محمود قاسم يحلّل أفلاما مثيرة للجدل

حالة من الذعر انتشرت في الأوساط السينمائية في العقد الأخير من القرن العشرين بعد أفول دولة الفيديو وانتهاء عصر أفلام المقاولات.
المضحكون الجدد
الممثل النجم

القاهرة ـ من أحمد مروان

الأفلام العربية التي يشاهدها الناس الآن، خاصة مع بداية القرن الحالي، قد تكون بعضها تتسم بالسطحية والسذاجة، لكن من حسن الحظ أن لدينا سينمائيين تعاملوا مع الأفلام بجدية شديدة، ووقفوا ضد الرقيب المتعسف، وقدموا مجموعة لابأس بها من الأفلام المثيرة للجدل في العديد من الموضوعات الحساسة للغاية، منها الجنس والدين والسياسة.

يقدم الناقد السينمائي محمود قاسم في كتابه "أفلام مثيرة للجدل" الصادر عن (وكالة الصحافة العربية – ناشرون) قراءة لهذه السينما وصانيعها، ومحاولة للتعرف اإلى أي حد كانت الأفلام تستحق الجدل.

يؤكد المؤلف: ما إن انتهى العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، حتى قامت ثورة يناير عام 2011، كي تكون حدثاً فاصلاً بين مرحلتين بالغتي الأهمية في حياة المصريين من ناحية، والعرب بشكل عام، حيث إن صورة الحياة سوف تتغير تماماً عما كانت عليه في بداية القرن. ويعني هذا أن تلك السنوات العشر قد قالت كلمتها، وتشكلت بكل وضوح، مما يمكن قراءتها باعتبارها كيانا واحدا، خاصة في مجالات الفنون والآداب.

في هذا العِقد، بدت السينما المصرية في أفضل حالاتها، وإيرادات الأفلام شهدت ارتفاعا لم تعرفه السينما في كل تاريخها الأسبق، والأمر قد لا يتكرر أبدا العقود القادمة، خاصة مع التغيرات الحادة، السريعة التى ستعيشها مصر مستقبلاً.

انقلاب في الصناعة السينمائية

في العقد الأخير من القرن العشرين، وبعد أفول دولة الفيديو وانتهاء عصر أفلام المقاولات، امتلأت الأوساط السينمائية بحالة من الذعر، بسبب تقلص الإنتاج، وأن العاملين بها، خاصة الفنيين يواجهون شبح البطالة، فقد قلّ الإنتاج السينمائى إلى قرابة عشرين فيلماً في عام 1999، ولم يكن يدور في ذهن أحد أن حالة من الانقلاب الفني والصناعي سوف تحدث، بحيث إن أفلام العقد الأول من القرن الجديد سيحقق بعضها عند عرضه في دور السينما عائدات مالية ضخمة، بالإضافة إلى عائد هذه الأفلام من الفضائيات، خاصة المتخصصة.

في تلك الآونة، كانت دور العرض الأولى قد تهالكت، وتم إغلاق العشرات منها، والتي كان سعر التذاكر يتناسب مع الحالة الاقتصادية للجمهور، إلى أن عرفت مصر بناء دور عرض بالغة الفخامة داخل المولات، وقد توازي هذا النشاط مع ظهور ما سُمي بأفلام المضحكين الجدد.

ويرى قاسم أنه قد انتهى عصر النجوم القدامى في عالم التمثيل والإخراج والإنتاج، وانتهى عصر نجومية كل من: محمود ياسين وحسين فهمي ونبيلة عبيد ونادية الجندى ويسرا. وانكسرت الهالة المتألقة لعادل إمام في نهاية العقد الأخير من القرن الماضي، وهو النجم الذي سيتألق بقوة في النصف الثاني من العقد الأول من القرن الحالي. وكما هو معروف فإن المضحكين الجدد، بدأوا بتفريخ أنفسهم وسرعان ما توزعت البطولات على الأفلام من الأبطال الذين كانوا يشتركون معاً في عمل فيلم كوميدى ناجح، وعلى رأسهم محمد هنيدي الذي حقق إيرادات عالية قلبت كل الموازين من خلال فيلم "اسماعيلية رايح جاي" عام 1997، ومن هذه الأسماء: علاء ولي الدين، وأحمد السقا، وأشرف عبدالباقى، وأحمد عيد، ومحمد سعد، بالإضافة إلى ظهور جيل جديد من المخرجين والممثلين والمطربين.

