدي متمردي الطوارق الانفصاليين في عام 2012 وهم ما زالوا يسيطرون على المدينة على الرغم من وجود قوات الأمم المتحدة وقوات فرنسية في المنطقة.

ووقع المتمردون اتفاق سلام مع الحكومة في باماكو في عام 2015، على الرغم من أنه لا يزال هشا.

مئات الجنود الماليين قتلوا في كمائن مسلحة او في تفجيرات بعبوات ناسفة زرعت على الطرقات
مئات الجنود الماليين قتلوا في كمائن مسلحة او في تفجيرات بعبوات ناسفة زرعت على الطرقات

ومن بين أشياء أخرى، نص الاتفاق على انضمام المتمردين السابقين إلى الجيش الذي ينبغي أن يعود في النهاية إلى الشمال، لكن لا تزال مسألة كيدال تثير توترا إذ تشعر حكومات البلدان المجاورة لمالي بالقلق من المجموعات المتمردة السابقة والتي تشتبه في أنها على سبيل المثال، تتعاون مع الجهاديين. وهي تنظر إلى المدينة باعتبارها قاعدة خلفية للمتطرفين الإسلاميين.

وتأتي تصريحات كيتا غداة مقتل ثلاثة عناصر من الدرك المالي وجرح ثلاثة آخرين في هجوم على موقع عسكري وسط البلاد.

وحصل الهجوم على بعد حوالى 10 كلم من موقع شهد هجوما كبيرا لجهاديين في يناير/كانون الثاني استهدف معسكرا للدرك في سوكولو وأدى إلى مقتل 20 عسكريا ماليا.

وعقد مؤتمر وطني في العام 2017 ضم حزب كيتا وأحزابا معارضة دعا إلى إجراء محادثات مباشرة مع الجهاديين كسبيل لحل الأزمة في مالي، لكن الحكومة لم تتخذ أي خطوة في هذا الاتجاه.

وإياد أغ غالي هو أحد قادة الطوارق الذين ثاروا ضد حكومة مالي في تسعينات القرن الماضي ضمن الحركة الشعبية لتحرير أزواد واشتهر بالدور الذي لعبه في المفاوضات مع مختطفي الرهائن الغربيين التابعين للقاعدة وكذلك بتأسيسه لجماعة أنصار الدين في عام 2011 .

وسلطت الأحداث الإرهابية الأخيرة في مالي البلد الذي يعيش منذ سنوات حالة من الوهن الأمني والسياسي وتردي الخدمات الاجتماعية وهي بيئة مناسبة لتمدد التطرف، الضوء على الدور القطري في دعم وتمويل الجماعات الإرهابية ضمن أجندة التمدد الخارجي وخدمة المصالح الاقتصادية والتغلغل في مفاصل الدولة.

وقبل نحو ست سنوات أعلنت دعمها لمطالب المتشددين دينيا ودافعت بشدة عن فتح قنوات حوار معهم لـ'إنهاء الصراع' ومارست ضغوطا لتمكين هؤلاء من المشاركة في السلطة.

ولعبت قطر على مدى سنوات سواء في الشرق الأوسط أو إفريقيا دور الوسيط الحصري بين دول غربية وجماعات متطرفة للإفراج عن رهائن احتجزتهم تلك الجماعات، ما طرح أكثر من نقطة استفهام أمام اختيار التنظيمات الإرهابية للدوحة وسيطا حصريا لحل مثل تلك الأزمات.

ويذهب خبراء في مكافحة الإرهاب إلى أن الوساطة القطرية شكلت غطاء سياسيا لتدفق الأموال على تلك الجماعات من خلال دفع مبالغ مالية طائلة للإفراج عن رهائن احتجزتهم تنظيمات متطرفة وساهمت الدوحة في توفير تلك أموال الافتداء.