ماهر صليبي: تقديم المختلف هاجسي في كل محطة جديدة

فاطمة بدري
يسقط الكثير من المبدعين في التكرار لدى استمرارهم في القيام بذات الدور في أكثر من مناسبة، وينجو القليل فقط من السقوط في هذا المنزلق لاكتسابهم الدرع الفني الحقيقي الكفيل بخلق حالة من الإبداع في محطة جديدة.

وينطبق هذا الحال على الفنان السوري ماهر صليبي الذي استطاع، رغم قيامه بإخراج حفل افتتاح مهرجان الفجيرة الدولي للموندراما وللفنون في أربع مناسبات، أن يحدث حالة من الدهشة والإبهار في كل مرة مثيرا سيلا من التساؤلات حول مرد كل هذا الإبداع وسر عدم الوقوع في التكرار رغم الوقوف عند نفس الباب.

ولمعرفة كل هذا وغيره من التفاصيل كان لنا معه هذا اللقاء.

* ما سر هذا الإبداع والتنوع في الأفكار وعدم السقوط في التكرار رغم إخراجك لحفل افتتاح المهرجان بثوبه المونودرامي والفنون لأربع مرات؟

- بالنسبة لي عندما أكلف بإخراج افتتاح مهرجان، الافتتاحات التي تعتمد الإبهار الكبير الاستعراض الكبير وتتطلب العمل مع مجموعة كبيرة من الفرق والشركات، فإن ذلك لا يلقي على عاتقي فقط مجرد مسؤولية بل يثير داخلي الهاجس الأهم والأكبر حول ماذا سأقدم في هذا الافتتاح، كيف سأقدم شيئا مختلفا جديدا لا يكرر ما سبق من أفكار.

فالعناصر الأساسية المكونة لأي فرجة متعلقة بافتتاح مهرجان من موسيقى ورقص أو إضاءة أو صوت كلها موجودة ولكن المعطى الأهم هو كيف يمكنك استخدامها وتفعيلها، كيف يمكنك الانطلاق من هذه المكونات وتقديمها ليس فقط بشكل جديد ومختلف بل وبلورتها بطريقة تفاجئ المشاهد، هذا حقا ما أفكر فيه دائما لدى تحضيري لإخراج أي حفل افتتاح.

وبالنسبة لهذه السنة أردنا أن يكون الافتتاح وطنيا بكل معنى الكلمة بتوجيهات من الشيخ راشد الذي دعا للسير في هذا الاتجاه وبدعم من محمد سعيد الضنحاني ومحمد سيف الأفخم حتى نستطيع تحضير افتتاح وطني كبير برؤية عصرية وحديثة تتماهى مع هاجسي الشخصي لتكون عالمية.

أي أن تنطلق من جملة موسيقية من التراث الإماراتي وتحولها لجملة موسيقية عالمية تتجه للأوركسترا. وتم فعلا الاتفاق على الاشتغال على الأركسترا مع الموسيقي وليد الهشيم واستطعنا أن نضع موسيقى العرض بطابع عالمي حتى يصل إلى أكبر عدد ممكن من الناس لأن المهرجان يستقطب ضيوفا من كل دول العالم ويعرض على محطات دولية وكان يهمني أن يبدو العمل في ثوب أنيق جدا وسعيت جاهدا لتجنب حدوث أي خطأ على خشبة المسرح.

* كيف تفاعلت مع انطباعات الجماهير والإعلام بعد عرض الافتتاح؟ هل شعرت بنوع من الرضى بعد كل هذه الجهود؟

- كنت خائفا على مدار فترة العرض رغم انشغالي في الكواليس ولكن وحتى لحظة التحية كنت استشعر ما إذا لاقى العرض استحسان الجمهور أو لا وما إذا كان وصل كما ينبغي له أن يكون، والجميل أن التحية حملت انطباعا مفاده أن العمل قد حظي بالرضا وهذا كان كفيلا بتخفيف مخاوفي.

افتتاح مميز واسطوري 

وفيما بعد أستطعت أيضا تبين مدى استحسان الضيوف للعرض لدى تبادل السلام فمن خلال النظرات تسنى لي إدراك ما إذا كانوا يهنئونني مجاملة أو حقيقة وأسعدني أنني رأيت إعجابا حقيقيا في عيون عدد كبير من النجوم العرب أو الأجانب وحتى الشيخ حمد كانت ملامح الرضا واضحة لديه وهذا يحملني مسؤولية أكبر مفادها نعم أنا اليوم نجحت ولكن يظهر داخلي سؤال آخر مفاده هل سأقدم أفضل من هذا في المرات اللاحقة.

علما أن هذا الخوف يلازمني في أي افتتاح أعمل على إخراجه سواء للمهرجانات أو للتلفزيون أو المسرح. وذلك من منطلق عدم قدرتي على استسهال ما يوكل إلي وشعوري بالمسؤولية الذي يجعلني أسعى لتقديمه في أبهى صورة، ولهذا لا أذكر أن هناك افتتاحا ما أخرجته وخذلني، كان لكل افتتاح بهجته ورونقه الخاص.

