محمد سرو جراح يضع المعرفة العلمية على طاولة التشريح

الدكتور والجراح المغربي يرى ان دور العلوم الإنسانية ليس مهما فحسب، بل حيويا، وذلك 'ليس فقط لأنها تشتغل على الإنسان كموضوع، ولكن لأنها المؤهلة لإحداث القطيعة مع أسباب التأخر والتخلف. وهذه الأسباب ترتبط بالإنسان وبنظرته إلى الكون'.

الرباط - يقتضي الحديث عن المعرفة العلمية الإنصات لباحث ينتمي إلى الحقل العلمي، وهو ما ينطبق على كتاب "المعرفة العلمية.. مقاربات وإشكالات" للمؤلف الدكتور والجراح المغربي محمد سرو، وهو صاحب دكتوراه في الفلسفة أيضا.

وقد ذهب في هذا مذهب الفلاسفة العرب القدامى، منذ أبي بكر الرازي وابن سينا وابن رشد... كيف لا وهو صاحب كتاب آخر صدر سنة 2016، ونال جائزة المغرب للكتاب، وهو عن "النظر والتجريب في الطب الأندلسي بين ابن حزم وابن رشد".

الكتاب الصادر حديثا عن منشورات باب الحكمة قدم له الدكتور والشاعر المغربي المرموق حسن الطريبق، وهو ينوه الإلمام العميق للمؤلف بأسرار موضوعه وأغوار مباحثه.    

يصدر كتاب الجراح المغربي محمد سرو عن نزعة إنسانية، وهو ينطلق من الفروق بين طرائق البحث في العلوم الإنسانية في مقابل مناهج البحث في العلوم الحقة، والتي تتميز بالدقة والصرامة، ما جعل العلوم التجريبية تحقق في العصور الحديثة "قفزة نوعية تجسدت في اكتساح الظواهر الطبيعية من أجل تفسيريها وفهمها، بل وفي بعض الأحيان التحكم فيها"، يؤكد المؤلف. وهو الأمر الذي نشأت عنه قطيعة بين الفكر الكلاسيكي والعلم ما قبل التجريبي، وبين ما سوف يطلق عليه الحداثة، حسب المؤلف دائما. سوى أن هذه الحداثة "لم تحقق فقط التقدم والنمو ورفاهية الإنسان، بل كانت كذلك وراء كثير من الكوارث والحروب واستعباد الإنسان، نتيجة التطبيقات اللانهائية، وأحيانا اللاأخلاقية، للعلم". وهنا يستيقظ صوت المفكر في كتاب "المعرفة العلمية". يذكرنا الكتاب بموقف غاستون باشلار، حين يرى أن التفكير العلمي يمنعنا من أن نكون آراء خاصة وندلي بها، بدعوى العلمية دائما، بينما يستطيع العلم أن يقول لنا كلمة واحدة حول السر الذي يجعلنا نحس بالغبطة ونحن ننصت الى الموسيقى مثلا.

ضمن هذا المنزع الإنساني، واستحضارا لوضع الفرد في مجتمعاتنا، يرى محمد سرو أن دور العلوم الإنسانية ليس مهما فحسب، بل حيويا، "وذلك ليس فقط لأنها تشتغل على الإنسان كمادة، وكموضوع، ولكن لأنها المؤهلة لإحداث القطيعة مع أسباب التأخر والتخلف. وهذه الأسباب ترتبط بالإنسان وبنظرته إلى الكون، وبمدى قدرته الإدراكية والمعرفة والإبداعية، واستعداده لتجاوز كل أشكال الجهل والبؤس والخوف".

وعلاقة بعوائق التحديث في مجتمعاتنا، يطرح المؤلف سلسلة من التساؤلات حول العوامل التي تعوق تحرير الفرد من مختلف التبعيات: السياسية والاجتماعية والعائلية والفكرية... وكل ما يحول دون تحقيق الحريات المدنية والسياسية وإعمال مبادئ وقيم الديمقراطية، وما يعوق العقلانية العلمية، والاستعاضة عن منطق التجربة والاستقراء باللجوء إلى الغيبيات والخرافة والحال أن العلوم الإنسانية، كما يوضح الكتاب، هي التي تستأثر بدراسة وتحليل القيم والمفاهيم الإنسانية كما تتجسد في قانون أو سلوك أو عادة أو معتقد أو نموذج أو مثل أو فكرة.. كما نستطيع فهمها وتحليلها ومعرفة أصولها وفروعها وسيرورتها وارتباطاتها، ومن ثم العمل على تفكيك مضامينها واستنطاق مكوناتها، بما يساعدنا على الوعي بها وإدراك مدى أثرها وتأثيرها على الفرد والمجتمع، وكيف تشكل عائقا أمام الحركة والاجتهاد.

 

الحداثة لم تحقق فقط التقدم والنمو ورفاهية الإنسان، بل كانت كذلك وراء كثير من الكوارث