مخاوف من انسحاب أميركي يعيد أفغانستان للحرب الأهلية

انسحاب القوات الدولية من أفغانستان يفسح المجال أمام طالبان وحلفائها للسيطرة مجددا على البلاد، فيما يعتبر كثيرون أن قرار الإدارة الأميركية استسلام للإرهاب، بينما استؤنفت الهجمات مؤخرا بعد هدوء نسبي.
واشنطن تبدأ رسميا بسحب آخر جنودها من أفغانستان
90 ضحية على الأقل في انفجار سيارة مفخخة بإقليم لوجار بشرق أفغانستان

كابول - أثار إعلان انسحاب الأميركيين الخوف في نفوس كثر من الأفغان الذين يخشون أن تستعيد حركة طالبان السلطة وتفرض النظام الأصولي نفسه الذي كانت تحكم من خلاله البلاد بين عامي 1996 و2001، وعودة البلاد إلى الحرب الأهلية قد تؤدي إلى كارثة إنسانية مصاحبة لها.

وقالت منة نوروزي وهي موظفة في إذاعة خاصة في كابول، لوكالة فرانس برس، إن "الجميع خائفون من فكرة عودة الأيام القاتمة التي اتّسم بها عهد طالبان"، مضيفة أن "متمردي طالبان لا يزالون نفسهم، لم يتغيّروا. كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تبقى على الأقل لسنة أو سنتين إضافيتين".

تبدأ الولايات المتحدة رسمياً السبت سحب آخر جنودها من أفغانستان في عملية سيُشكل انتهاؤها خاتمة حرب استمرّت عشرين عاماً بالنسبة لواشنطن، لكن ستبدأ بعدها فترة انعدام يقين كبير في بلد يرزح تحت السيطرة المتزايدة لحركة طالبان.

ويقول مسؤولون أميركيون في أفغانستان إن عملية الانسحاب جارية أصلاً، مشيرين إلى أن تاريخ الأول من مايو/أيار رمزيّ قبل كل شيء. وكان هذا التاريخ يمثّل الموعد النهائي لانسحاب القوات الأميركية الذي حدّدته الإدارة الأميركية السابقة برئاسة دونالد ترامب طبقاً للاتفاق الموقع مع طالبان في فبراير/شباط 2020 في الدوحة.

في الأيام الأخيرة، كانت سماء كابول، وقاعدة باغرام الجوية المجاورة، ممتلئة أكثر من المعتاد بالمروحيات الأميركية تحضيراً لهذا الرحيل الكبير الذي سيستكمل بحلول 11 سبتمبر/أيلول، موعد الذكرى العشرين لهجمات 2001.

ويرى محللون أن الخطوة الخاطئة والقرار غير الحكيم لواشنطن بسحب القوات الأميركية من الأراضي الأفغانية، سيؤدي إلى سيطرة طالبان وحلفائها مثل القاعدة على البلاد مرة أخرى.

وقال الكاتب البريطاني كون كوفلن في تقرير نشره معهد جيتستون الأمريكي، إن هذا هو بالتأكيد ما خرجت به قيادة طالبان من قرار إدارة بايدن، حيث أنه في غضون ساعات من ظهور بايدن على التلفاز ليعلن الانسحاب، أعلنت طالبان انتصارها في الحرب الأهلية التي دارت رحاها في البلاد لفترة طويلة، معتبرا أن القرار الأميركي "خيانة من واشنطن لأفغانستان واستسلام للإرهاب".

وذكر تقرير رقابي حكومي أميركي نشر الجمعة أنه على الرغم من محادثات السلام الجارية، الا أن العنف في أفغانستان ازداد خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري.

ووفقا لتقرير المفتش العام الأمريكي الخاص لإعادة إعمار أفغانستان، فإن عدد ما يسمى بالهجمات التي يطلقها العدو- الهجمات التي الجماعات المسلحة مثل طالبان- ارتفع بنسبة 37 بالمئة تقريبًا خلال الفترة الربع الأول من العام الجاري مقارنة بذات الفترة من السنة الماضية.

وبالإضافة إلى ذلك، كانت الخسائر في صفوف قوات الأمن الأفغانية "أعلى بكثير" مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، كما زاد عدد الهجمات الداخلية على قوات الأمن بنسبة 82 بالمئة عن العام الماضي. وذكر التقرير أن هذا أدى إلى سقوط أكثر من ضعف الخسائر في الأرواح جراء الهجمات الداخلية. 

وكانت بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان قد سجلت بالفعل زيادة بنسبة 29 بالمئة في الخسائر المدنية في الأشهر الثلاثة الأولى من العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. 

وبدأ الحلفاء في حلف شمال الأطلسي الخميس سحب وحدات من مهمة "الدعم الحازم" الذي يُفترض أن يحصل بشكل منسّق مع الأميركيين.

وكانت قوات الأمن الأفغانية بحالة تأهب السبت، خشية حصول هجمات ضد القوات الأميركية أثناء انسحابها.

وقال وزير الداخلية بالوكالة حياة الله حياة لقادة الشرطة في وقت متأخر الجمعة، وفق تسجيل صوتي أُرسل إلى الصحافيين، إن "الأميركيين سيبدأون رسمياً انسحابهم اعتباراً من الأول من مايو/أيار وطالبان قد تكثّف العنف".، مضيفا "آمركم بزيادة نقاط التفتيش في المدن وإجراء عمليات تفتيش عند نقاط الوصول".

