ما العمل للقضاء على الارهاب الديني؟!

المطلوب التأثير في التفكير

أستعين فى الكشف عن هذه الجذور بمحاضرة ألقاها العالم النفسى مصطفى زيور فى 10/12/1952 فى الجمعية المصرية للصحة العقلية عنوانها «سيكولوجية التعصب». وفى رأيه أن التعصب ظاهرة اجتماعية لها بواعثها النفسية. ولا يغير من الأمر شيئاً أن يكون التعصب دينياً. فالتعصب الدينى يجنى فى موقفه كسباً يتلخص فى التنفيس عما فى النفس من كراهية وعدوان مكبوت. غير أن هذا الكسب لا يختلف عما يجنيه العصابى ( المريض نفسياً) من سلوك شاذ، أى أنه كسب وهمي، ومعنى ذلك أن المتعصب يحيا على وهم.

السؤال إذن: ما الذى يدفع الانسان إلى الوقوع فى براثن الوهم؟ إن التحليل النفسى الذى مارسه زيور كشف له عن جذور الوهم الملازم للتعصب، ودلل على ذلك فى بحث له بعنوان «العدوان ونورالجيا ما بين الضلوع»، إذ حلل حلماً لأحد مرضاه كشف فيه عن خضوعه لانسان ظهر له فى الحلم على أنه الباشا.

هذا الباشا، فى رأيه، رمز على السلطان، والسلطان فى العرف الشائع هو صاحب الأمر المطلق، ولا أدل على صحة هذا الربط بين السلطان والمطلق من قول زيور: اولما كان وجود فرد أو جماعة لا يذعنون لما نذعن له، ولا يعبدون ما نعبد يقوم دليلاً على أن السلطان الذى أذعنا له غير مطلق فإن هذه الجماعة تصبح أشبه شئ بمحرض لدوافع الكراهية. والنتيجة محاربة الكافر الذى لا يؤمن بما نؤمن به، نخلص من ذلك إلى أن ثمة علاقة بين مفهوم التعصب ومفهوم المطلق، وبينهما وبين إشعال الحرب على الكافر بسلاح الايمان. وبلغة هذا الزمان يمكن القول إن الارهاب هو ثمرة العلاقة بين هذه المفاهيم، وهى مفاهيم دينية فى المقام الأول، وبالتالى يكون الارهاب، فى هذه الحالة، إرهاباً دينياً.

السؤال إذن: ما العمل للقضاء على الارهاب الديني؟ قال أينشتين إثر إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما ونجازاكى تغير كل شئ ما عدا أسلوب التفكير. وأنا أقول بعد تحوير طفيف لعبارة أينشتين: «بعد تحول طائرة مدنية إلى طائرة حربية ثم تدمير مركز التجارة العالمى فى نيويورك بأمريكا فى 11 سبتمبر2001 وتغير كل شئ ما عدا أسلوب التفكير الدينى».

قد يقال رداً على هذه العبارة إن حوار الأديان كفيل بتغيير أسلوب التفكير الدينى التقليدي. وأنا بدورى أقول إن حوار الأديان كان قائماً قبل 11 سبتمبر ومع ذلك حدث ما حدث فى ذلك اليوم الدامى والمأساوي. ففى عام 1960 أنشئ معبد فى واشنطن اسمه «معبد التفاهم» من أجل تأسيس حوار الأديان، وكان عنوان المؤتمر الأول الذى عقده هذا المعبد فى كلكتا بالهند فى أكتوبر 1968 «مغزى الدين فى العالم الحديث». واللافت للانتباه هو لفظ دين وليس أديان مع أن المؤتمر كان يضم ممثلين لأحد عشر ديناً.

والسؤال اذن: لماذا لفظ دين وليس لفظ أديان؟

سبب ذلك مردود إلى ضرورة الكشف عن الوحدة الكامنة فى هذه الأديان، وبالتالى يكون من الضرورى الكشف عن الاطار الدينى الموحد لرؤية قضايا الانسان. وتأسيساً على ذلك أقرت أبحاث المؤتمر أن قضية أى دين ليست فى السكون عند المطلق بدعوى أن أى دين لا يملك الحقيقة المطلقة، إنما يملك شكلاً من أشكالها، ومن ثم فلا مبرر لتعالى دين على آخر. وهذا المبرر ينطوى على مبرر آخر وهو ضرورة تلاقى الأشكال المتباينة باعتبارها وجهات نظر لحقيقة واحدة مطلقة. وهذا هو الاطار الدينى الموحد الذى ينبغى أن يُقدم لأولئك الذين يشعرون بعجز الأديان عن إزالة الظلم والحرب والمجاعة والتفرقة العنصرية والدينية، كما يقدم جواباً لأولئك الذين يميلون إلى الانسحاب من المنظمات الدينية بسبب هذا العجز. وهذا هو موجز النداء الختامى الموجه من المؤتمر الأول إلى المؤتمر الثانى الذى انعقد فى جنيف فى مارس عام 1970 وكان عنوانه «المتطلبات العملية للسلام العالمى». وجاء نداؤه متسقاً مع نداء المؤتمر الأول، إذ ارتأى أن الأديان، فى الماضي، كانت من أسباب الحروب، كما أنها فى الوقت نفسه لا تعمل من أجل السلام، والمفارقة هنا أن معبد التفاهم توارى وتوارى لفظ دين وبزغ لفظ أديان ومعه بزغ لفظ حوار الأديان. ولكن اللافت أنه مع بزوغ مصطلح حوار الأديان تصاعد الارهاب. والسؤال اذن: إذا كان ذلك هو حال حوار الأديان فهل ثمة بديل؟

أظن أن البديل هو حوار الثقافات ولكن بشرط أن يدور هذا الحوار حول مشروع مشترك، أو بالأدق حول غاية مشتركة. وحيث إن الغاية مطروحة فى المستقبل فيلزم اذن أن يدور الحوار حول تحقيق هذه الغاية. وهذه الغاية لن تكون فى حالة هذا الحوار بالذات إلا بحثاً عن تدعيم حضارة واحدة مشتركة هى الحضارة الانسانية فى مسارها من الفكر الأسطورى إلى الفكر العقلانى فى اتجاه رؤية كونية عقلانية تسهم فى إزالة الاغتراب عن الكون من أجل بزوغ انسان كونى.

مراد وهبة

كاتب وأكاديمي مصري