متى يأتي الشعر؟

لحظات المكاشفة الشعرية مازالت سرًّا من أسرار الإبداع التى وهبها الله سبحانه وتعالى لبعض خلقه.
لا توجد قاعدة، ولا يوجد يقين محدد أن الساعة كذا سوف أجلس الى مكتبي، وأمسك بالقلم لأكتب شعرًا
الشعر يجلب الشعر والكلمة تولد الكلمة

أستطيع أن أقول بعامة إن الشعر يجلب الشعر، والكلمة تولد الكلمة فعندما أقرأ نصًّا شعريًّا جيدًّا، فى أماكن النشر المختلفة، أجدنى أتفاعل مع ما أقرأ، وأجد نفسى مُحرَّضة على كتابة الشعر، وتلقائيًّا أمسك بالقلم لأكتب غمغمات قصيدة. وأحيانًّا لا يحدث ذلك، مهما قرأت من شعر للآخرين.
إن لحظات المكاشفة الشعرية مازالت سرًّا من أسرار الإبداع التى وهبها الله سبحانه وتعالى لبعض خلقه.
أحيانًّا تنهمر علىٍّ القصيدة في لحظة مستثناة، وأحيانًّا تستعصي على ذلك، بل لا تجود الكلمات بحرف واحد على الرغم من التلبس بالحالة الشعرية. وأحيانًّا يكون لدى  
الشاعر الرغبة القوية في الكتابة أو القول الشعري، ولكنه لا يجد الكلمات التي تسعفه، وأحيانًّا يجد الكلمات في أماكن غير مناسبة تمامًّا، وإذا أهمل تدوينها فسوف تطير كما يطير طائر النورس عن صفحة المياه الزرقاء التي وقف عليها منذ دقائق.
وأحيانًّا تكتب القصيدة في لحظة واحدة، أو في لمحة واحدة من لمحات الزمان، وأحيانًّا تكتب في شهر أو أكثر. 
ولدي قصائد عديدة لم تكتمل بعد رغم مرور شهور على تدوين مطالعها التي ربما تكون خواتيمها إذا جلستُ إليها مرات أخرى. وأحيانًّا في لحظة واحدة تنهمر القصيدة. ويجيء الشعر، كما يجيء النهر في لحظة عطش شديد، محلقًا بصوره وموسيقاه ولغته الخاصة.
إذن لا توجد قاعدة، ولا يوجد يقين محدد أن الساعة كذا سوف أجلس الى مكتبي، وأمسك بالقلم لأكتب شعرًا، هذا لا يحدث على الإطلاق، لذا فإنني كنت أدهش كثيرًا من قول كاتبنا الكبير نجيب محفوظ في بعض حواراته أنه كان يحدد أوقاتًا معينة من نهار اليوم من (3-6) عصرًا على سبيل المثال، ليكتب رواياته، أما في فصل الصيف فلا يكتب شيئًّا، وإنما يقضيه في التأمل على شواطئ الإسكندرية. ربما يحدث هذا في الروايات الطويلة، أما في الشعر فلا أعتقد.

عادت "بوسي" من باب الحديقة وجاءت تداعبني، أخذتُ أربت على ظهرها وأخذتْ تتمسح بي، فعرفتُ أن لحظات الإلهام قد حانت

ولكن دعنا نستفيد من التقدم العلمي، وتطور وسائل الاتصال المختلفة، ونتساءل: هل  يستطيع علماء الحاسب الآلي في المستقبل القريب تصميم برامج تساعد - بإذن الله - على اكتشاف لحظات الإبداع قبل حدوثها، وتنبيه صاحبها إلى ذلك عن طريق رصد مشاعره وأحاسيسه، والتغيرات الكهرومغناطيسية والفسيولوجية والسيكولوجية التي تطرأ عليه قبيل أوقات الإبداع، ليتهيأ له المبدع بكامل طاقاته وقدراته الفنية والإبداعية؟! الله أعلم.
في روايتي "اللون العاشق" التي كتبتها عن الفنان التشكيلي محمود سعيد أقول: عادت "بوسي" (القطة) من باب الحديقة وجاءت تداعبني، أخذتُ أربت على ظهرها وأخذتْ تتمسح بي، فعرفتُ أن لحظات الإلهام قد حانت، وكان بزوغ الوجه الأول في "جميلات بحري".
فهل هناك حيوانات معينة تتوقع اقتراب لحظات الإلهام لصاحبها؟
هناك بعض الحيوانات تتوقع اقتراب الزلازل فيظهر عليها بعض الأعراض مثل الأرق والتهيج وفرط النشاط والارتباك، أي أن هناك شيئا ما حدث داخل الدماغ، وكذا الإبداع. وهناك بعض الفئران تستشعر اقتراب الفيضان أو الرياح الهائجة من السفينة قبل أن يكتشف ذلك ربانها أو ملاحوها.
فهل هناك من طريق نكتشف من خلاله اقتراب لحظات الإبداع لدى المبدع أيا كان نوع إبداعه؟