ما بين الصدر و الإطار التنسيقي.. أبعد من التوافق أقرب للصدام

القوى الشيعية الخاسرة في الانتخابات والموالية لإيران لا يبدو أنها مستعدة للتراجع أو التنازل خشية أن تفقد نفوذها بينما بعث الصدريون برسالة واضحة لخصومهم بأن حضروا جلسة البرلمان مرتدين الأكفان.
العراق ينفتح على أكثر السيناريوهات قتامة
التوتر السياسي نتاج خلافات متراكمة بين الصدر والقوى الشيعية
الإطار التنسيقي يتجه إلى تسمية نوري المالكي رئيسا للوزراء

بغداد - يُخيّم توتر سياسي على العراق بدفع من القوى الشيعية الموالية لإيران والتي منيت بهزيمة قاسية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فهي تتمسك بأنها تمثل الكتلة البرلمانية الأكبر بعد تحالفات وبالتالي فتحت جبهة مواجهة مع الكتلة الصدرية الفائزة بالعدد الأكبر من المقاعد البرلمانية والتي عززت حضورها أيضا بتحالفات رسمتها لقاءات الحنانة (في النجف) ليرتفع رصيدها من 73 مقعدا إلى ما يزيد عن 80 وسط توقعات بأن تستقطب أيضا  عددا من المستقلين.

ولا يبدو أن الأحزاب الخاسرة مستعدة للتنازل خشية تأثر نفوذها بعد هيمنة على السلطة امتدت من 2003 إلى حدود 2021 حين تعرضت لتصويت عقابي بعد احتجاجات شعبية بدأت في 2019 وقتل فيها ما يزيد عن 600 متظاهر وتعرض خلالها نشطاء للاغتيال أو الخطف والتعذيب والإخفاء القسري ووجهت أصابع الاتهام لميليشيات تلك الأحزاب ومن خلفها إيران.

وفي المقابل بعثت كتلة الصدر برسالة واضحة لقوى الإطار التنسيقي الشيعي في أول جلسة يعقدها البرلمان العراقي بعد انتخابات 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بأن حضر نوابها مرتدين الأكفان كأنها هيأت نفسها مسبقا لحركة التعطيل في البرلمان التي أقدم عليها نواب الأحزاب الشيعية الخاسرة التي سبق وأن هدد بعض زعمائها باللجوء للسلاح بعد أن شككت في نزاهة الانتخابات البرلمانية المبكرة.

وقبل الجلسة البرلمانية الصاخبة أمس الأحد، فاوضت تلك القوى مقتدى الصدر رجل الدين الشيعي وزعيم التيار الصدري على أمل أن تنتزع منه حقائب وزارية ضمن حكومة تريدها توافقية بينما يريدها هو "أغلبية وطنية لا شرقية ولا غربية" تقطع مع المحاصصات الطائفية والحزبية وتدفع للإصلاح وتقاوم الفساد.

وفشلت في استدراجه مجددا للبيت الشيعي وتقاسم "الغنيمة" كما كان عليه الحال في السنوات الماضية، فيما فشلت إيران كذلك في إعادة ترتيب البيت الشيعي العراقي واستقطاب الصدر لتحصين نفوذها.

وخبرت القوى الشيعية في السنوات القليلة الماضية حين بدا أن التيار الصدري غادرها بلا رجعة، لكنه لم يدخل معها في صدام مباشر، قدرة الصدريين على الاحتكام للشارع وعلى فرض أنفسهم كرقم صعب في معادلة سياسية شديدة الاضطراب والتداخل بينما اهتز النفوذ الإيراني ليس على وقع احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019 فقط بل أيضا على وقع النزاع بين القوى الشيعية الموالية وميليشياتها التي باتت تتصرف أحيانا دون العودة في قراراتها للحرس الثوري.

وتدخلت طهران سرّا بعد الانتخابات لإعادة ترتيب البيت الشيعي خشية تفجر صدام مسلح بين أذرعها العراقية، لكن يبدو أنها أخفقت في جهودها أو ربما عدلت بوصلتها باتجاه آخر يعيد القوى الموالية لها إلى السلطة بأي ثمن وهو أمر لا يمكن تأكيده في المرحلة الراهنة في انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في الأيام القادمة.

