مثقلين بإرث العشرية السوداء، إسلاميو الجزائر يُمنّون النفس بالحكم

الأحزاب الإسلامية في الجزائر تقدم نفسها كأحزاب ديمقراطية معتدلة بينما ستجد نفسها مرغمة على الأرجح على محاولة استقطاب أصوات المتطرفين الملاحقين من قبل السلطة.  
إسلاميو الجزائر قفزوا من مركب بوتفليقة وركبوا موجة الحراك
الأحزاب الإسلامية في الجزائر تتنصل من ارتباطاتها بجبهة الإنقاذ المحظورة
تبون غير منزعج من جماعات الإسلام السياسي طالما لم تخالف القانون
لتبون حساباته السياسية في التعاطي مع الأحزاب الإسلامية وللجيش حساباته أيضا

الجزائر - تسعى الأحزاب الإسلامية في الجزائر لانتزاع مكانة في المشهد السياسي المتقلب من خلال مشاركتها في الانتخابات التشريعية المقررة يوم 12 يونيو/حزيران وهي التي خاضت في السابق تجارب فاشلة سواء في تشكيل جبهة موحدة في مواجهة حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم منذ الاستقلال أو من خلال انخراط بعضها في ركب السلطة خلال حكم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.

وكانت تلك الأحزاب قد سارعت للقفز من مركب السلطة في 2019 حين أيقنت أن مركب بوتفليقة على وشك الغرق ومنها أكبر الأحزاب الإسلامية: حركة مجتمع السلم المعروفة اختصارا باسم 'حمس' والمحسوبة على تيار الإخوان المسلمين.  

وتخوض الأحزاب الإسلامية الجزائرية سباق الانتخابات التشريعية مثقلة بتركة ثقيلة من ارث 'جبهة الإنقاذ الوطني' الإسلامية المعروفة اختصارا باسم 'الفيس' والتي دخلت في مواجهة مع الجيش في تسعينات القرن الماضي بعد أن ألغى نتائج الانتخابات التشريعية التي قالت حينها إنها فازت فيها.

واندلعت في تلك الفترة حرب أهلية قتل فيها نحو 200 ألف شخص ونفذ الإسلاميون الذين لاذوا بالجبال عشرات العمليات الإرهابية وفق تأكيدات الجيش الجزائري ولا يزال ذلك الإرث يثقل على الجزائريين الذين لا بات معظمهم لا يطمئن للأحزاب الاسلامية وبرامجها.

لكن هذه الأحزاب التي تنشط في إطار القانون، ترفض أي صلة بالجبهة الإسلامية للإنقاذ السابقة المحظورة و'الإرهاب الإسلامي' خلال الحرب الأهلية (1992-2002)، وتقول إنها "مستعدة للحكم".

واختارت الأحزاب الإسلامية الجزائرية المشاركة في الانتخابات التشريعية من أجل "المساهمة في التغيير" وهي تحلم بالحصول على غالبية في المجلس الشعبي الوطني، للتأثير على مستقبل البلاد السياسي.

وقد أبدت بعض التفاؤل مع اقتراب موعد الانتخابات، خصوصا بعد قرار المعارضة العلمانية واليسارية عدم المشاركة، وفقدان المصداقية لدى الأحزاب المقربة من الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.

ويعتقد أن مشاركتها التي تقررت بعد فترة من الغموض كانت تكتيكية، فهي تريد الاستفادة من مقاطعة الأحزاب العلمانية واليسارية واللعب في ساحة خالية من منافسين جديين.

وفي الوقت ذاته يدرك الشارع الجزائري أن تلك الأحزاب وبعضها كان في ركب السلطة، ركبت على أحداث الحراك الشعبي الذي دفع بوتفليقة للتخلي عن الترشح لولاية رئاسية خامسة والاستقالة في نهاية المطاف.

ويرى المحلل السياسي منصور قديدير أنه يمكن للإسلاميين "الحصول على غالبية نسبية في المجلس الشعبي الوطني القادم"، لكن "هذه الغالبية لن تسمح لهم بالسيطرة على البرلمان"، مضيفا "يقولون إنهم يتبنون اسلاموية معتدلة ولا يشكلون خطرا على الديمقراطية طالما أن لدى النظام الرئاسي وسائل دستورية كافية لثنيهم عن ذلك".

