مبادرة السراج دعوة للتفاوض أم لإطالة أمد الحرب

رئيس حكومة الوفاق تقدم باقتراح مبادرة لإجراء انتخابات عامة قبل نهاية 2019، في وقت يحاصر فيه الجيش الليبي قواته والميليشيات الموالية لها في طرابلس.

طرابلس - قال رئيس حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا فائز السراج، اليوم الأحد، إنه غير مستعد للجلوس مع خليفة حفتر قائد قوات الجيش الوطني الليبي للتفاوض على إنهاء الهجوم على العاصمة طرابلس والمستمر منذ شهرين.

وتشير تصريحات السراج لوكالة "رويترز" إلى وجود احتمالات ضعيفة لوقف إطلاق النار قريبا في معركة طرابلس التي يتمركز فيها السراج وحكومته، في موقف يعكس ما دعا له رئيس حكومة الوفاق في وقت سابق اليوم الأحد، حيث اقترح مبادرة للعودة إلى طاولة المفاوضات.

ويأتي اقتراح السراج لإنهاء الأزمة في ليبيا بديلا عن مواصلة المواجهة الميدانية بعد أن بقيت طرابلس محاصرة من قبل الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر منذ أبريل/نيسان الماضي.

لكن الجيش الوطني الليبي رفض مقترح السراج، مستبعدا الحل السياسي في ظل وجود "المليشيات والمجموعات الإرهابية في طرابلس".

وكشف رفض السراج إجراء محادثات مع حفتر حقيقة الثقل الذي أصبح يتمتع به قائد قوات الجيش الوطني الليبي في المعادلة الليبية، حيث يرى مراقبون أن التقدم الميداني الذي أحرزه يضع حكومة الوفاق في مأزق حقيقي جعلها تقدم مبادرة غير واضحة تتناقض مع الدعوة إلى الحوار.

وقال العميد خالد المحجوب، آمر المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة، التي يقودها الجيش الوطني الليبي ضد حكومة السراج والميليشيات الموالية لها لاستعادة السيطرة على العاصمة الليبية، إن "تعليمات القائد العام المشير خليفة حفتر واضحة بشأن عملية تحرير طرابلس".

وأضاف المحجوب في تصريحات لوكالة "سبوتنيك" الروسية، الأحد، أن "تعليمات القائد العام تؤكد على ضرورة تحرير العاصمة من الكتائب والميليشيات والعناصر الإرهابية".

حكومة السراج خسرت دعم الداخل والخارج بمراهنتها على الميليشيات
حكومة السراج خسرت شرعيتها ودعم الداخل والخارج بمراهنتها على الميليشيات

وتضمن اقتراح السراج الذي فرض في وقت سابق شروطا غير واقعية لقبول قواته والميليشيات الموالية لها في طرابلس وقف إطلاق النار، إجراء انتخابات عامة قبل نهاية العام الجاري، مشيرا إلى أن "لا حل عسكريا للصراع في ليبيا".

وقال في كلمة بثتها قناة "ليبيا الوطنية" الموالية لحكومة الوفاق "أقدم اليوم مبادرتنا السياسية للخروج من الأزمة الراهنة"، وطالب بـ"ملتقى ليبي بالتنسيق مع البعثة الأممية، يمثل جميع القوى الوطنية من جميع المناطق ممن لهم التأثير السياسي والاجتماعي، الذين يدعون إلى حل سلمي وديمقراطي".

وأضاف "يتم الاتفاق خلال الملتقى على خارطة طريق للمرحلة القادمة، وإقرار القاعدة الدستورية المناسبة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة قبل نهاية 2019، ويقوم الملتقى باعتماد قوانين العملية الدستورية والانتخابية، مع تحديد مواعيد الاستحقاقات وإحالتها إلى المفوضية الانتخابات".

كما نصت مبادرة السراج التي بدت مقتضبة ودون تفاصيل، على دعوة الملتقى مجلس الأمن والمجتمع الدولي لدعم الاتفاق، وتكون مخرجاته ملزمة للجميع، على أن تقوم الأمم المتحدة بالإعداد والتنظيم لهذه الاستحقاقات.

لكن المحجوب وهو أيضا مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الوطني الليبي، أوضح أن العودة إلى الوراء لم تعد ممكنة، وأن الحديث عن حلول سياسية أصبح مستبعدا في ظل وجود المليشيات والكتائب، والإرهابيين في طرابلس.

وأكد المحجوب على أن الحديث عن الانتخابات ومحاولة مخاطبة المجتمع الدولي غير مجدية، خاصة أنه في ظل وجود الجماعات الإرهابية التي لا تؤمن بالانتخابات أو العملية الديمقراطية، لا ضمان لأي عملية سياسية في ليبيا.

