مخاوف من العزلة والملاحقة تدفع حماس لقبول الانتخابات

اعتراف عدد من الدول العربية بإسرائيل وسعي تركيا وقطر لعلاقات طبيعية مع تل أبيب وتداعيات حصار غزة، يعزز مخاوف حماس من أن تكون بدون مظلة حماية ما دفعها لقبول الانتخابات.
توقعات بأن تبقى السلطة برأسين في غزة ورام الله
حماس والسلطة يشعران بأن شرعيتهما على المحك ويحتاجان لانتخابات تجدد بقاءهما
تولي فتح الوزارات السيادية وحماس المؤسسات الخدماتية سيناريو وارد

غزة (الأراضي الفلسطينية) - يرى محللون سياسيون أن إعلان الفصائل الفلسطينية الاتفاق على آليات إجراء الانتخابات المرتقبة هو "ممر إجباري" عليها تجاوزه لتشكيل حكومة فلسطينية مشتركة وموحدة تتولى إحياء مسار المفاوضات مع إسرائيل تحقيقا لرغبة الإدارة الأميركية الجديدة.

واتفقت حركتا فتح وحماس وباقي الفصائل خلال حوار استمر يومي الاثنين والثلاثاء برعاية مصرية في القاهرة، على آليات" إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني والتوافق على تشكيل محكمة الانتخابات.

ووقع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في منتصف يناير/كانون الثاني مرسوما لإجراء الانتخابات الفلسطينية في مايو/ايار ويوليو/تموز. ولم تحصل انتخابات في الأراضي الفلسطينية منذ 2006.

وجاء المرسوم الرئاسي قبل أيام من تنصيب الرئيس الأميركي جو بايدن. وكانت السلطة الفلسطينية قاطعت سلفه الجمهوري دونالد ترامب عام 2017، إثر اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل وإعلانه لاحقا خطة للسلام في الشرق الأوسط سمحت بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل.

وشجع فوز جو بايدن عباس على التوجه إلى الانتخابات والدعوة لحوار وطني "جاد" مع حماس والفصائل، لتجديد شرعية مؤسسات سلطته، وفق ما يعتقد أشرف أبوالهول رئيس تحرير صحيفة الأهرام المصرية والمتخصص بالشؤون الفلسطينية، مضيفا أن "الاتجاه الدولي الذي تمثله فرنسا وألمانيا في اتجاه إحياء مسار المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين لن يتحقق بدون وحدة الفلسطينيين. لهذا بذلت مصر والأردن جهودا كبيرة لإقناع السلطة الفلسطينية وحماس".

ويرى أبوالهول أن العامل الإقليمي المتمثل بـ"اعتراف عدد من الدول العربية بإسرائيل وسعي تركيا وقطر لعلاقات طبيعية مع إسرائيل وتداعيات حصار غزة، كل هذا جعل حماس تخاف من أن تكون بدون مظلة حماية ما دفعها لقبول الانتخابات".

ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة مخيمر أبوسعدة "الانتخابات ستفتح الطريق لمحادثات سياسية جديدة بين السلطة وإسرائيل وهذا ما تريده إدارة بايدن".

وبحسب قيادي كبير في حماس، فقد اتخذت الحركة قرارا "حاسما" في المضي في الانتخابات بعد حصولها على "ضمانات من دول عربية وإسلامية وأجنبية"، في إشارة ضمنية إلى مصر وقطر وتركيا وروسيا.

وأضاف "طالما هناك استعداد لدى السلطة وحركة فتح للتوافق حول القضايا الخلافية، فهذا مشجع للتقدم"، مشيرا إلى أن "حماس تريد أن تكون فصيلا معترفا به دوليا في منظمة التحرير وشريكا سياسيا في السلطة حتى لو بنسبة أقل".

اتفاق القاهرة هذه المرة ليس كغيره من الاتفاقات السابقة، إذ أدرك العالم أن استمرار الجمود والترهل في الحالة الفلسطينية قد يفتح المجال لمسار من التطرف والعنف والفوضى والإرهاب وهو ما لا يحتمله الإقليم ولا العالم

وتابع "بالوحدة فقط يمكننا مواجهة المخططات الإسرائيلية ومعالجة آثار الانقسام الكارثية على شعبنا وعلى العالم أن يلتقط هذه الفرصة لإنصاف الفلسطينيين".

وتفرض إسرائيل منذ أربعة عشر عاما حصارا شاملا ومشددا على قطاع غزة الذي يعيش فيه نحو مليوني شخص ويعاني من فقر ونسبة مرتفعة من البطالة.

ويتساءل الكاتب والمحلل السياسي في لندن عبدالسلام عقل حول جهوزية حركة فتح "المنقسمة على نفسها لخوض الانتخابات"، فماذا لو فازت حماس؟ هل سيعترف العالم بها؟".

وحصلت القطيعة بين حركتي فتح وحماس بعد فوز الأخيرة في الانتخابات التشريعية في 2006 والفشل في تقاسم السلطة، ما أدى إلى مواجهات مسلحة بين الطرفين انتهت بتفرد حماس بالسيطرة على قطاع غزة وطرد حركة فتح منه.

ويقول عقل وهو مدير منظمة "حقوق" الفلسطينية "يشعر الطرفان بأن شرعيتهما على المحك ويحتاجان إلى انتخابات تجدد بقاءهما، لكن ستبقى سلطة برأسين في غزة ورام الله".

ويرى مدير مركز التقدم العربي للسياسات في لندن محمد مشارقة من جهته أن اتفاق القاهرة هذه المرة "ليس كغيره" من الاتفاقات السابقة، "إذ أدرك العالم أن استمرار الجمود والترهل في الحالة الفلسطينية قد يفتح المجال لمسار من التطرف والعنف والفوضى والإرهاب، وهو ما لا يحتمله الإقليم ولا العالم".

وأشار إلى أن حماس "أُجبرت" على التوافق "لتأهيل نفسها في إطار النظام السياسي المثقل باتفاقات أوسلو والتنسيق الأمني مع الاحتلال والعودة إلى المفاوضات باعتبارها الآلية الوحيدة للحلول"، مضيفا أن البديل هو "مطاردة حماس في العالم كحركة إرهابية خارجة عن الشرعية".

ويخلص مشارقة إلى أن ما بعد الانتخابات القادمة "خارطة سياسية جديدة، فلن تبقى حركتا فتح وحماس على صورتيهما السابقة".

وبحكم الانقسام الفلسطيني، تخضع الأراضي الفلسطينية لنظامين سياسيين مختلفين: أحدهما يتجه نحو العلمانية في الضفة الغربية المحتلة برئاسة محمود عباس حيث يعيش نحو 2.8 مليون نسمة، وآخر ديني بقيادة حماس في القطاع.

ومنذ 2007، حلّ الرئيس الفلسطيني المجلس التشريعي وفرض "عقوبات" على قطاع غزة، من بينها إحالة الآلاف من الموظفين العموميين للتقاعد المبكر. وفشلت جولات عديدة من الحوار بين حركتي فتح وحماس، رعتها مصر وأطراف أخرى.

ويرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية في غزة حسام الدجني أن أقرب سيناريو لما بعد الانتخابات هو "فدرالية بين رام الله وغزة"، مضيفا "الانتخابات حاجة وطنية داخلية، مع مراعاة الضغوط الخارجية".

وقد يقود هذا الخيار إلى أن يشكل عباس حكومة مركزية تضم الوزارات السيادية وتتولى الإشراف على العلاقات الخارجية وجلب وإدارة المال، بينما تدير حماس مؤسسات "حكومية خدماتية" في قطاع غزة، بحسب الدجني.