*أخرجت افتتاح مهرجان الفجيرة بحلته المونودرامية واليوم وهو جامع لعدد من الفنون ما الذي تغير لديك بين افتتاح هذا وذاك؟

- في كل مرة كان الافتتاح يختلف من دورة لأخرى فمثلا أول عرض أخرجته تم في فضاء صغير ثم تقرر فيما بعد التوجه لأماكن مفتوحة أكثر يمكننا أن نبني فيها مسرح يسع جمهورا أكثر ويقدم فرجة مسرحية قوية وهو ما تم بدء من دورة سنة 2010 حيث تم الافتتاح بملعب تنس، وفي 2014 أنشأنا سفينة كبيرة على شاطئ البحر وتم العرض فيها وخلقت سينوغراف قوية جدا واعتمدنا شاشات مائية وفي كلاهما كان هناك تركيز على خلق أجواء مرتبطة بالموندراما.

وهذه السنة ولدى عملنا في سياق مهرجان فنون منوع كان التوجه ليكون افتتاحا ذا طابع وطني بالأساس، لكن في حال قمت بافتتاح آخر لمهرجان فنون فقد أتجه للتركيز على أنواع مختلفة من الفنون في آن واحد على خشبة المسرح.

*بعيدا عن حفل الافتتاح ماهر صليبي ممثل ومخرج وضمن لجنة قبول عروض الموندراما لماذا لا نجدك تجسد دورا مونودراميا في مسرحية تقدم للجمهور على هذا المسرح مثلا؟

- اشتغلت كمخرج عرضا مونودراميا عنوانه "تحت السماء" بطولة يارا صبري وقدم في دبي وكان له انطباعات جيدة لأنه كان يتحدث عن الوجع السوري عن أم سورية فقدت أبناءها في الحرب.

ولكن الحقيقة لم أفكر في أي لحظة أن أشتغل كممثل عرضا موندراميا، وقد يكون مرد ذلك أنه قد مر الكثير من الوقت دون أن أقف على خشبة المسرح في إطار التمثيل وبت أشعر أن الإخراج أصبح يستهويني أكثر، ولكن في حال توفر النص الجيد الذي يسمح لي بتقديم رؤية مختلفة وجديدة يمكن حينها أن أقوم بهذه المغامرة وقد أكون المخرج والممثل في آن مع وجود مخرج مساعد جيد على أن لا يقتصر عرضه في المهرجانات وأجول به قاعات عرض متنوعة. ولكن الحقيقة أنني لا أقف على نصوص قوية في الموندرام

 

الدراما السورية تتراجع بشكل لافت ولكنها لن تعود لأوجها وتألقها إلا عندما تنتهي الحرب


- النصوص المسرحية الجيدة باتت قليلة جدا وقد يكون السبب في ذلك أن السوشل ميديا والكاميرات والتلفزيون والسينما على ما يبدو حقيقة أصبحت تجذب الناس أكثر من المسرح. هذا عدا أن الإنتاج المسرحي مكلف وغير مدعوم في معظم الدول العربية وهذا له توابعه على الساحة المسرحية.*هل تقر بأن هناك أزمة نصوص مسرحية؟

* على مستوى الدراما أنت فنان لك اسمك على الساحة الفنية فلماذا تغيبت عن الظهور في الفترة الأخيرة تحديدا منذ الجزء الثاني من مسلسل العراب؟

الحرب بسوريا أثرت بشكل كبير على الدراما السورية، وأثرت على التعاطي مع الأعمال السورية من قبل المحطات الفضائية، وأصبح هناك الكثير من المشاكل لم يعد التعاطي مع الدراما السورية على ما يبدو كما السابق.

وعلى سبيل المثال بعد مسلسل العراب دخلت في إخراج مسلسل كان يفترض أن يصور بين أبوظبي ولبنان أو أبوظبي وتونس أو أبوظبي والأردن، ولكن بعد نهاية التصوير بأبوظبي تبين أنه لم يعد بوسعنا مواصلة التصوير لأسباب كثيرة يطول شرحها. ومازال العمل متوقفا دون أن نعرف ما ستكون نهايته. وعلى ما يبدو كفنانين سوريين علينا أن ننتظر حتى تنتهي الحرب حتى نعيد ترميم الدراما السورية وإحيائها من جديد.

*ما دام الرهان على الدراما السورية قد تراجع لماذا يراهن المخرجون المصريون واللبنانيون على بعض النجوم السوريين؟

- اعتقد أنه أمر مقبول أن يتم تشريك نجم سوري أو مخرج سوري في عمل لبناني أو مصري، لأن هذا يخلق حالة من الاطمئنان مفادها أن المنتج صحيح أصبح يؤمن أن العمل السوري الخالص لا يوزع كما يجب ولكنه يعي أنه إذا قام بهذه التوليفة المختلفة من النجوم يمكنه أن يسوق ويوزع عمله أكثر.

*لكن ألن يفقد حضور نجوم الدراما السورية في أعمال عربية أخرى الدراما السورية بريقها أكثر فأكثر تدريجيا؟

- الأكيد أن الدراما السورية تتراجع بشكل لافت ولكنها لن تعود لأوجها وتألقها إلا عندما تنتهي الحرب.

لأنه في هذه المرحلة التي ستحاول فيها الدراما السورية العودة لما كانت عليه سيكون هناك الكثير من المواضيع المهمة جدا وسيكون هناك دراما قوية جدا.