"ما وراء الشتاء" .. عبقرية السرد الروائي شكلا ومضمونا

ما يجعل رواية إيزابيل ألليندي تمثل السرد الجديد بما يقدم من ثراء معرفي يتجاوز الحكاية هو أنها بدت أقرب لتطواف مع حال الشتات والهجرة المسيطرة على هذا الجزء من العالم.
"ما وراء الشتاء" تطرح سردا روائيا مفعما بالإنسانية والتنوع في الطاقات السردية ومصادر الجمال 
الرواية تتجاوز فكرة التشويق بتيمة القتل أو التحري وكشف لغز الجثة القتيلة

رواية "ما وراء الشتاء" هي العمل الأحداث للكاتبة اللاتينية الذائعة إيزابيل ألليندي، صدرت ترجمتها العربية عن دار الآداب بيروت 2018 بترجمة صالح علماني، وهي نص روائي فاتن على عدة مستويات تتراوح ما بين الشكل والمضمون، الرواية تأخذ الشكل البوليسي أو رواية اللغز، وبرغم ذلك لا تركز على فكرة الغموض في ذاتها والتحري بوصفه هدفا جوهريا، بقدر ما تطرح سردا روائيا مفعما بالإنسانية والتنوع في الطاقات السردية ومصادر الجمال متجاوزة فكرة التشويق بتيمة القتل أو التحري وكشف لغز الجثة القتيلة، بل يبدو هذا الشكل أقرب لطبيعة موقف فرض نفسه على الشخصيات وهو ما يجعل الحكاية الإطار/ ذات السمت البوليسي على قدر كبير من العفوية وبعيدة عن التلفيق أو الافتعال واختلاق الأحداث. 
الرواية من حيث زمنها لا تتجاوز بضعة أشهر تقع فيها جريمة قتل وبقدر من المصادفة يتحد مصير ثلاث شخصيات رئيسة تربط بينهم هذه الجثة التي يتعثرون فيها في طريقهم وفي حياتهم الرتيبة، فتتغير مصائرهم إلى حد بعيد، ويربط الحب في هذه الأثناء بين الاثنين الأكبر وهم في رحلة قصيرة لأيام يحاولون فيها التخلص من الجثة وفق طقوس غريبة فرضت نفسها على ثلاثتهم. 
الشخصيات الثلاثة الرئيسة هي ريتشارد بوماستير ولوثيا ماراث وإيفيلين أورتيجا، الثلاثة ينتمون لمراحل عمرية مختلفة وإن تقارب الأولان وتباعدت عنهما الثالثة إيفيلين وهي شابة في أول العقد الثالث. وبرغم البنية السينمائية الواضحة والمشهدية المحسوبة بدقة شديدة، فإن السرد الروائي يأتي على قدر عال من الثراء المعرفي والاعتناء بالحكايات والقصص الفرعية، بحيث يبدو الخطاب شاملا وعلى قدر عال من التنوع والخروج عن هذا الخط البوليسي المرتبط بهذه الجثة لقتيلة تجدها الشابة إيفيلين في حقيبة سيارة مخدومها بعد أن أخذتها دون إذنه لتجلب بعض احتياجات ابنه المعاق ذهنيا وتقوم هي على خدمته. فتكون الرواية على هذا النحو متمثلة لطاقات السرد الحديث المستعين بالسينما وفنون العرض والتصويرية الأخرى، على نحو ما تتمثل طاقات السرد الروائي وقدراته في التفرع والتشعّب والثراء المعرفي والطاقات البحثية المتوافرة لفنون الكتابة أو الخطابات السردية المكتوبة وغير الشفاهية.