وأشار إلى أن حكومة الوفاق حاولت عبر الأسابيع الماضية مخاطبة جميع الدول عبر سفاراتها، وحثهم على مساندتهم إلا أنهم لم ينجحوا في تغيير الحقائق الثابتة بوجود الجماعات الإرهابية والمليشيات في طرابلس، وأن طرح المبادرة الآن يؤكد على عدم قدرتهم على الاستمرار في مواجهة القوات المسلحة الليبية.

وشدد المحجوب على أن مشكلة ليبيا هي أمنية في المقام الأول، وأن وجود تنظيم إرهابي مثل "الإخوان المسلمين"، والذي صنف من قبل البرلمان الليبي يعرقل أي حل في ليبيا منذ 2011.

وانتقد وزير الإعلام الأسبق علي أبوجازية المبادرة التي قدمها السراج، ووصفها في تغريدة على تويتر بأنها "دعوة لإطالة أمد الحرب.. وليست مبادرة للسلام".

وأضاف أبوجازية أن المبادرة "تفتقر إلى ثلاثة: وقف القتال وهو أمر لا يملكه. نزع السلاح وهو غير قادر عليه. أن يكون أمينا عاما للأمم المتحدة وهو لا يحلم به".

وكان عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي الذي يتخذ من مدينة طبرق بشرق البلاد مقرا له، قد أكد الأسبوع الماضي إنه لا يمكن إجراء محادثات سلام مع السلطة في طرابلس قبل تطهير العاصمة من الإرهاب.

كما رفض صالح أي اقتراح بانسحاب الجيش الوطني الليبي أو الموافقة على وقف إطلاق النار، مشيرا إلى أن "العملية العسكرية يجب أن تحسم. والحل السياسي يجب في كل الأحوال أن يأتي حتى بعد تحرير العاصمة الليبية. الحوار لم يكن فيه فائدة بسبب التدخل الخارجي".

من جهته رفض النائب طلال الميهوب، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، أيضا مبادرة السراج مطالبا إياه "بالبحث على فريق محامين للدفاع عنه، بشان الجرائم التي تورط فيها بتعليمات الإخوان المسلمين".

وحذر الميهوب في تصريحات صحفية اليوم الأحد السراج من استمرار "العبث الذي ينتهجه بالخنوع والدعم غير المحدود لجماعة الإخوان المسلمين، الذراع السياسي للتنظيمات الإرهابية، ومحاولات الحفاظ على تواجدها بالمشهد".

وقال الميهوب "أنه خلال أيام معدودة وبعد تحرير العاصمة سيطلب كل من تورط في أي أعمال إجرامية للعدالة".

وتعثرت عملية الجيش بقيادة حفتر لاستعادة السيطرة على طرابلس في ظل مقاومة من جماعات مسلحة تحالفت معها حكومة الوفاق التي تعترف بها الأمم المتحدة.

ومع إصرار الجيش الوطني الليبي على مواصلة عملية طرابلس ورفضه التراجع، تجد قوات الوفاق نفسها عاجزة عن الصمود أكثر بسبب عجز ميزانيتها وفشلها في كسب دعم سياسي خارجي، بعد أكثر من شهرين من القتال.

كما فشلت محاولات مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة في إيجاد حل سياسي بين طرفي النزاع في ليبيا سواء قبل أو بعد عملية السيطرة على طرابلس.

وقبل يومين، قال سلامة الذي تتهمه أطراف ليبية بزيادة تعقيد الأزمة بدل حلها بسبب "انحيازه" لحكومة الوفاق والإخوان المسيطرين على قرارتها، إن "الوقت قد حان لإطلاق مبادرات من طرفي الصراع".

وأضاف خلال مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي في تونس "التقيت بالسيد حفتر منذ عشرة أيام، مطولا، وأمضيت الأسبوع الماضي أتحاور مع أركان حكومة الوفاق وقلت لهم: الأوان آن لكي يقوم الطرفان المتخاصمان ليس فقط بوقف إطلاق الرصاص بل بإطلاق المبادرات".

وتابع "أستطيع أن أقول لكم إنكم قد تسمعون من الطرفين خلال الأيام المقبلة تحديدا لما طلبته منهم".

ويرى مراقبون للشأن الليبي أن تصريحات سلامة لا تتجاوز التسويق لمقاربته لحل لا يبدو واقعيا في ليبيا، حيث يقترب الجيش من السيطرة على تخوم طرابلس ومواقع هامة خاصة جنوبا.

وتزايدت الضغوط الخارجية على حكومة الوفاق بعد أن صوت مجلس الأمن الاثنين الماضي على تمديد قرار حظر الأسلحة على ليبيا لعام واحد، بعد أيام من اتهام للقيادة العامة للجيش الليبي تركيا بتزويد ميليشيات متطرفة موالية للوفاق بإمدادات عسكرية ضخمة.