مذبحة نيوزيلندا.. ومسؤولية التواصل الاجتماعي

بينما يزداد العنف تفشياً ينبغي على شركات التكنولوجيا أن تتعامل مع الأزمة التي ساهمت في خلقها ولهذا يجب عليها أن تجد طرقاً لتكون شركات تتحلى بالمسؤولية علاوة على كونها آلات لتحقيق الأرباح.

بقلم: مارجريت سوليفان

من البداية، اعتمد أولئك الذين دبّروا قتل مصلين في مسجدين في نيوزيلندا على سلبية وعدم كفاءة «فيسبوك» و«يوتيوب» ومنصات أخرى للتواصل الاجتماعي. واعتمدوا على أولويات شركات التكنولوجيا العملاقة هذه التي ركزت على مدى سنوات على تعظيم الأرباح، وليس حماية السلامة أو الآداب. وقد فهموا الأمر جيداً. فبعد عدة ساعات على المذبحة، كان ما زال بالإمكان الوصول بسهولة إلى مقطع فيديو مدته 17 دقيقة – يظهر فيه رجل يرتدي الأسود يطلق النار من بندقية شبه أوتوماتيكية على عشرات المصلين – على «يوتيوب».

زميلي محرر الشؤون التكنولوجية في صحيفة «واشنطن بوست» درو هارو لّخص كارثة وسائل التواصل الاجتماعي بشكل بليغ في تغريدة على «تويتر» إذ قال: «مذبحة نيوزيلاند بُثت مباشرة على «فيسبوك»، وأُعلن عنها على"إنفينيتيشان"، وأعيد نشرها على«يوتيوب»، وعُلق عليها على«ريديت»، وطافت حول العالم حتى قبل أن يصدر عن شركات التكنولوجيا أي رد فعل». ولكن الأمور تزداد سوءاً. فالوحشية التي قتلت 49 شخصاً على الأقل وجرحت عدداً أكبر إنما غُذيت وأُججت وحُرض عليها على وسائل التواصل الاجتماعي – حيث استدعت الدعمَ وألهمت من دون شك عمليات محاكاة مستقبلًا. وفي هذا السياق، نشر أحد المشتبه فيهم بياناً رسمياً يتألف من 74 صفحة يهاجم فيه بشدة المسلمين والمهاجرين موضحاً أنه يتبع مثال أشخاص مثل «ديلان روف»، الذي قتل في 2015 تسعة مرتادي كنيسة سود في مدينة تشارلستون بولاية كارولاينا الجنوبية. وجميعها طافت حول العالم، مثلما كان مخططاً لها.

عندما يتم تحديها بخصوص دورها في تفشي العنف، تميل منصات التواصل الاجتماعي للقول إنه من المستحيل عليها أن تقوم بمراقبة ملايين الفيديوهات والوثائق والتصريحات التي يتم تحميلها أو نشرها في كل ساعة حول العالم. والحقيقة أنها ترد عندما تستطيع، ولكن ذلك كثيراً ما يحدث ببطء شديد وبعد فوات الأوان. وفضلاً عن ذلك، فإنها تشدد على تقديم نفسها ليس باعتبارها شركات إعلامية ذات مسؤولية تحريرية ومسؤولية مراقبة ما ينشر عليها من محتوى، وإنما كمجرد منصات – أي أماكن لملايين المستخدمين ليقوموا بكل ما يريدون تقريباً.

أما حينما تقوم هذه الشركات بمراقبة المحتوى، فإنها تعتمد على موظفين ذوي رواتب وأجور متدنية أو خواريزميات معيبة. وفي الأثناء، تسخّر هذه الشركاتُ نفسُها مواردَ وإمكانيات ضخمة – بما في ذلك الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي – في جهودها الرامية لتعظيم عدد الزيارات وعائدات الإعلانات.

والواقع أن هذه ليست المرة الأولى التي تُنشر فيها أعمال عنف بشكل مباشر. فمنذ إطلاق البث المباشر على «فيسبوك» عام 2015، استُخدمت هذه الخاصية من قبل لبث جرائم قتل واعتداء على الأطفال وغيرها. ولكن المأساة التي وقعت في نيوزيلندا تأخذ هذا الوضع الخطير - وغير المقصود عموماً- إلى مستوى جديد يتطلب تمحيصاً وإصلاحاً كبيرين.

ومما لا شك فيه أن الأمر ينطوي على إشكاليات صعبة، مثل تلك المتعلقة بحرية التعبير والتدفق الحر للمعلومات على الإنترنت. وعلى سبيل المثال، فإن موقع «ريديت» كثيراً ما يكون موقفه هو أن مستخدميه يستحقون أن يعامَلوا كراشدين، وأن يروا ما يريدون رؤيته. وبينما أغلق ممثلوه رابطاً اسمه «شاهد الناس يموتون» يوم الجمعة، حيث علّق بعض المستخدمين على فيديو المذبحة، فإنهم بدوا متأسفين. فمما جاء في منشور لهم: «إن الفيديو يُحذف حالياً من منصات التواصل الاجتماعي الكبيرة، ولكن "ريديت" يؤمن بتركك تقرر بنفسك ما إن كانت ترغب في رؤية الواقع كما هو من دون تدخل. وبغض النظر عما تعتقده، فإن هذه نظرة موضوعية لحادث فظيع مثل هذا».

ولكن أين يقع الحد الفاصل بين الرقابة والمسؤولية؟

الواقع أن هذه مشاكل تعاطت معها شركات الأخبار الكبيرة منذ أن وُجدت – ما هي الصور والفيديوهات التي ينبغي نشرها أو عدم نشرها، وأي مستوى من اللغة النابية يمكن السماح به أو عدم السماح به. بيد أن الحكم التحريري، الذي كثيراً ما يكون معيباً، ليس ممكناً فحسب، بل ضروري. ولا شك أن حجم العالم الرقمي وسرعته يعقّدان ذلك كثيراً، ولكن القول: «لا يمكننا عمل أي شيء» أو «تلك ليست مهمتنا» ليس جواباً مقبولًا.

إن مذبحة الجمعة ينبغي أن ترغم منصات التواصل الاجتماعي الكبرى على أن تكون جدية. وبينما يزداد العنف تفشياً، ينبغي على شركات التكنولوجيا أن تتعامل مع الأزمة التي ساهمت في خلقها. ولهذا، يجب عليها أن تجد طرقاً لتكون شركات تتحلى بالمسؤولية علاوة على كونها آلات لتحقيق الأرباح.

نُشرت في الاتحاد الإماراتية