أول مصادر الثراء المعرفي في الرواية تكمن وراء طاقة التجذير التاريخي للشخصيات الثلاثة بما يصنع تتبعا دقيقا لها في إطارها التاريخي والثقافي والسياسي المتفاوت، فهي تتتبع الشخصيات الثلاثة في دولها المختلفة وعبر أكثر من جيل (ثلاثة أجيال تقريبا) وفي ظروف سياسية متباينة، ريتشارد بوماستير ابن يهودي هارب من النازية عبر فرنسا والبرتغال ويحمل معه قصة حب غريبة وتحول ديني وعقدي حتي يستقر في أميركا بابنه الذي يعيش مؤمنا بمبادئ إنسانية يتوارثها عنه هذا الأب الذي يبدو مغامرا سيء الحظ. ولوثيا تشيلية عانت من صراع الشيوعية مع النظام العسكري الشمولي الذي جاء بعد الشيوعية ولها قصة طويلة مع السياسة والمعرفة في وطنها، تفتقد الأب منذ البداية ولها أم هي كل شيء لها وأخ مختف لا يعرفون مصيره بعدما كان طرفا في صراع سياسي، بينما القصة الأبرز من حيث المعاناة هي قصة إيفيلين الطفلة الجواتيمالية البائسة. 

الرواية مجال متسع للتأمل من ناحية الشكل أو البنية السردية وترتيب هذا المحتوى الحكائي وسرده أو من حيث ما ينتج عنه من دلالات ومعان ذات مستويات متفاوتة في التجلي بين الظاهر والمضمر وما يحتاج إلى تأويل وإرهاف حس أو الظاهر المباشر منها

ولأسباب عديدة تبدو قصة الشخصيات الثلاثة التي يتتبعها خطاب الرواية من البداية روايات متوازية قائمة بذاتها، فتبدو ثلاثتها كما لو كانت في رحلة عبر القدر حتى تتقاطع مصائرهم عند هذه الجثة في بروكلين بأميركا. ثمة تتبع تفصيلي يراوح بين الاختصار والتفصيل لمصائر الثلاثة بقدر من التقاطع والتداخل في فضاء الرواية على نحو يجعلها جميعا متمازجة وليس بينها فواصل برغم التباعد الزمني وأن واحدة منهم وهي إيفيلين الشابة الجواتيمالية تنتمي لجيل لاحق ومنفصلة حضاريا عنهما وبرغم ذلك تتحد مع هذا المصير بقدر ما عاشت في بلادها من ظلم نتيجة العصابات والجرائم المنظمة التي قضت على أخيها الأكبر وذبحث الثاني أمام عينيها. ثمة قدر مشترك من الألم المستعاد عبر الذاكرة كما لو أنهم يتشاركون محتويات هذه الذواكر من المعاناة والظلم. يجمع بينهم الهروب من الحرب باختلاف العصور، ما بين هارب من أوروبا أو هاربة من جواتميالا إلى المكسيك ثم إلى الولايات المتحدة، وأخرى هاربة من تشيلي إلى فنزويلا فكندا ثم عائدة إلى وطنها مرة أخرى ثم تغادره بإرادتها باحثة عن الحب. ليكون الهروب من الحروب والبحث عن الحب وتحقيق الذات بالعلم والعمل رابطا بين ثلاثتهم. وفي كل هذا ثمة مسار جغرافي واضح وأسماء مدن ومحطات واضحة ترصدها الرواية طريقا للهرب.
