متحف كوتساناس للتكنولوجيا الإغريقية يزور الاسكندرية

المتحف يهدف إلى تسليط الضوء على هذا جانب غير معروف نسبيًا للحضارة الإغريقية لإثبات صحة وموثوقية أن الكثير من العلوم والتكنولوجيا قد بدأت في اليونان.
عَرَبَة هيرون لعرض العرائس من القرن الأول الميلادي ويعد أول مركبة ذاتية الحركة تتجول آليًّا في التاريخ
مسار الثقافة التكنولوجية الغربية لم يكن تطورًا خطيًا صعوديًا

يقوم متحف كوتساناس للتكنولوجيا الإغريقية على ثلاثة مرافق "متحف التكنولوجيا الإغريقية" و"متحف الآلات الموسيقية والألعاب الإغريقية" في أثينا و"متحف التكنولوجيا الإغريقية" بكاتاكولو و"متحف أرخيميدس" في أوليمبيا القديمة. ويضم حوالي 500 نموذج تشغيلي لاختراعات إغريقية استثنائية. تراوحت أعجوبات التكنولوجية اليونانية الإغريقية من الخادم الآلي وسينما فيلون لسيارات هيرون، ومن ساعة ستيسيبيوس الإلكترونية الآلية أنتيكيثيرا. تعتمد المعارض فقط على الدراسة الوافية للأدب اليوناني واللاتيني والعربي القديم ومعلومات حول الرسم على المزهريات والحد الأدنى من الاكتشافات الأثرية ذات الصلة. ويغطي الفترة من 2000 قبل الميلاد وحتى نهاية الحقبة الإغريقية. 
يهدف المتحف إلى تسليط الضوء على هذا الجانب غير المعروف نسبيًا للحضارة الإغريقية لإثبات صحة وموثوقية أن الكثير من العلوم والتكنولوجيا قد بدأت في اليونان، والتأكيد على أن مسار الثقافة التكنولوجية الغربية لم يكن تطورًا خطيًا صعوديًا – كما هو متعارف عليه – وإنما تطور سريع كانت ذروته في القرن الثالث قبل الميلاد وانخفاض وخسارة لتلك التكنولوجيا في الفترة الرومانية وانتعاش تدريجي في القرن الرابع عشر بعد الميلاد، مما وازن التكنولوجيا المتطورة في بداية القرن الثاني قبل الميلاد.
أقام المتحف العديد من المعارض المتنقلة حول العالم في المتاحف العلمية والأثرية والجامعات والمؤسسات الدولية كما أصدر ستة كتب حول التكنولوجيا الإغريقية القديمة. وقد استضاف مركز القبة السماوية التابع لقطاع التواصل الثقافي بمكتبة الإسكندرية، معرض "الإسكندرية: منارة التكنولوجيا" الذي ضم مختارات من مقتنيات المتحف تسلط الضوء على جانب غير المعروف نسبيًّا عن الحضارة القديمة؛ لإثبات صحة أن كثيرا من العلوم والتكنولوجيا ابتكرها مهندسون وعلماء يونانيون بارزون في الإسكندرية الهلنستية، مثل: ستيسيبيوس، وفيلون، وهيرون، وإيراتوستينس، وأريستارخوس، وأبولونيوس، وهيبارخوس، وديونيسيوس، وبطليموس. 