وأكد الرئيس الأميركي جو بايدن منتصف أبريل/نيسان التطلع إلى سحب 2500 جندي لا يزالون في أفغانستان. وقال إن "الوقت قد حان لإنهاء أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة" معتبراً أن هدف التدخل الذي كان يدور حول منع أفغانستان من أن تُستخدم من جديد كقاعدة لمهاجمة بلاده، تحقق.

أعمال العنف تزداد في أفغانستان بالتزامن مع الانسحاب الأميركي
أعمال العنف تزداد في أفغانستان بالتزامن مع الانسحاب الأميركي

تدخلت الولايات المتحدة في أفغانستان في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ايلول 2001 على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومقر وزارة الدفاع. وسرعان ما اطاحت بنظام طالبان الذي اتهم بإيواء تنظيم القاعدة الجهادي المسؤول عن الاعتداءات وزعيمه الراحل أسامة بن لادن.

وفي أوج انخراط الولايات المتحدة في الحرب خلال عامي 2010-2011، كان هناك حوالى مئة ألف جندي أميركي في البلاد. وقُتل أكثر من ألفي أميركي وعشرات آلاف الأفغان في هذا النزاع.

ومنذ توقيع اتفاق الدوحة، امتنع متمردو طالبان عن مهاجمة القوات الأجنبية بشكل مباشر. إلا أنهم بدوا بلا رحمة مع القوات الحكومية التي لم يتوقفوا عن مهاجمتها في الأرياف مع بثّ الرعب في المدن الكبيرة من خلال تنفيذ هجمات موجّهة.

ويؤكد الرئيس الأفغاني أشرف غني أن القوات الحكومية التي تحارب منذ أشهر عدة بمفردها على الأرض - وأحياناً بدعم جوي أميركي - "قادرة تماماً" على مقاومة المتمردين.

في المقابل قال مسلحو طالبان السبت إن القوات الدولية انتهكت اتفاقا بين طالبان والولايات المتحدة لانسحاب هذه القوات من أفغانستان، مما "فتح المجال" أمام الجماعة للانتقام.

وقالت طالبان في بيان عبر موقع تويتر "بانقضاء مهلة الأول من مايو/أيار المتفق عليها لسحب القوات الأجنبية من أفغانستان، فتح هذا الانتهاك من حيث المبدأ المجال لمجاهدي (إمارة أفغانستان الإسلامية - الاسم الذي تستخدمه طالبان لوصف البلاد) للقيام بكل تصرف مضاد يرونه ملائما ضد القوات المحتلة".

وأضافت الجماعة المسلحة إن مقاتليها سوف ينتظرون الآن قرارا من قيادتهم "في ضوء سيادة البلاد وقيمها ومصالحها العليا." 

ويشير إلى أن الانسحاب الأميركي يعني أن طالبان لم يعد لديها سبب لمواصلة القتال. وقال في خطاب هذا الأسبوع "من تقتلون؟ من تدمّرون؟ انتهت الآن ذريعتكم بأنكم تقتلون الأجانب".

إلا أن رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي أقرّ الأربعاء بعدم تمكنه من استبعاد احتمال حصول فوضى كاملة. وقال "في أسوأ الحالات، ستنهار الحكومة الأفغانية والجيش الأفغاني، وتقع حرب أهلية وكارثة إنسانية مصاحبة لها، مع عودة محتملة للقاعدة".

وأكد عبدالمالك وهو شرطي في ولاية قندهار (جنوب) أحد المعاقل التاريخية لطالبان، أن القوات المسلحة مستعدة. وقال "علينا الدفاع عن وطننا.. سنفعل كل ما بوسعنا للدفاع عن أرضنا".

ويرى الخبير المستقل نيشانك موتواني أن لا شيء يضمن أن متمردي طالبان لن يهاجموا القوات الأميركية أو قوات حلف شمال الأطلسي أثناء انسحابها. وقال إنّ أعمالاً مماثلة سيكون هدفها "تحقير العدو المهزوم وإهانته أكثر".

ويعتبر المحلل في مجموعة الأزمات الدولية أندرو واتكينز أن الأسابيع المقبلة ستتيح للجيش الأفغاني ومتمردي طالبان "التقاتل وتقييم الخصم بدون العامل الإضافي الذي كانت تمثله الولايات المتحدة".

والجمعة تسبب انفجار ضخم بسيارة ملغومة أودى بحياة 30 على الأقل وأسقط عشرات المصابين في إقليم لوجار بشرق أفغانستان، وف مسؤولين أفغان.

وأشار المتحدث باسم حاكم الإقليم إلى أن طلابا في المرحلة الثانوية كانوا بين الضحايا، قائلا إن السيارة الملغومة انفجرت في بولي علم عاصمة الإقليم قرب منزل رئيس مجلس الإقليم السابق.

وقال مسؤول صحي إن أكثر من 60 نقلوا إلى المستشفى، وهو هجوم يعكس مدى خطورة الوضع مستقبلا عقب انسحاب القوات الدولية.