ولم يكن ذلك تمردا من فراغ، فتلك الميليشيات التي وفرت لها إيران في السنوات الماضية حزام دعم سياسي ومالي وعسكري، شعرت لفترة بتعاظم قدراتها العسكرية في ظل تحولها بعد فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني لمحاربة داعش، إلى قوة رديفة للجيش العراقي بل إنها شكلت بعد انضوائها تحت الحشد الشعبي قوة رديفة لسلطة الدولة.  

وينفتح المشهد السياسي في العراق على أكثر السيناريوهات قتامة مع حالة الدفع المستمر لصدام يحركه نزعة الهيمنة والخوف من فقدانها بعد أن وجه الصدر بوصلة التحالفات صوب الكتلتين السنّية والكردية وهو أمر أفزع الأحزاب الخاسرة التي قد تلجأ للسلاح كما سبق وأن هددت أذرعها المسلحة حين أعلنت مفوضية الانتخابات عن النتائج التي جاءت بالكتلة الصدرية في الصدارة.

وتطغى تجاذبات سياسية لا متناهية على المشهد السياسي العراقي بعد المشادات والفوضى التي سادت جلسة البرلمان الأولى التي عقدت بعد ثلاثة أشهر من الانتخابات التشريعية المبكرة، لتزيده تعقيدا وغموضا وتجعل مصير الحكومة شبه مجهول.

وانسحبت الخلافات الكامنة والمتراكمة على الجلسة الأولى للبرلمان الجديد، فلم تلبث أن بدأت الجلسة إلا وبدأت المشادات فيما تعرض رئيس الجلسة الأكبر سنا لـ"اعتداء".

ومن يملك الكتلة الأكبر هو من بيده تسمية رئيس الحكومة، الممثل الفعلي للسلطة التنفيذية والذي يقتضي العرف أن يكون شيعيا وهو ما يفسر حالة التشنج التي طبعت الجلسة البرلمانية الأولى.

وتقول الكتلة الصدرية بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، التي حازت على أكبر عدد مقاعد (73 مقعدا)، إنها هي من تملك الكتلة الأكبر عبر تحالفات يرجح أنها مع المكونات السنية، لا سيما تحالف تقدم الذي ينتمي إليه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي والكردية لا سيما الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان.

في المقابل، يصرّ الإطار التنسيقي الذي يضمّ عدة مكونات شيعية أبرزها الأحزاب الموالية لإيران، أنه هو من نجح في تشكيل الكتلة الأكبر عبر تحالفات لم يعلن عنها وقدّم "88 اسما"، كما قال مصدر في الإطار التنسيقي.

وبعدما توقفت لنحو ساعة، استؤنفت جلسة البرلمان، لكن قاطعها نواب الإطار التنسيقي. لتنتهي الجلسة بانتخاب الحلبوسي رئيسا للبرلمان ونائبين له، ورفعت من دون أن يبتّ رئيس المجلس الجديد بهوية الكتلة النيابية الأكبر.

وجرت العادة في العراق أن تنبثق الحكومة عن توافق الأطراف الشيعية البارزة، لكن في سابقة، لا يبدو أن ذلك قابل للتحقق في ظل الهوة في البيت الشيعي مع تشديد كل طرف على أن له اليد العليا في تسمية رئيس الحكومة. ويشي إصرار كل من الطرفين بأشهر طويلة من الانتظار أيضا.

وأصرّ الصدر في أعقاب الجلسة من جديد على "تشكيل حكومة أغلبية". في المقابل لم يعترف الإطار التنسيقي بنتائج الجلسة وقدّم "قدم شكوى للمحكمة الاتحادية" على اعتبار أن الجلسة "كانت غير قانونية"، وفق المصدر في الإطار.

ويشرح المحلل السياسي العراقي حمزة حداد أن "انتخاب الحلبوسي في اليوم الأول يؤشر إلى أن الصدر" إلى جانب تقدّم والحزب الديمقراطي الكردستاني "سيعملون معا في المستقبل"، مضيفا أنه "بالتالي، نظريا، بمكن لهم الدفع باتجاه انتخاب مرشحهم لرئاسة الجمهورية واختيار مرشحهم لرئاسة الوزراء".

ويشير المصدر في الإطار إلى أن ترشيح رئيس الوزراء المقبل "مرهون بالكتلة الأكبر إذا قدم التيار الصدري قائمة من التيار ومعها تواقيع من الحزب الديمقراطي الكردستاني وكتلة تقدم سيكونون هم من يرشح"، مضيفا "لكن إذا بقي الأمر محصورا بالبيت الشيعي فالإطار التنسيقي هو من يرشح رئيس الوزراء المقبل".

