مدينة تسبح في فضائها الشياطين

الدوحة كريمة في استقبال من ينشرون الظلامية ويتسلمون أموال هدم بلدانهم.

عباسي مدني مجرم أقام حفلة للقتل الجماعي لأكثر من عشرة سنوات في الجزائر ومات أخيرا في منفاه سعيدا بما فعل وبما انتهى إليه مكرما ومعززا وكان من العدل أن يموت في السجن تعيسا وبائسا، يأكله الندم. ولكن الموت لا يصلح موضوعا للمساءلة أو التشفي. غير أنه من الحق أن لا يموت المجرمون وهم يضحكون.

سبق مدني صاحبه القرضاوي إلى الموت في المدينة التي تأوي الكثير من أشباههما من المجرمين. وهي لعنة أصابت أهل تلك المدينة التي تستعد بتكلف وبانبهار وفخر لاستقبال دوري كأس العالم لعام 2022. وهو تناقض لا يمكن تفكيك أسراره والاحتكام إلى جنون معانيه إلا عن طريق إقامة دوري في صيد الأشباح للجماعات الإرهابية التي انتعشت في المنطقة.

مدينة هي أشبه بكابوس.

أليس من حق أهل تلك المدينة أن يتساءلوا عن الفرضية التي يستقيم من خلالها اللهو والقتل في معادلة عبثية، هدرت من أجلها مئات مليارات الدولارات؟  

أن لا يكون المرء جادا فتلك مسألة تقبل النقاش. ولكن على عاتق السياسي تقع مسؤوليات تفرض عليه أن يكون جادا في كل الحالات. وهو ما يجعلني أشعر بالحيرة وأنا أفكر في ما يفكر فيه أهل تلك المدينة وهم يرون أموالهم تهدر في مجالين. الأول هو بمثابة محاولة عبثية للنفخ في مدينتهم كما لو أنها كانت بالونا والثانية تعبر عن عدوانية مبيتة لكل قيم العيش الإنساني في الحاضر وفي المستقبل.

وفي الحالين فإن الغموض يلف مصير المدينة التي صارت تهرب من أحلام أهلها إلى مواقع، يمكن من خلالها أن يحل الوهم محل الواقع. لا لشيء إلا لأن تلك المدينة قد تحولت إلى مكان تلتقي فيه شركات وضعت نصب أعين العاملين فيها مهمة اللهو بمصائر البشر هدفا لها.

لو أن تلك المدينة كانت كريمة في استقبال سياسيين عرب تقدميين وذوي رؤية تنويرية مثلما استقبلت ظلاميين مثل السوداني حسن الترابي والفلسطيني خالد مشعل وقبلهما المصري يوسف القرضاوي لقلنا أنها نذرت نفسها لإيواء مَن لا تتسع لهم أوطانهم بغض النظر عن أفكارهم. ولكن ما فعلته يكشف عن انحيازها إلى حملة راية التخلف والتشدد الديني ودعاة التكفير وصولا إلى القتل مع عباسي مدني ورموز جماعة الاخوان المسلمين المطلوبين إلى العدالة في مصر.

اما في ما يتعلق بالمجازر المريعة التي شهدتها سوريا عبر ثمان سنوات من الحرب فقد كان صناع تلك المجازر يجولون ويصولون في فنادق تلك المدينة ولا يغادرونها إلا محملين بالأموال التي ساعدتهم على إدارة عمليات القتل والترويع التي تعرض لها السوريون من غير أن يفهموا سببا لكل ذلك الحقد الذي كانوا هدفا له.

أعرف من خلال تجربتي الشخصية أن أهل تلك المدينة لا يضمرون أي نوع من الحقد على أحد وهم مسالمون. وإذا ما كانت رغبتهم في أن تكون مدينتهم دبي ثانية فلأنهم يشعرون بأنهم يملكون من المال ما يؤهلهم للقيام بذلك.

كان ذلك هو حلمهم الوحيد. غير أن ما فعله سياسيوهم سمم أحلامهم ونشر الشياطين في أجواء مدينتهم. ولا أعتقد أن عاقلا منهم يمكن أن يسعد حين يرى ناطحات السحاب من حوله فيما يعرف أن أمواله قد تم التصرف بها من أجل هدم بيوت السوريين على رؤوسهم وتسليمهم إلى مخيمات النزوح والتشرد.

المدينة التي تستعد لاستقبال لقاء عالمي هو رمز الاخوة والتسامح والروح الخلاقة هي في الوقت نفسه مأوى المجرمين وقطاع الطرق والقتلة والإرهابيين. وهو ما يمكن أن يحيط بالشبهات كل ما يمكن أن يصدر عنها. وهو أيضا ما يمكن أن يشكل سببا لهزيمتها بالضربة القاضية بالمفهوم الرياضي.

جثة الإرهابي عباسي مدني لن تكون الأخيرة التي تغادر تلك المدينة. هناك جثث شيطانية كثيرة تنتظر. لقد كُنب على سكان تلك المدينة أن تحيط بهم شياطين الإرهاب من كل جانب.