ما من أخبار سارة من تونس 

حكومة لا هم لها سوى إدارة أزماتها ومؤسسات عاجزة عن النهوض بمهماتها وانقراض للبنى التحتية وفلتان أمني يرافقه استشراء للفساد الذي لن يترك تفصيلا من تفاصيل الحياة إلا ويضربه.

لا تدعو الأمور في تونس الى التفاؤل. فما سميت بالمرحلة الانتقالية هي ليست كذلك. كما أن ما سمي بالمخاض هو ليس مخاضا. فلا شيء ينبئ بأن الفرقاء السياسيين يعملون على ترسيخ قاعدة للعمل السياسي الديمقراطي وصولا إلى مرحلة الدولة التي تهتم بتصريف شؤون مواطنيها وتلبية حاجاتهم الخدمية الأساسية.

ليست هناك رؤية واضحة لما يمكن أن تكون عليه المرحلة الانتقالية ولا الوقت المحدد الذي يجب أن تستغرقه. لا يُظهر أي فريق حزما في مسألة تحديد توقيتات عملية ملزمة لعملية إخراج البلاد من أزماتها التي تكاد تعصف بها. ما يحدث هو العكس من ذلك تماما. إذ أن الصراع العبثي بين حزب نداء تونس وحركة النهضة قد خلق أزمة مجاورة، صارت مصدر قلق بالنسبة للشعب الذي تم عزله وتهميشه باعتباره مراقبا ومتفرجا لا صاحب القضية، يجب أن يستفتى في أمور تعنيه.

ما من شيء واضح إلا انعكاس الفشل في الخروج من أزمة الحكم على الحياة العامة وبالأخص على اداء مؤسسات الدولة الذي يبدو مترهلا وبطيئا وعدميا ولا يشف عن شعور بالمسؤولية والإيمان بالمستقبل.

ولو استمر الامر على ما هو عليه الآن فإن تونس مهددة بأن تنضم إلى نادي الدول الفاشلة. حكومة لا هم لها سوى إدارة أزماتها ومؤسسات عاجزة عن النهوض بمهماتها وانقراض للبنى التحتية وفلتان أمني يرافقه استشراء للفساد الذي لن يترك تفصيلا من تفاصيل الحياة إلا ويضربه.

ليس من باب التكهن القول إن فريقي الحكم لا يمكنهما العمل سوية إلا على جثة الثورة. فالاتفاق الترقيعي بينهما انما يقوم على تقاسم الدولة باعتبارها غنيمة وهو ما يعني أن الشعب الذي صدق أنه نجح في اسقاط نظام بن علي انما تآمر على نفسه حين وضع مصيره في أيدي مجموعة من النفعيين والانتهازيين والوصوليين الذين لا يفكرون فيه حين يخططون لمعاركهم التي يدافعون من خلالها عن مصالحهم.

وإذا كانت حركة النهضة تملك مشروعا ملغزا يستند إلى مبادئ الإسلام السياسي فإن الطرف المقابل الذي يتباهى بوقوفه مع الحقوق المدنية ليس لديه مشروع سياسي أو اجتماعي واضح. في ذلك الفراغ يبدو الاقتصاد يتيما كما لو أن دورته تندفع في اتجاهات مختلفة بقوة دفع ذاتي.

المرحلة الانتقالية بالنسبة لكلا الطرفين تتلخص في رغبة كل منهما في التخلص من الآخر من غير أن يُمنى بخسائر فادحة. لذلك تقوم المعادلة حتى هذه اللحظة على نظرية لا غالب ولا مغلوب.

يخشى الطرفان أن يكون ثمن الانتصار بحجم ثمن الهزيمة وهو ما يجعلهم يماطلان ويؤجلان اللحظة التي يعلنان فيها طلاقهما النهائي وهو طلاق قائم على أسس موضوعية يفرضها الواجب الذي يبدو حتى هذه اللحظة مستبعَدا من العقل السياسي التونسي.

واجب الدولة وواجب الأحزاب في مواجهة شعب سقط في هاوية أحلامه التي حولها مراهقو السياسة المحلية إلى كوابيس. ولأن التونسي بحكم ثقته بأن الثورة كانت حدثا استثنائيا في طليعيته صار يتحايل على اليأس والشعور بالإحباط مفضلا الانتظار فإن هناك الكثير من الكلام الانشائي الذي لا يمت إلى الحقيقة بصلة يتم تداوله من أجل التغطية على الأسباب الحقيقية للفشل الحكومي.

غير أن أخطر أخطاء دعاة بقاء واستمرار وادامة الدولة والمجتمع المدنيين يكمن في عدم تقديرهم للفوائد التي يمكن أن يجنيها دعاة الدولة الدينية من الفوضى التي تنطوي عليها هذه المرحلة التي تُسمى مجازا بالمرحلة الانتقالية. فإذا ما كانت الحركة الافقية التي يقوم بها التيار الديني متمثلا بحركة النهضة واضحة إلى حد ما فإن الحركة العمودية تقوم أصلا على الانتقال بشرائح كثيرة من المجتمع إلى موقع الثورة المضادة.

من وجهة نظري فإن حركة النهضة تشعر بالراحة بسبب الأداء الضعيف والمتردد والمضطرب لحزب نداء تونس وهي غير معنية في ما إذا حدث الفراق، ذلك لأنها صارت مطمئنة إلى أن مشروعها في التحول بالمجتمع التونسي لن يتأثر بسبب غياب المشروع المقابل.

لذلك يمكنني القول إن الاطمئنان إلى المجتمع المدني في تونس سيقاوم إلى ما لا نهاية ليس في محله وهو نوع من الاسترسال الخيالي الذي لا يحترم الواقع.