ويبدو أن الإطار التنسيقي يتجه إلى تسمية رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي زعيم كتلة دولة القانون (33 مقعدا) وحزب الدعوة المنضوي في الإطار التنسيقي، كمرشحه، وفق المصدر، وهو اسم لا يمكن للتيار الصدري أن يقبل به نتيجة خلافات قديمة.

في المقابل، لم يعلن التيار الصدري عن مرشحه لاستبدال رئيس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي.

ويرى حداد أنه "ما لم يسوِّ الطرفان خلافاتهما ويتجهان إلى تشكيل كتلة واحدة وهو أمر ترحب به الأحزاب السياسية الأخرى لتفادي مزيد من النزاع، فمن الصعوبة بمكان أن يسمح واحد من الطرفين للآخر بهدوء، بالتفرد في تشكيل الحكومة من دون الطرف الآخر".

وفي حال نجح التيار الصدري بتشكيل حكومة أغلبية، أو نجح الإطار التنسيقي بتثبيت نفسه كالكتلة الأكبر، ففي كلتا الحالتين "لن يحاول الطرف الآخر إسقاط الحكومة بالطرق القانونية والسياسية، بل سيصعد بعنف"، كما كتبت الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية لهيب هيغل في تغريدة.

ويعتبر حداد أن "الخشية الأكبر تبقى حصول تقاتل بين الفصائل المسلحة، الصدريون يملكون فصيلا مسلحا والأطراف المختلفة في الإطار، لا سيما تحالف الفتح، لديهم أيضا فصيل مسلح".

ويمثّل "الفتح" الحشد الشعبي، تحالف فصائل مسلحة أغلبها موال لإيران وباتت جزءا من الدولة، وتعدّ 160 ألف منتسب.

ومنذ أن صدرت نتائج الانتخابات، يحاول الفتح، والذي سجل تراجعا كبيرا في الانتخابات (17 مقعدا مقابل 48 في البرلمان السابق)، الدفع باتجاه إلغاء النتائج. وتظاهر مناصروه لأسابيع طويلة أمام بوابات المنطقة الخضراء.

ووصل التوتر ذروته بمهاجمة مقر إقامة رئيس الوزراء بثلاث طائرات مسيرة، لم تصدر بعض نتائج التحقيقات المتعلقة به.

ولم يحدد موعد جلسة البرلمان المقبلة، لكن الاستحقاق الآن هو اختيار مرشحين لرئاسة الجمهورية، يقتضي العرف أن يكون كرديا، خلال أسبوعين. وينتخب البرلمان رئيس الجمهورية قبل أن تبدأ مهلة جديدة بثلاثين يوما لاختيار رئيس للوزراء.

وحتى التوافق على مرشح لرئاسة الجمهورية يبدو مسارا ملغوما وضبابيا، فقد كشف القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني غياث السورجي، في تصريح لوكالة شفق نيوز الكردية العراقية اليوم الاثنين، عن وجود اتفاق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بخصوص منصب رئاسة الجمهورية، قائلا إن "الديمقراطي يرفض تولي برهم صالح (الرئيس المنتهية ولايته) الرئاسة لدورة ثانية. 

وتابع بحسب المصدر ذاته "لغاية الآن لم يتم الاتفاق بشكل نهائي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بخصوص مرشح رئاسة الجمهورية للمرحلة المقبلة. لدينا اتفاق مع الديمقراطي يقضي بأن منصب رئاسة الجمهورية لنا وهم لم يقدموا لنا أي مرشح لهذا المنصب طيلة الفترة الماضية إطلاقا".

وأوضح أن الخلاف بين الحزبين الكرديين الرئيسيين ليس على منصب رئاسة الجمهورية بل على المرشح للمنصب، مضيفا أن الاتحاد يتمسك بمرشحه برهم صالح  والحزب الديمقراطي الكردستاني لديه ملاحظات على برهم صالح  وهو جوهر الخلاف".

لكنه توقع أن المهلة وهي 15 يوما لتقديم مرشح لرئاسة الجمهورية، مهلة كافية لحل الخلاف والتوافق على مرشح توافقي، معلنا أن "الاتحاد الوطني الكردستاني سيقدم مرشحين لهذا المنصب رغم أنه مصر على تولي برهم صالح رئاسة الجمهورية خلال المرحلة المقبلة".