ومع التغير الحاد للنظام الاجتماعي المصري، وظهور طبقات جديدة بالغة الثراء، تجد في المراكز التجارية المقصد للتردد عليها، فإن دور العرض الكثيرة التي ملأت هذه "المولات" ساعدت في تغيير هوية المتفرج، وارتفع ثمن تذاكر المشاهدة بشكل ملحوظ، بأرقام لا يقدر عليها سوى المشاهد الميسور. وعزفت موضوعات الأفلام على هوى هذا المشاهد الغالب، الثري، الذي يقضي أجازاته في المصايف الفخمة بالساحل الشمالي، وأطراف البلاد كالغردقة، وشرم الشيخ، والغريب أن العدد الأكبر من أفلام الفترة التي تحدث عنها الكتاب، قد دارت أحداثها في هذه المناطق، خاصة شرم الشيخ، وكانت قد بدأت بقصص تدور في قرية مارينا بالساحل الشمالي، وما لبثت الأمكنة التي تغيرت لصالح الأثرياء.

هؤلاء القادرون لم يميلوا بالمرة إلى مشاهدة العشوائيات أو مساكن الفقراء، أو الأماكن الواقعية كما أسماها النقاد . وهنا ظهرت المصيبة الكبرى، حيث أطلق السينمائيون – ومنهم نقاد – أسماء الأفلام على الممثل النجم، وهو أمر لم يحدث في أي عصر، ولا في أي منطقة من العالم، كأن نقول إن هذا فيلم أحمد السقا، أو هنيدى، أو أحمد حلمي، أو عادل إمام، وقد ساعد هذا في تقليص مكانة المخرج بشكل ملحوظ، فصار لكل نجم مخرج ملاكي، أو أكثر بقليل، يعمل معه، وبدا كأن الممثل هو الذي يختار النص أو يوعز به إلى الكاتب، فيكتب الفيلم على مقاس النجم. هذه الظاهرة صنعت ما يسمى بالممثل النجم، وقد صنعت للمخرجين ما يسمى بحرق المبدعين الجدد.

حرق النجوم

كم من أسماء جديدة ظهرت في عالم الإخراج، يرضون بالعمل في أفلام صغيرة أقرب إلى ما كان يسمى بأفلام المقاولات، وكم من مخرجين تمت الاستعانة بهم لمرة واحدة ، ثم اختفوا من الساحة تماماً، كي تتاح فرص جديدة لأسماء أخرى، وقد انعكس ذلك بوضوح في العقد الأول من القرن الحالي، ويمكن القول إن هذه الظاهرة موجودة عالمياً، وهي الاستعانة بمخرجين يعملون لأول مرة في أفلام روائية، ولعل تبرير السينما الأميركية في ذلك أن التقنيات المتطورة هي التى تقوم بالإخراج، أي أن المخرج الماهر هو الذي يجد الفرص أمامه متاحة.

رغم كل الفرص المتاحة، فإن نجوم السينما في هذه المرحلة، كانوا قليلي العدد، يدخلون في منافسة سنوية شرسة، أثناء الموسم الرئيسي، وهو الصيف، وظهرت خرائط العروض متوافقة مع اسم النجم الذي سيحظى بمشاهدة أكبر، وكانت هناك أسماء محددة يمكن أن نحصرها في: محمد سعد، وهنيدي، وعادل إمام، وأحمد حلمى، والسقا، أما بقية الأسماء التى تواجدت، فلم تكن تحقق أفلامها الملايين المنتظرة. يقول المؤلف: "من المهم قراءة هذه المرحلة – من خلال أفلامها – ونحن هنا نحاول إعادة الأمور إلى موازينها الصحيحة، حيث ينسب الفيلم إلى مخرجه، أياً كان ممثله، أو النجم الأول فيه، والحقيقة كان من الممكن أن نعيد التقسيم، وتنسب الفيلم إلى كاتبه، وخاصة الثالوث: وحيد حامد، وناصر عبدالرحمن، وأحمد عبد الله.. حيث إن لكل منهم سمات تتبدى واضحة في الأفلام".

لقد قرأ محمود قاسم قاسم في كتابه هذه الأفلام بما يفسر الوجه السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يشاهده الناس في القنوات الفضائية – بصورة متكررة – وإن لم يذهب لرؤيتها في قاعات السينما، فإنها قادمة إليه في البيوت، وحاول قراءة هذا العقد بكافة تناقضاته من خلال أبرز أفلامه ومخرجيه.