عندما يمتلئ الكوب تسقط اليد للأسفل
تطور سريع

المعرض جاء على قسمين الأول ضم: 
ـ الأرغن المائي لستيسيبيوس (القرن الثالث ق. م): اخترعها ستيسيبيوس في القرن الثالث قبل الميلاد لتصبح أول آلة مفاتيح بالعالم. تحتوي على "أ" مضختين هواء من نوع مضخات ذات المكبس و"ب" "نيجوس" للتحكم في ضغط الهواء المستمر و"جـ" لوحة المفاتيح و"د" الأنابيب الموسيقية. تم وضع المضختين في جانبي النيجوس ومنحهما صمامات غير قابلة للرجوع يتم التحكم بهم أوتوماتيكيًا بواسطة دلفيين من البرونز، بينما مكباسيهما تتحرك بواسطة مقابض يدوية. كما احتوت "النيجوس" على وعاء ماء أسطواني به قمع على شكل مخروط مقلوب غائر مثبت على حوامل على مسافات صغيرة من أسفل. تتقارب أنبوبتا هواء أعلى القمع بينما تقود أنبوبة أخرى الهواء دائم الضغط إلى جامع لوحة المفاتيح. ويتم الوصول إلى ثبات مستوى ضغط الهواء نتيجة هروب الهواء الزائد من أسفل القمع، وبالتالي كان ثبات النغمات الموسيقية مؤكد فقط وفقًا لطول الأنبوب الموسيقي. 
احتوت لوحة المفاتيح بالأرغن المائي على 24 مفتاحا للتحكم في عدد مساوٍ من صمامات الهواء الخاصة بـ 24 أنبوب موسيقي غير متساوية الأطوال (مثل الأرغن المائي الخاص بديون القديمة) الذي يصدر جوابين كاملين. ثم ترجع صمامات المفاتيح بواسطة لوحات خشيية مرنة صغيرة من أشجار القيقب. ويعتبر الأرغن المائي مقدمة للأرغن ذي الأنابيب المعاصر. 
ـ أسطرلاب بطليموس. وهو النظام العام لتحديد المواقع لدى اليونانيين القدماء:
كانت إحدى الآلات الفلكية الاستثنائية التي تُصوِّر الكرة السماوية وتستخدم لقياس الموقع الطولي العرضي للنجوم التي يتم ملاحظتها من أي مكان على الأرض والعكس بالعكس أيضًا لتحديد الموقع وكذلك لقياس المسافة بين الشمس والقمر. احتوى على سبع حلقات متداخلة متحدة المركز. تثبت الحلقة السابعة (الخارجية) في مستوى خط الطول وتحتوي على أربع علامات تعرف الرأسي والأفقي. أما السادسة فتتسق وتتحرك بحرية في مستوى خط الطول عند نقاط 0 و90 لتمثل خط الاستواء والقطب، ثم توضع في اتجاه محور الأرض. أما الحلقة الخامسة فتتجه ناحية الشمس، والرابعة تتجه نحو محور الأرض وتراقب الدوران اليومي للمجال النجمي. أما الحلقة الثالثة فتتسق وتتداخل مع سابقاتها على بعد مسافة تساوي تقريبًا 66 درجة من الأقطاب، وتوضع في مسار البروج الشمسي وتحمل أسماء البروج وتستخدم لقراءة خطوط الطول الخاصة بالنجوم. كما تتسق الثانية مع وتدور حول محور عمودي على مستوى المدار الشمسي وتستخدم لقراءة دوائر العرض الخاصة بالنجوم. وختامًا، فإن الحلقة الأولى (الداخلية) تحتوي على جهاز التصويب. 

تظهر السفن فجأة في الماء. ويمكننا أن نراهم يبحرون كأسطول ويتحركون حتى يختفوا. ثم يهيج البحر وتظهر السفن مرة أخرى تندفع للأمام في البحر الهائج. كما تظهر الدلافين في البحر من وقت لآخر.

ـ محرك هيرون النفاث (القرن الأول الميلادي) أول "آلة بخار" في التاريخ: احتوى هذا المحرك على كرة (بفتحتين منحنيتين) تستقر فوق النهايات المنحنية لأنبوبين متصلين بأعلى غلاية محكمة. عندما يسخن الماء في الغلاية يتحول إلى بخار يدخل إلى الكرة ويخرج بسرعة من الفتحتين مما يجبر الكرة على الدوران المستمر. 
ـ أنتيكيثيرا وهو عبارة عن آلية للحساب من قسم الحوسبة بالمتحف:
تستخدم المعدادات ذات نظام العد الخماسي منذ القرن السادس قبل الميلاد لحساب العمليات الرياضية المعقدة بسرعة وفقًا لنظام الأرقام الأكروفوني؛ حيث تشتق الرموز من الأحرف الأولى للكلمات (واحد، خمسة، عشرة، إلخ). وصف أبلونيوس البرغاوي في أطروحته الضائعة أكيتوكيون طريقة سريعة لحساب الضرب والقسمة وغيرها يمكن اعتبارها مقدمة للآلات الحاسبة الحديثة. كما استخدمت أدوات الحوسبة الحركية – مثل ميسولاب إراتوستينس ومكعب أفلاطون ومحار نيكوميدس – والخوارزمية – مثل غربال إراتوستينس – لحل المعادلات المعقدة وحساب الأرقام المعقدة. كما تم اختراع آليات حسابية معقدة ومبتكرة لحساب التقويمات والظواهر الفلكية الدورية مثل الكوكبية والكرات السماوية لأرخميدس وبوسيدونيوس (القرن الثالث قبل الميلاد) والتي استخدمت لربط التروس المسننة لمحاكاة دورات وخسوف الشمس والقمر والخمسة كواكب المعروفة بدقة متناهية وفقًا لشيشرون. ويذكر أن مثل تلك الآلية التي بنيت في القرن الثاني قبل الميلاد قد نجت (من غرق سفينة أنتيكيثيرا) وما بقي منها يعرض الآن في المتحف الأثري الوطني بأثينا. 
وضم القسم الثاني:
ـ مسرح فيلون الأوتوماتيكي "القرن الثالث ق. م". السينما لدى اليونانيين القدماء؛ وتُعد أول تطبيق لناقلات الحركة باستخدام السيور في العالم.
يعتبر إعادة بناء دقيقة للمسرح الآلي الثابت لفيلون البيزنطي الذي وصفه بالتفصيل وعدله هيرون السكندري في عمله أوتوماتوبويتيكا. كانت المسارح الآلية "معجزات" الفترة الكلاسيكية والهلينستية وأعمال "سحرة" الإغريق في العصور القديمة. وقد عرض مسرح هيرون آليًا بالصور المتحركة وأصوات أسطورة نوبليوس الذي سعى للانتقام من الأخايين لقتل ولده بالاميدس في طروادة.  