ويمكن لرئيس الدولة خصوصا التشريع عن طريق المراسيم وهو الذي قال في تصريحات لمجلة 'لوبوان' الفرنسية مؤخرا إنه لا مشكلة لديه مع الأحزاب الإسلامية التي تنشط في إطار القانون.

وكما الحال في المغرب مع حزب العدالة والتنمية وتونس مع حزب النهضة يقدم أعضاء الحركات الإسلامية القانونية أنفسهم على أنهم "الديمقراطيون-المسلمون" أكثر من كونهم مؤيدين لقيام "دولة إسلامية".

وعلاوة على ذلك، فإن أهم حزب إسلامي في البلاد، حركة مجتمع السلم بزعامة عبدالرزاق مقري، المقرب من الإخوان المسلمين، شارك دونما انقطاع في الحكومات الجزائرية من 1996 إلى 2011.

ومع غياب أي استطلاع موثوق للرأي، يتوقع رئيس حركة مجتمع السلم تحقيق "فوز ساحق" لمرشحيه و"غالبية مقاعد البرلمان البالغ عددها 407" معلنا أنه "جاهز لقيادة الحكومة المقبلة".

وهذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها مقري هذه اللغة، لكنه يعتمد هذه المرة على شفافية الاقتراع التي وعد بها الرئيس عبدالمجيد تبون.

وكان الرئيس تبون صرح في مقابلة مع مجلة لوبوان الفرنسية أن "الإسلام السياسي الذي لا يُعطّل التنمية وتطوير البلد لا يزعجني، أما إسلاموية سنوات 1990، فلن أسمح بعودتها أبدا".

وتساءل "الآن هل عرقل الإسلام السياسي تنمية دول مثل تركيا وتونس ومصر؟ لا"، مؤكدا أن "هذا الإسلام السياسي لا يزعجني لأنه ليس فوق قوانين الجمهورية التي ستُطبق بالحرف".

ويثير هذا الأمل في نفوس مقري والقادة الإسلاميين الآخرين، لكن الجزائر تبقى دوما حذرة من سيناريو العشرية السوداء وهي التي اكتوت بنيران الإرهاب، بينما يبقى السؤال حول دور الجيش الذي اعتاد على إدارة الشؤون السياسية من خلف ستار، لكن تبون قال في تصريحاته للمجلة الفرنسية إن الجيش لم يعد يتدخل في الشأن السياسي.

وحل المرشح الإسلامي الوحيد في انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2019 الرئاسية، عبدالقادر بن قرينة رئيس حزب حركة البناء، في المركز الثاني بعد عبدالمجيد تبون بنسبة 17.37 بالمئة من الأصوات.

وخطابه في الحملة الانتخابية الراهنة، على غرار التشكيلات الإسلامية الأخرى، لا يدور حول الترويج للإسلاموية بقدر ما يركز على الترويج لميثاق السلم والمصالحة الوطنية العائد للعام 2005 "من أجل دفن كراهية وآلام الماضي وتضميد الجراح نهائيا والجروح التي سببها العشرية السوداء" التي شهدت مواجهة بين قوات الأمن ومجموعات إسلامية مسلحة ما أسفر عن مقتل 200 ألف شخص.

ودعا بن قرينة إلى "العمل معا، دون إقصاء أي طرف، لبناء البلاد". وإدراكا منه بتراجع الإسلام السياسي في المجتمع الجزائري، فإن التيار الإسلامي القانوني يلعب ورقة التهدئة و "الوحدة الوطنية".

لكن تبقى عدة نقاط غموض قد تبطل أو على الأقل تضعف، التكهن بفوز رئيس حركة مجتمع السلم وشركائه. وسيتعين عليهم أولا إقناع الناخبين الإسلاميين بالتصويت لحركة منقسمة إلى خمسة أحزاب متنافسة.

ومن ثم سيكون عليهم محاولة اجتذاب أصوات المتطرفين الذين تلاحقهم السلطة وأصبحوا أكثر اقتناعا من أي وقت مضى بفشل المسار الانتخابي.

وأخيرا، يقع على مسؤوليتهم تجميع أصوات الأشخاص الساخطين حول صورة الجدية والاعتدال التي يقدمونها.

وبحسب قديدير "بالنظر إلى أن الإسلاميين في البلدان المغاربية حاضرين في البرلمانات والحكومات، فلا يوجد سبب للتخوف من انتصارهم" في الجزائر، حيث "تطورت عقليتهم كثيرا"، مضيفا "أما استغلال الدين، فلم يعد الرأي العام يتقبل هذا النوع من الخطاب".