ما يجعل الرواية تمثل السرد الجديد بما يقدم من ثراء معرفي يتجاوز الحكاية هو أنها بدت أقرب لتطواف مع حال الشتات والهجرة المسيطرة على هذا الجزء من العالم، والخاص بالانتقال إلى الولايات المتحدة الأميركية عبر الحدود من دول أميركا اللاتينية. قدمت الرواية هذه النماذج التي مثلت معاناة الإنسان تحت وطأة سياسات ظالمة تجعلها معرضة للخطر والصراع والموت في أي لحظة، وكيف تعاني المرأة تحديدا بعد أن تفقد أباها أو أخاها ويتم اغتصابها، وتتركز المشكلة بدرجة أشد فظاعة مع إيفيلين التي يتم قتل أخويها فترى الأول جثة معلقة والثاني يتم ذبحه أمامها، وتضطر لرحلة هرب قاسية تتوغل الرواية مع تفاصيلها بدقة كبيرة وبمعلوماتية بارزة في أشكال التهريب والعاملين في هذا المجال وتقدم الرواية بحثا طبوغرافيا دقيقا وخططا مكتملة عن مسارات التهريب وتكاليفها ومخاطرها ومجتمعات المهاجرين عبر المكسيك وتجمعاتهم، والرواية في هذا الجانب لا تعرف قصة الشخصية الرئيسة فقط بل تتناول كذلك قصصا فرعية عمن يشاركونها رحلة الهروب والهجرة. معاناة إيفيلين بشكل خاص في غاية القسوة ولعل هذا هو ما يجعل الشخصيتين الأخريين مضطرتين للتعاطف معها. فالقصص القديمة مستعادة من الماضي بوصفها مادة حكائية من ذاكرة الشخصية تلقي بها إيفيلين لريتشارد ولوثيا في رحلة تخطيطهما لإخفاء الجثة بعد إيمان يقيني بضرورة مساعدتها والدفاع عنها حتى وإن تسبب هذا في توريطهما. وتستعيد الشخصيتان الأخريان ماضيهما على النحو ذاته فيخبران به بعضهما بشكل تفصيلي محفوف بحال من الرومانسية والحب الناشئ الذي يوحد كيانهما ويجعلهما قادرين على تحمل المغامرة والمجازفة مع هذه الفتاة المسكينة. ليكون ارتباطهما قلبا وذاكرة أو حبا وتاريخا مشتركا. 
الرواية في غاية التشويق لأنها تجعل لغز حادثة القتل لكاترين براون وهي معالجة فيزيائية مفتوحا على كثير من الاحتمالات. تتكشف المعرفة بأجواء الجريمة ودوافعها عبر إيفيلين التي تحكي عليهما قصتها في جواتميالا ورحلة هروبها إلى أمها في شيكاجو كما تخبرهما بأدق التفاصيل التي تعرفها عن مخدوميها في عائلة فرانك ليروي، وهو ما قد يكشف لغز مقتل هذه الفتاة ووجودها في شنطة السيارة وتورط هذه الفتاة فيها. 
وعلى نحو ما يتجول خطاب الرواية بقدر من التكثيف مع الأجواء السياسية والتاريخية في دول أميركا اللاتينية وطبيعة الصراع الشيوعي الذي كان قائما فيها مع الرأسمالية وتدخل الأنظمة العسكرية لحسم المسألة وما تبع ذلك أيضا من صراع عنيف وحوادث قتل وإبادة جماعية، وطبيعة الأنظمة التوتاليتارية/ الشمولية التي كانت تقود هذه البلاد وعلاقة الأنظمة هناك بالعصابات الإجرامية والجريمة المنظمة والإتجار بالبشر، وغيرها من هذه الأجواء فإن الرواية كذلك تقدم تطوافا معرفيا دقيقا مع ثقافات هذه الشعوب ونموذج التدين لديهم وهو مزيج من الطوائف المسيحية مع ثقافات الهنود والسكان الأصليين البدائية ومساحة السحر والخرافة والمعتقدات الشعبية القديمة في هذه البلدان والثقافات. 
تبدو الرواية في هذا الجانب بحثا أنثروبولجيا على قدر كبير من الدقة والتحقيق العلمي يمزج الثابت والحقيقي والتاريخي بحوادثه المشهورة وتواريخه الدقيقة بالمتخيل السردي. كما تتبدى الطاقات البحثية للسرد الروائي في استعراض المعلومات عن الجريمة والإتجار بالبشر في الولايات المتحدة الأميركية وقدر الأرباح والأموال التي في هذا النشاط، وتتماس الرواية مع الآني السياسي وبالتحديد مقولة دونالد ترامب عن رغبته في بناء سور مثل سور الصين العظيم بين الولايات المتحدة والمكسيك. توظف الرواية كذلك قدرات اللحظة الآنية التكنولوجية في التواصل بين هؤلاء المهاجرين مع ذويهم في بلادهم الأصلية على نحو ما يحدث مع إيفيلين وجدتها في جوايتمالا أو أمها في شيكاجو، أو دنييلا في ميامي مع أمها في بروكلين. كما يتبدى التفاوت الكبير معرفيا وثقافيا بين الأجيال الثلاثة التي تستعرضها الرواية، فتبدو الأجيال الأحدث على حظ أوفر من المعرفة والحكمة والقدرة على التعايش والجلد.  