أعجوبات التكنولوجية اليونانية الإغريقية
انتعاش تدريجي في القرن الرابع عشر 

الفصل الأول: يصلح الأخايون سفنهم – يمكننا أن نرى الشخصيات تتحرك وتطرق وتحيك ويمكننا سماع الأصوات التي تخرجها الآلات وكأنها حقيقية. 
الفصل الثاني: يدفع الأخايون سفنهم في الماء. 
الفصل الثالث: تظهر السفن فجأة في الماء. ويمكننا أن نراهم يبحرون كأسطول ويتحركون حتى يختفوا. ثم يهيج البحر وتظهر السفن مرة أخرى تندفع للأمام في البحر الهائج. كما تظهر الدلافين في البحر من وقت لآخر.
الفصل الرابع: نوبليوس يقف على الشط الثاني ومعه شعلة مضاءة ويرسل إشارات كاذبة للأخيليين وكأنها من الإلهة أثينا. 
المشهد الخامس: يمكن أن نرى بقايا السفن المحطمة وآياس يسبح في البحر العاصف. ثم تظهر أثينا (كمدد غيبي) فتعبر المسرح وتختفي. ثم يختفي آياس بينما نرى البرق ونسمع صوت الرعد. 
تفتح يوابات خشبة المسرح وتغلق بين المشاهد. ويحدث كل ما سبق دون أي تدخل بشري حيث تدار فقط بواسطة قوة الوزن الأصلي الذي ينحدر على وتيرة ثابتة في ساعة رملية. كانت الحركة اليدوية الوحيدة التي يتطلبها تشغيل المسرح الآلي هي جذب الخيط في الجانب الأمامي للقاعدة.
ـ خادمة فيلون الآلية "القرن الثالث ق. م" وهو أول تطبيق للزنبرك والصمامات وأجهزة التحكم الهيدروليكية في تاريخ البشرية: إنسان آلي في هيئة امرأة بالحجم الطبيعي تحمل في يدها اليمنى إبريق من النبيذ وتسكب تلقائيًا عندما يضع الضيف كوبًا في يدها اليسرى. كما تضيف الماء في الكوب عند الرغبة. كان بداخل الخادمة إناءان محكمان من النبيذ والماء وكان بأسفلهما أنبوبتان تؤديان إلى محتوياتهما من خلال يدها اليمنى لفوهة إبريق النبيذ. هناك أنبوبتا هواء من أعلى الآنية لأسفلها تؤديان لمنحنى في بطنها. كانت ذراعها اليمنى متصلة بكتفها بمفاصل بينما يرفعها قضيب حلزوني كامتداد لقضيب التقييد. 
كما يوجد أنبوبتان في نفس النقطة (المفصل) وتنزل لتخترق وتحرر النهايات المثقبة المنحنية للأنابيب. تحتوي نهايات الأنابيب على ثقبين حيث يسبق الثقب المرتبط بإناء النبيذ ذلك المرتبط بإناء الماء. وحينما يوضع الكوب في كف الخادمة تنزل يدها اليسرى وترفع أنابيب المفاصل، فيتساوى الثقب بإحدى الأنابيب مع أنبوب الهواء الخاص بإناء النبيذ فيدخل الهواء إلى الإناء ويتدفق النبيذ من الأنبوب إلى الكوب. وحينما يمتلئ الكوب لنصفه تنزل اليد أكثر نتيجة للوزن فيتعرقل مسار أنبوب الهواء الخاص بالنبيذ ويتوقف التدفق. وفي الوقت ذاته تتساوى الأنبوبة الأخرى مع أنبوب الهواء الخاص بإناء الماء الذي يبدأ بالتدفق وبالتالي يخفف النبيذ. 
عندما يمتلئ الكوب تسقط اليد للأسفل نتيجة للوزن، فيتعرقل مسار أنبوب الهواء الخاص بالماء ويتوقف التدفق. كما يمكن رفع الكوب في أي وقت لترتفع اليد اليسرى وتسقط أنابيب المفاصل لتوقف أنابيب الهواء مما يترك فراغًا في الإناء ويمنع تدفق السوائل. لذا فإن الخادمة كانت تملأ كوب الضيف بالنبيذ أو النبيذ المخفف حسب الرغبة بناء على المدة التي يترك بها في يدها.
ـ ساعة ستيسيبيوس الهيدروليكية "القرن الثالث ق. م" وهو أول تطبيق للتروس والمسامير الثابتة.
ـ آلة هيرون لتصنيع الصواميل من القرن الأول الميلادي ويمثل أول قاطع مسامير داخلي في تاريخ البشرية.
ـ منجنيق ديونيسيوس المتكرر "القرن الثالث ق. م" وهو أول تطبيق في العالم للحركة باستخدام سلاسل المستوى.
ـ عَرَبَة هيرون لعرض العرائس من القرن الأول الميلادي ويعد أول مركبة ذاتية الحركة تتجول آليًّا في التاريخ.