ما دخلت الميليشيات بلداً.. إلا أفسدته

المنطقة تعاني من عبث محور اللادولة الذي تدعمه إيران لذلك لابد من تكوين لجنة لمكافحة الميليشيات في المنطقة والتي تدعمها إيران فلا يمكن الحديث عن أمن واستقرار أو ديموقراطية وتنمية سياسية في ظل وجود ميليشيات مسلحة وانهيار الدولة بجميع مؤسساتها.

بقلم: نجاة السعيد

من أهم ما ذُكر في البيان الختامي الذي تلاه الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، في ختام أعمال القمة العربية الطارئة، التي عقدت يوم الخميس، 30 مايو 2019، في قصر الصفا بمكة، عبارة «ما دخلت الميليشيات بلداً إلا أفسدته». فهذه العبارة تختصر المشكلة الأساسية مع النظام الإيراني أنه نظام لا يؤمن بمفهوم الدولة فهو كما وصفه المبعوث الأميركي لإيران، «برايان هوك»، أنه «لا فرق بين النظام الإيراني والميليشيات التي يسلحها». فكل الأحداث التي تعاني منها المنطقة تشير إلى أننا أمام محورين: «محور الدولة» المتمثل في أغلب الدول العربية التي تؤمن بمفهوم الدولة ودعم الجيوش لتكون هي الرقيب لحماية مؤسسات الدولة من الانهيار أو السيطرة عليها من قبل الميليشيات المسلحة. والمحور الآخر هو محور اللادولة المتمثل في دعم الميليشيات المسلحة وجماعات الإسلام السياسي الذي تدعمه إيران وحلفاؤها.

إن المنطقة لم تهدأ منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فأكبر تشخيص خاطئ لأسباب تلك الأحداث أنها كانت بسبب غياب الديمقراطية. فلا أحد ينكر أهمية الديمقراطية والحريات بين الشعوب لكن السبب الأساسي لتلك الأحداث هو حروب الوكالة بوجود الميليشيات المسلحة التي كانت تستخدمها أميركا في حروبها كما حدث في حرب أفغانستان وما كان يطلق عليهم آنذاك بـ«المجاهدين الأفغان»، إن عدم القضاء على تلك الجماعات المسلحة بعد الحرب هي التي أدت إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وليس غياب الديمقراطية. وكان نتيجة لهذا التشخيص الخاطئ عواقب وخيمة مازالت تعاني منها المنطقة إلى الآن.

فقد تلا ذلك غزو العراق على أمل أن تكون نموذجاً ديموقراطياً في المنطقة، لكن النتيجة هي انهيار الدولة العراقية وسيطرة الميليشيات والأحزاب الممولة من النظام الإيراني والتي تصل إلى أكثر من خمسين تنظيماً عسكرياً وميليشيات حزبية. فالغريب أن العراق ليس حليفاً الآن للدولة التي حررته من نظام الطاغية صدام حسين بل تابعا للبلد الذي حاربه لمدة ثماني سنوات والذي لا يخفي أطماعه فيه منذ عقود طويلة، والسبب أن العراق لم يعد دولة، بل أصبح عبارة عن أحزاب سياسية وميليشيات مسلحة تابعة للنظام الإيراني، وقد تبين ذلك في بيان لـ «حزب الدعوة» العراقي، مفاده أن: «العراق وقواته السياسية والشعبية لن ينأى بنفسه عن الانخراط في المواجهة بين أميركا وإيران، ومن مصلحة أميركا سحب قواتها من الخليج ومن الشرق الأوسط، فوجودها بات مؤذياً للمنطقة». وقد تجلت تابعية العراق لإيران على وجه أوضح باعتراض العراق على البيان الختامي في قمة مكة.

الأخطاء التي ارتكبت في العراق كانت واضحة منذ 2003 وبدل التركيز على العراق وتصحيح الأخطاء الكارثية التي حدثت سلمت إدارة أوباما العراق بالكامل لإيران وانشغلت بما يسمى «الربيع العربي» وكأن الفوضى التي حدثت في العراق لا تكفي، وبعد عام 2011 ازداد التوتر وغياب الأمن في المنطقة، وأصبحت كل دولة عربية مشغولة بكوارثها الداخلية، وهذا ما جعل النظام الإيراني يستغل كل تلك الفرص لتغذية الميليشيات أكثر في المنطقة خاصة بعد الاتفاق النووي السخي، والذي أغدق على النظام الإيراني مليارات الدولارات ليشعل المنطقة أكثر بميلشياته المسلحة.

وقد شاهدنا هذا التمادي فيما تقوم به الميليشيات «الحوثية» الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني باستخدام طائرات مسيرة مفخخة استهدفت محطتي ضخ نفط في محافظتي الدوادمي وعفيف في الرياض بالإضافة إلى إطلاق الصواريخ الباليستية من قبل الميليشيات «الحوثية»، والتي بلغ عددها أكثر من 225 صاروخاً باتجاه السعودية، ومنها ما استهدف مكة المكرمة، وأكثر من 155 طائرة مسيرة من دون طيار. كما أكد مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون أن إيران هي التي وقفت وراء الهجوم على السفن لمهاجمة ناقلات النفط، الذي حدث قبالة السواحل الإماراتية بالقرب من إمارة الفجيرة.

لقد عانت المنطقة كثيراً من عبث محور اللادولة الذي تدعمه إيران وحلفاؤها لذلك لابد من تكوين لجنة لمكافحة الميليشيات في المنطقة والتي تدعمها إيران. فلا يمكن الحديث عن أمن واستقرار أو ديموقراطية وتنمية سياسية في ظل وجود ميليشيات مسلحة وانهيار الدولة بجميع مؤسساتها. فهذه إشكالية كبرى يجب أن ترفع إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة ويجب حلها لأن السكوت عليها سيجعل من دول المنطقة مجرد كانتونات مكونة من ميليشيات وجماعات متطرفة، وعلى الغرب أن يأخذ هذه التحديات على محمل الجد والاستماع إلى قادة الدول العربية وخبرائها. فالمنطقة أرهقت من معاملتها كمختبر فئران تجرى عليها تجارب لدراسات في مؤسسات مغلقة في أميركا وأوروبا تبعد آلاف الأميال عن واقع المنطقة.

نُشر في الاتحاد الإماراتية