Chilean novel
مستويات متفاوتة في التجلي بين الظاهر والمضمر

الرواية التي تبدو أقرب لملحمة من الألم والمعاناة والتشرد تظهر فيها المرأة على نحو خاص نموذجا عصيا على الكسر، هي النموذج المثالي للحياة بإصرارها على الاستمرار والامتداد برغم كل ما في الحياة من عنف وقتل وإجرام. يبدو الرجل في كثير من الأحيان مصدر المعاناة والألم وقليلة هي النماذج الذكورية المجدية على نحو ما نرى لدى رجل الدين بينيتو في جواتيمالا الذي يظهر دائما بوصفه مساعدا ومعينا لهذه الأسرة البائسة التي يقدم لها خدماته باستمرار، أو شخصية الرجل الخبير المهرب الذي يملك قدرا كبيرا من الأمانة في عمله بحيث لا يعرض زبائنه إلى المخاطر الشائعة التي يتعرض لها المهاجرون الآخرون الذين يتعاملون مع غيره. فيما تبدو النماذج السلبية من الرجال هي الأكثر، فلدينا والد إيفيلين الذي ترك أمها ووالد لوثيا الذي تزوج من امرأة أخرى في الوقت نفسه واكتشفت الأم الأمر مصادفة حين مات في حادث مفاجئ فظلت ناكرة له ملغية حضوره في ذاكرة أبنائه حتي قبل احتضارها غير قادرة على مسامحته. ثم لدينا ريتشارد نفسه الذي يبدو مدانا في حياته مع زوجته البرازيلية وابنتها التي قتلها بالخطأ بسبب الكحول والإدمان وعدم اعتنائه بزوجته. يبدو الرجل تحديدا خليطا من الخير والشر بينما المرأة أقرب إلى الخير الخالص وأقرب لأن تكون نبعا خالصا وصافيا تملك طاقات غير محدودة للعطاء. والرواية من الناحية التأويلية تملك وجوها عديدة للقراءة وذلك لثرائها بالقصص الفرعية والحكايات والعلامات والإشارات التي تبدو كلها دالة وذات قدرات إنتاجية للمعنى وترتبط في مجملها بالحكاية الإطار. 
تنظيم المادة الحكائية داخل فضاء خطاب هذه الرواية يعد نموذجا مثاليا في تقديري من الناحية الفنية لأنه حقق عدة أهداف أبرزها هذا الشكل من البوليسية أو اللغز المحفز بدرجة كبيرة في اتجاهين متناقضين، فمن بداية الرواية هناك الخط الزمني الآني المرتبط بهذه الجثة لقتيلة تربط بين الثلاثة بشكل ما واختياريا بحيث تكون ورطة لهم جميعا فيتحركون في اتجاه التخلص منها بطريقة بوليسية تبعدهم جميعا عن المسئولية، وهو الأمر الذي يبدو محفوفا بالمخاطر والانكشاف للبوليس من البداية للنهاية ولا يتحدد مصيره إلا بآخر جزء من خطاب الرواية. 
