محمود حرشاني يعود بالقراء إلى'عام الثورة'

الكاتب والإعلامي التونسي يمزج الخيال بالمعلومة الدقيقة في رواية تسجيلية توثق لأحداث الثورة التونسية.
أسامة حرشاني
تونس

صدرت للكاتب والإعلامي التونسي محمود حرشاني هذه الأيام رواية جديدة من الحجم المتوسط تحمل عنوان "عام الثورة" تقع في نحو 72 صفحة عن منشورات موقع مرآة الوسط  الثقافي.

وقد وشح الغلاف الخارجي للرواية بعلم الجمهورية التونسية وبيد تخرج من بين جماعة من المتظاهرين في الصورة تحمل شارة النصر. وتوزعت صورة العلم التونسي على زوايا مختلفة من الغلاف.

وتعود الرواية بالذاكرة إلى أحداث الثورة التونسية التي انطلقت شرارتها من مدينة سيدي بوزيد في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 وانتهت بفرار الرئيس بن علي يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011 بعد موجات الغضب التي عمت البلاد وخروج مظاهرات تنادي بإسقاط النظام.

بطل الرواية "عبدالفتاح" شاب كبقية الشباب التونسي وجد نفسه في العاصمة في الشارع الرمز شارع الحبيب بورقيبة يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011 حيث شاهد أعدادا غفيرة من المواطنين من مختلف الشرائح يرفعون شعار "ديقاج".... الشعار الرمز أمام مقر وزارة الداخلية.. لم يكن يعلم ماذا يحدث ولكنه أدرك من خلال توافد المواطنين على شارع الحبيب بورقيبة وعمليات الكر والفر بين المواطنين وقوات الأمن في ذلك اليوم التاريخي أن حدثا جللا سيحدث في البلاد، ولكن لا أحد كان يتوقع ما هو هذا الحدث...

وبصعوبة يصل عبدالفتاح إلى النزل الشعبي أين سيقضي ليلته بعد أن تعذرت عليه العودة إلى مسقط رأسه نتيجة انعدام المواصلات.... ليجد الجميع متسمرا أمام جهاز التلفزيون ينتظر الإعلان عن حدث عظيم....

وتعود بنا الرواية إلى أجواء تلك الليلة التي وصفت بالليلة الطويلة في تاريخ تونس بعد الإعلان عن فرار الرئيس ومغادرته البلاد والإعلان عبر قنوات تلفزيونية عربية أن ثورة الشعب التونسي قد انتصرت وأن الرئيس غادر البلاد إلى وجهة غير معلومة....

تسترجع الرواية الأحداث التي وقعت بعد ذلك وتعيين رئيس مؤقت للبلاد... ويدرك عبدالفتاح أن مرحلة الرئيس بن علي قد انتهت وأن مرحلة جديدة في تاريخ تونس بصدد التأسيس .... حيث بدأت أفواج المغتربين تعود إلى أرض الوطن ويبدأ مشهد سياسي جديد في التشكل....

وفي ظل ما تشهده البلاد من تراخ أمني تشهد عديد الجهات خروج مظاهرات احتجاجية وحالات قطع للطرقات. يسجل عبدالفتاح في كنش صغير هذه الأحداث. يوما بيوم وكأنه يخاف أن تنسى هذه الأحداث...

محمود حرشاني

وفي الرواية أيضا نجد شخصية "عبدالدائم" الرجل الذي لا يهتم كثيرا بالسياسة ويرى فيها سببا "لوجيعة الراس" (وجع الرأس)، ولذلك فإنه يخير متابعة المسلسلات التلفزيونية على متابعة أخبار التحركات السياسية وقطع الطرقات ويقصد كل يوم المقهى لتمضية وقت مع أصدقائه في لعب الورق، ولكنه يصدم عندما تصله أخبار اغتيالات شخصيات سياسية فيقول لزوجته التي تسأله عن سبب حيرته "ربي يقدر الخير لقد دخلت البلاد منعرجا جديدا....".

وعندما يتحدث الناس عن اتفاق الشيخين في باريس في إشارة لاتفاق الغنوشي وقائد السبسي.. وبينما يقول الوردي إن هذا الاتفاق سيجنب البلاد مزالق كثيرة بقول عبدالمومن لا يوجد قط على وجه الأرض من يصطاد الفئران لوجه الله، كله تبادل مصالح لا أكثر ولا أقل ...

أما عبدالفتاح الشاب الحالم الذي شارك عدة مرات في المسيرات الاحتجاجية دون أن يبالي بالأخطار، فإن نجاح الثورة يفتح عينيه على ممارسة العمل السياسي .... خاصة بعد أن تصله دعوة لمقابلة مسؤول كبير في وزارة سيادة ... فلعله سيكلف بتحمل مسؤولية سياسية. في موجة تعيينات جديدة لمن لم يتحمل مسؤولية في العهد السابق. في مواقع مختلفة في الدولة. ولكنه يقول تكليفي بمسؤولية أنا لم أجد شغلا في إدارة فكيف اطمح إلى مسؤولية وسيارة وامتيازات..

كما يغريه مع ثلة من أصدقائه موضوع تأسيس حزب بعد أن فتح هذا الباب على مصراعيه، وأصبح تأسيس حزب من أسهل الأمور في تونس.. كما يقول كما نصحه أصدقاؤه بالعدول عن فكرة تأسيس الحزب وإصدار جريدة فقد أصبحت البلاد تشهد بعد الثورة كل يوم صدور جريدة جديدة.

"لقد أصبح تأسيس حزب من أسهل الأشياء في تونس.. أسهل حتى من شربة ماء.. وضحك الأصدقاء الثلاثة وقال عمر مخاطبا عبدالفتاح نريد أن نصبح زعماء سياسيين"

أما عبدالدائم فما يشغله هو كسب طرح "الشكبة" مع أصدقائه في المقهى ولكن حادثة اغتيال شكري بلعيد تهزه من الأعماق "اعتقد أن الأمور تتعكر الآن.. مقتل شكري بلعيد سيمثل منعرجا خطيرا في تاريخ البلاد".. ويقول في قرارة نفسه "إذا دخلنا مرحلة الاغتيالات والتصفيات الجسدية فسنفتح على أرواحنا أبواب جهنم".

رواية "عام الثورة" للكاتب والإعلامي محمود حرشاني تعيدنا إلى أحداث الثورة التي شهدتها تونس سنة 2011 وانتهت بسقوط نظام الرئيس السابق بن علي. وفي هذه الرواية يمتزج الخيال بالمعلومة الدقيقة ومنذ البداية ينبه الكاتب إلى أنه لا يكتب تاريخ الثورة التونسية في هذه الرواية فهو ليس مؤرخا وليس ذلك من اختصاصه كما يقول في كلمة مدخلية ولكن هذه الرواية هي توثيق لأحداث ويوميات امتزج فيها الخيال مع المعلومة الثابتة وبذلك فهي تنحاز إلى ما أصبح يعرف بالرواية التسجيلية وهو جنس جديد في مجال كتابة الرواية والسرد بشكل عام..