محادثات لبنان وصندوق النقد تصل الى طريق مسدود

لبنان يدخل نفقا مظلما مع تدهور وضعه الاقتصادي وتدهور قيمة عملته بسبب انهيار توازناته المالية مع وصول المباحثات مع صندوق النقد الدولي الى طريق مسدود.

بيروت - قال وزير المال اللبناني غازي وزني لصحيفة الجمهورية الجمعة إن محادثات لبنان مع صندوق النقد الدولي "علّقت في انتظار بدء لبنان تنفيذ الإصلاحات بأسرع وقت ممكن، والتوافق على مقاربة الأرقام بشكل موحّد".
وفي التصريحات التي أكدتها مصادر رسمية، قال وزني إنه سيظل على اتصال مع صندوق النقد الدولي لحين استئناف المحادثات.
واضاف " ما يُعمل عليه اليوم هو تحديد الخسائر وحجمها بكل القطاعات" متابعا علينا الخروج بمقاربة موحدة متّفق عليها مع كافة القوى السياسية وبالتنسيق بين الحكومة ومجلس النواب... يجب أن نتفق بأسرع ما يمكن".
وبدأ لبنان محادثات مع الصندوق في مايو/أيار، على أمل تدبير مساعدة لمعالجة الأزمة المالية التي تُعتبر أكبر تهديد للبلاد منذ الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990.
لكن العملية تعثرت بسبب نزاع بشأن حجم الخسائر المالية التي نشأ حولها اختلاف بين الحكومة والبنك المركزي والبنوك التجارية ونواب في البرلمان من أحزاب سياسية رئيسية في لبنان.
وقالت لجنة برلمانية لتقصي الحقائق الأربعاء إن الخسائر في النظام تتراوح بين ربع ونصف المبلغ المحدد في خطة حكومية للتعافي قُدمت إلى صندوق النقد الدولي.
وقال الصندوق إن بيانات الحكومة يبدو أنها "تتفق بصفة عامة مع الحجم السليم".
وعبّرت فرنسا عن قلقها الأربعاء تجاه الأزمة في لبنان محذرة من ان السُخط الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى تصاعد العنف.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان أمام جلسة في البرلمان أنه يتعين على الحكومة تنفيذ إصلاحات حتى يتسنى للمجتمع الدولي مد يد المساعدة للبنان.

الصراعات السياسية وارتهان لبنان للخارج دمر اقتصاده واجج الاحتجاجات
الصراعات السياسية وارتهان لبنان للخارج دمر اقتصاده واجج الاحتجاجات

وفي لبنان الذي اشتهر وسط بلدان الشرق الأوسط بأنه سويسرا الشرق، أصبح الفقر الذي حل بالبلاد منذرا بعواقب وخيمة يتبدى في صور مواطنين يستجدون في الشوارع أو ينبشون القمامة بحثا عن شيء يصلح للأكل أو يقايضون أثاث بيوتهم بالطعام.
ويتفق العديد من المسؤولين اللبنانيين الحاليين والسابقين والدبلوماسيين والمسؤولين الدوليين وخبراء الاقتصاد والمحللين أن المحادثات مع صندوق النقد لانتشال لبنان من أزمته الاقتصادية تشرف على الانهيار. لكن الوقت بدأ ينفد.
وكان ناصر سعيدي وزير الاقتصاد السابق وهو من قيادات مصرف لبنان المركزي سابقا افاد ان المحادثات مع صندوق النقد الدولي "بلغت طريقا مسدودا".
والطبقة السياسية، التي يتكتل أفرادها وفق أسس طائفية وعائلية أبعد ما تكون عن الاتفاق على نهج مشترك، لا تزال تتشبث بمصالحها الخاصة بل أن الجدل بينها يصل إلى حد الاختلاف على ما إذا كان لبنان قد أفلس فعلا.
وقد استقال اثنان من أعضاء فريق التفاوض اللبناني خلال شهر واحد استنادا إلى ما وصفاه بمحاولات للتخفيف من خسائر مالية هائلة في خطة الحكومة.
وتولت الدفة حكومة جديدة في أوائل العام الجاري ورغم أنها وُصفت بأنها حكومة من التكنوقراط فقد كان جميع أعضائها من ترشيح أصحاب السلطة الحقيقية.
وهي تضم بعض التكنوقراط إلى جانب مرشحين حزبيين ويقول معارضون إن رئيس الوزراء حسان دياب أسير معروف من جاءوا به إلى السلطة وعلى رأسهم جماعة حزب الله الشيعية المدعومة من إيران وحلفاؤها المسيحيون وأبرزهم الرئيس ميشال عون وحركة أمل الشيعية برئاسة نبيه بري رئيس مجلس النواب.