وفي مقابل هذا الخط الزمني الآني ثمة اتجاه ثان يتمثل في حكايات الثلاثة عن أنفسهم وتاريخ كل شخصية من الذاكرة وما حدث لها، وهي كذلك أقرب إلى رحلات مخاطرة تتحرك في الزمن بشكل طبيعي من طفولة الشخصية وشبابها وما لقيت وصادفت من العنف ثم التخطيط للهرب وهو ما يتوافر لدى الثلاثة. والزمن الآني نفسه هو الذي يحوي الحكايات القديمة بوصفها محتوى ذاكرة يستعيدونه جميعا ليتعرف بعضهم على بعض فيتحد مصيرهم ببعض على نحو كامل يجعلهم أكثر إصرارا على مواجهة ورطة الجثة بقناعة تامة. وهنا يكون القارئ مشدودا لحكايات الشخصيات الثلاثة التي تبدو أقرب إلى رواية الأصوات برغم أنها مسرودة عبر ضمير الغائب/ الراوي العليم الذي قد يكون هو المدوِّن وهو واحد من الاثنين الأوفر علما بكل هذه المادة؛ ريتشارد أو لوثيا، فيتتبع تاريخ كل شخصية من القديم أو الماضي حتى لحظة الالتحام بالآني أو لتلك اللحظة التي جمعتهم ببعض، وعلى النحو ذاته يتابع في تشويق عال مصيرهم معا وهم يحاولون الالتفاف على القانون مضطرين ليتخلصوا من هذه الجثة بأدنى درجة من الظلم أو التجني على حق هذه القتيلة وذويها، فيجد بعضهم في القتيلة شيئا من معاناته الماضية أو يرى فيها نفسه. فيحدث في الرواية نوع من الاتحاد الروحي بين الجميع سواء الضحايا أو الجلادين ليكون ذلك إشارة إلى وحدة المصير الإنساني الذي لا يخلو من المعاناة والألم في كل الظروف والأحوال وكأننا دائما أمام إنسان واحد انشقّ إلى كل هذه النماذج الظالمة والمظلومة في الوقت نفسه. 
الرواية تقارب الإنسان الذي يبدو واحدا على الدوام برغم اختلاف الدولة والثقافة أو النظام السياسي، يلجأ للدين في كثير من الأحيان كما لا يتخلى عن السحر برغم العلم والثقافة، فيجمع بينهم جميعا اللجوء إلى السحرة سواء في أميركا اللاتينية ودولها المتأخرة أو النامية كما نجد مع إيفيلين أو زوجة ريتشارد البرازيلية، وهو ليس سحرا خالصا بل هو مزيج من السحر والديانة الحديثة أو الديانات البدائية القديمة المرتبطة بقبائل وجماعات بعينها وهذا ما يأتي في إطاره الكامل من الطقوس والتمائم والمراسم العلاجية التفصيلية. 
يظهر المكون الثقافي والعلمي والسياسي والديني والاجتماعي والتباين في العادات والتقاليد بين الدول المختلفة التي تنتمي لها شخصيات الرواية بحيث تبدو هذه الشخصيات نابعة من جذور بعيدة وبرغم هذا تبدو واحدة في روحها وجوهرها. وعلى هذا النحو تقدم الرواية حيوات إنسانية نابضة ومكتملة الملامح وشخصيات يتم تصويرها نفسيا بما يجعلها حاضرة بكل قوة في مخيلة المتلقي وذات تمايز شديد في التجربة الفردية، فيكون هناك على السطح التنوع والاختلاف بين هذه الشخصيات وفي الأعماق هذا الاتحاد في المصير سواء في المعاناة والألم أو في الرغبة في الاستمرار والرغبة في الحب والبحث عنه بكل قوة كما لو أنه هو الشيء الوحيد الذي يحقق الذات ويكمل نقصهم. 
قصة الحب كذلك في الرواية بين ريتشارد ولوثيا لها قيمتها الجمالية والفنية المهمة، فيبدو الإنسان باحثا عن خلاصه القانوني والعملي ويهرب من الحرب بقدر ما يجد هذا الخلاص في الحب والحصول على الشريك المناسب، وتبدو الوحدة بقسوة هذا الشتاء المتوحش والعاصفة الثلجية التي ضربت نيويورك في شتاء 2016 وهو الزمن الذي تقع فيه أحداث الرواية. لتكون الرواية على هذا النحو مجالا متسعا للتأمل من ناحية الشكل أو البنية السردية وترتيب هذا المحتوى الحكائي وسرده أو من حيث ما ينتج عنه من دلالات ومعان ذات مستويات متفاوتة في التجلي بين الظاهر والمضمر وما يحتاج إلى تأويل وإرهاف حس أو الظاهر المباشر منها.