مخاوف من توسع دائرة العنف ضد النساء في الجزائر
الجزائر - لا تزال الأرقام المقدمة من مختلف الجهات الرسمية حول حالات العنف ضد المرأة تفزع الجزائريين، وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة وشاملة، فإن مجموعة من التقارير والدراسات تشير إلى ارتفاع ملحوظ في هذه الجرائم خلال السنوات الأخيرة.
وتقدم بعض التقارير الإعلامية مؤشرات مقلقة حول ارتفاع العنف ضد المرأة في الجزائر، حيث شهدت عدة محافظات جزائرية خلال الأسابيع الأخيرة سلسلة جرائم مروعة راح ضحيتها نساء على أيدي أزواجهن أو أزواجهن السابقين على خلفية قضايا الخلع، مما أثار جدلا واسعا حول الأسباب الكامنة وراء هذا التصاعد في العنف الأسري.
وذكر تقرير لأخبار شمال إفريقيا (أ ش إ) أن دائرة سيدي علي بوسيدي بمحافظة سيدي بلعباس (437 كم غرب العاصمة الجزائرية) شهدت جريمة صادمة كادت تذهب ضحيتها إحدى الزوجات التي نجت بأعجوبة من الموت بعد أن أقدم زوجها على ذبحها بالسكين داخل منزلهما، بسبب رفعها لدعوة خلع ضده.
ويتم تسجيل مقتل امرأة كل أسبوع منذ العام 2019، لأسباب تتصل بموروثات وأعراف اجتماعية كالشرف والعفة، وهو ما يطرح إشكالات تفشي ظاهرة العنف بشكل مطرد ضد الفئات الهشة كالأطفال والنساء، وفق ما كشف عنه ناشطون مدنيون في تقارير سابقة.
وكانت مجموعة "فيمينيسيد الجزائر" (Feminicides Algerie) قد قدمت تقريرا يحصي نحو 315 جريمة قتل للنساء في الجزائر خلال الفترة الممتدة بين 2019 و2024. وقد تنوعت أساليب القتل بين الطعن والضرب والذبح، وغالبًا ما سبقتها سنوات من العنف الأسري.
ولفتت الجمعية إلى أنه ما لا يقل عن امرأة واحدة تُقتل أسبوعيًا في الجزائر منذ عام 2019، مسجلة 43 حالة قتل للنساء حتى ديسمبر/كانون الأول 2024، بزيادة عشر حالات مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023.
ولا تعد جريمة محافظة سيدي بلعباس الأولى من نوعها، إذ أن جريمة مماثلة حدثت قبل أيام فقط، هزت الرأي العام في محافظة البليدة (46 كم جنوب العاصمة)، حيث أقدم رجل على قتل طليقته وهي مديرة ثانوية "مادي" بحي الصفصاف، بطعنها بسكين، قبل أن يخنق ابنتهما البالغة من العمر ثماني سنوات حتى الموت، وفق ما كشفت (أ ش إ) في تقريرها، مشيرة إلى أن محافظة غليزان (300 كم غرب العاصمة) سجلت حادثة مشابهة قبل أسابيع، حيث طعن رجل طليقته حتى الموت بسبب رفعها دعوى خلع ضده.
ولا تقتصر أشكال العنف ضد النساء في الجزائر على القتل، بل تشمل أيضًا العنف الجسدي والنفسي والجنسي، بما في ذلك الاغتصاب والتحرش.
وقالت أمال زقار محللة البرامج بصندوق الأمم المتحدة للسكان بالجزائر إن مشروع دعم الجهود الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء والفتيات، في مرحلته الأولى (2020-2022)، نجح في جمع كل الأطراف المعنية والقطاعات المشاركة في الوقاية والمكافحة والتكفل بالنساء ضحايا العنف من أجل الحوار والتنسيق وتبادل الخبرات.
وجاء تصريح زقار على هامش أشغال ورشة انتظمت الأربعاء الماضي بوهران تتناول الجوانب المتعلقة باستقبال والتكفل النفسي بالنساء ضحايا العنف داخل المؤسسات الصحية، بمشاركة أطباء وأخصائيين نفسانيين من القطاع العمومي بغرب وجنوب غرب البلاد.
وهذه الورشة تهدف إلى تعزيز الاستقبال والتكفل بالنساء المعنفات، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن زقار التي أضافت أن قطاع الصحة يعد نقطة الاتصال الأولى بالنسبة إلى النساء المعنفات، حيث يكون مقدمو خدمات الصحة في الخط الأمامي لضمان التكفل السريري والنفسي.
ومن جهتها، شددت مديرة الاستراتيجيات وبرامج السكان بوزارة الصحة، نصيرة بوخاري، على أن الجزائر تبذل المزيد من الجهود من أجل حماية النساء ضحايا العنف، سواء على الصعيد التشريعي أو المؤسساتي، وكذا مختلف برامج قطاعات متعددة تهدف إلى التكفل بهن، قائلة "نعمل على تحسين الاستقبال والتوجيه والتكفل بالنساء ضحايا العنف على مستوى المؤسسات العمومية من خلال مثل هذه المشاريع".
وأصدر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قرارات لتعزيز آليات التكفل بالنساء ضحايا العنف، إلى جانب إطلاق مصالح الأمن الجزائرية خدمة "ألو شرطة" لتلقي البلاغات عن الاعتداءات، كما أطلقت جمعيات وناشطات نسويات وحقوقيات تطبيقات رقمية مثل "سوروريتي" و"داين" و"جزايرية" لمساعدة النساء في التبليغ عن العنف وتحديد موقعهن لطلب المساعدة الفورية.
ورغم أن الجزائر سنت حزمة قوانين تجرم بعض أشكال العنف ضد المرأة، بما في ذلك العنف المنزلي والتحرش الجنسي، إلا أن الظاهرة تستمرّ في منحىً متزايد عمّا سجل في السنوات الماضية، فالعنف ضد النساء يمثل تحديا كبيرا ويتطلب مزيدا من العمل على المستويات القانونية والاجتماعية والثقافية للحد من هذه الظاهرة وحماية الضحايا.
ومن جانبها، أعلنت وزارة العدل عن تشكيل لجنة لدراسة سبل تعزيز العقوبات على جرائم "الشرف"، بينما طالبت جمعيات نسوية بإدراج "الكراهية على أساس النوع الاجتماعي" كظرف مشدد في قانون العقوبات، في ما تواصل هذه الجرائم إثارة المزيد من الاحتجاج والاستنكار في الأوساط الحقوقية والإعلامية، حيث دعا نشطاء إلى تعديل التشريعات لتعزيز حماية الضحايا، تفعيل خطوط مساعدة نفسية وقانونية عاجلة، وحملات توعية لمواجهة العقلية الذكورية المتطرفة.