وقد نفى دياب مرارا أن حكومته تنحاز إلى أصحاب المصالح السياسية.

الشعب اللبناني يتحمل تكاليف السياسات الخاطئة من قوته
الشعب اللبناني يتحمل تكاليف السياسات الخاطئة من قوته

وبلغ الأمر بلبنان حد الإفلاس ولن يتمكن من سداد ديونه الضخمة بالكامل وجانب كبير منها مستحق للبنك المركزي والبنوك المحلية. لكن لم يطرح أحد استراتيجية متفق عليها لتوزيع الخسائر بين المودعين وحملة الأسهم في البنوك وحملة السندات الأجانب والدولة.
والتحدي الأول هو القبول بحجم الخسائر. وقد أقر صندوق النقد الدولي أرقام الحكومة التي تشير إلى أن العجز يتجاوز 90 مليار دولار.
غير أن البنوك والبنك المركزي وأعضاء في البرلمان يمثلون فصائل سياسية نافذة يقولون إن الرقم الحقيقي نصف هذا الرقم. ويصف معارضون ذلك بأنه حيلة محاسبية قائمة على سعر صرف مشكوك فيه.
وقالت عدة مصادر إن صندوق النقد حاول إقناع المصرف المركزي بقبول الأرقام الأعلى لكن حاكم المصرف رياض سلامة تمسك بموقفه. وامتنع سلامة عن التعليق وقال إنه لا علم له بمثل هذه الانتقادات.
ويتعين على لبنان أن يعالج سبب المشكلة وهي إنفاق الحكومة بشكل مفرط لمكافأة أنصار تيارات بعينها.

وسيتعين أيضا تقليص كلفة مرتبات العاملين بالدولة ومعاشات التقاعد وهي كلفة باهظة. ويتفق الجميع تقريبا على أن شركة كهرباء لبنان تتصدر قائمة الإصلاح إذ أنها تخسر حوالي ملياري دولار سنويا.
كما أن البدء في التفاوض مع صندوق النقد يتطلب تنفيذ إصلاحات أساسية تجاهلتها الحكومة حتى الآن. ويجب أن تفرض سلطة تنظيمية سيطرتها على الجمارك التي تخضع الآن لإقطاعيات حزبية كما يجب إنشاء حساب موحد للمصروفات والإيرادات بوزارة المالية وتوحيد أسعار الصرف.
ومنذ أكتوبر/تشرين الأول حُرم أصحاب الودائع إلى حد كبير من القدرة على السحب من حساباتهم الدولارية. ويمثل الدولار عملة ثلاثة أرباع الودائع كلها تقريبا وقد استغل البنك المركزي والحكومات المتعاقبة الجهاز المصرفي في تمويل الدولة فيما يصفه المنتقدون بأنه خطة تقوم على الاحتيال لكنها على مستوى الدولة لا على مستوى الأفراد.
وفقدت الليرة اللبنانية 80 في المئة من قيمتها منذ تفجرت احتجاجات شعبية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي على النخبة التي تحكم البلاد على أسس طائفية.