مراجعات الإسلاميين: العودة إلى التطرف

ثمة تردد في المشروع الإسلامي من أجل إعلان القطيعة مع ماضيه بتبنيه المراجعات النقدية فمرد هذا التردد كما توضح يعود إلى مضاعفات ما بعد الانتماء.

دبي- يناقش مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه «مراجعات الإسلاميين: العودة إلى التطرف» (الكتاب الثاني والخمسون بعد المئة، أغسطس/ آب 2019) مجموع الفرضيات التي ترصد المحدِّدات والسياقات العامة التي فرضت على عدد من القيادات والجماعات الإسلامية، طرح مراجعات تكتيكية، فشلت في نفي العنف. ويتصدى الكتاب للخلاصات المتسرعة؛ التي تظن أن الحركات والجماعات الإسلامية تريد مفارقة خيارات العنف، فعلاً؛ أو مراجعة التوظيف السياسي للإسلام.

سعى الإسلاميون، بعد العام 2001 بشكل محدود، ثم 2011 بشكل أوسع، إلى تلميع صورتهم وإيهام الرأي العام أنهم أصحاب مشروعات حديثة تتماشى مع إيقاع العصر، والناظر في الواقع يجد أنهم استغلوا الاضطرابات السياسية والأمنية لتمرير أجندتهم التي بقيت مدججة بالأيديولوجية الإسلاموية، وأن الحديث عن مراجعات، بالمعنى الإيجابي، تُجرى في السجون أو خارجها، لا تؤثر في القواعد الناظمة، للإيديولوجية العنيفة التي تنفجر حين الحاجة السياسية إلى العنف وإقصاء الآخر.

إذا اعتبرنا أن ثمة تردداً في المشروع الإسلاموي من أجل إعلان القطيعة مع ماضيه بتبنيه «المراجعات النقدية»، فمرد هذا التردد كما توضح – إحدى دراسات الكتاب- يعود إلى مضاعفات ما بعد الانتماء، فمن الصعب على «إسلامي متطرف» أن يتحرر كلياً من السياج الدوغمائي الذي يحيط به، وإذا تمّ ذلك لا يحدث بشكل تلقائي ودون مضاعفات جانبية، فالكثير من الإسلاميين السابقين ومن رموز الجهادية السلفية أصبحوا من دعاة التنوير الإسلامي، لكنهم قد يعودون أدراجهم في إعادة تبني ما خرجوا منه.

سعى الكتاب إلى رصد مسلسل المراجعات التي قام بها « إسلاميون» بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، من أطراف السلفيين الجهاديين، وأظهر «ارتباط مسلك المراجعات بسياقات معينة، وظروف داخلية وخارجية ، جعل من هذا المسلك، مجرد ردة فعل «ظرفية انفعالية»، غايتها احتواء الأزمة وتقديم حلول تبدو متسرعة، وهذا الأمر، لا يساعد على مأسسة وتثبيت خيار المراجعات، كمدخل أساسي واستراتيجي لمحاربة الأفكار والتصورات الدينية الخاطئة التي ينهل منها البعض مجموع معتقداته وأدبياته. إن النقد العميق والجذري لأفكار الماضي وممارساته، لم يقابله على مستوى المراجعات وضع نسق فكري وأيديولوجي جديد منقطع الصلة بالقديم، ليكون هو المحدد للتيارات الدينية في الحاضر والمستقبل».

وإذا يعتبر تنظيم الإخوان المسلمين في مصر «الجماعة الأم» للحركات الإسلامية، فهو منذ تأسيسه عام 1928 لم يجرِ أي قراءات نقدية لقوالبه النظرية، ولا يوجد لذلك استثناء، يخرج من البراغماتية السياسية لبعض منسوبيه.  فتناول الكتاب الأسباب والعوامل التي تمنع «الجماعة» من القيام بتجارب التفكير الجدي باتجاه بناء نسق حزبي وفكري جديد يتوب عن استغلال الرأسمال الديني للمسلمين، وتوظيفه توظيفاً أحادياً للوصول إلى السلطة.

احتفى العديد من دارسي ظاهرة الإسلام السياسي بما أُطلق عليه «مراجعات الجماعة الإسلامية المصرية»، وقد برهنت الأحداث أنها غير قادرة على الانفصال عن الراديكالية وبناء رؤية مغايرة، تتخلى عن العنف الحركي أو معاداة تطور المجتمع والدولة.

عرف المغرب نموذجا متشدداً من الإسلام الحركي، درسه الكتاب، عبر مقولات بعض متشددي الجهادية وحجم تأثيرها وأطرها الأيديولوجية. حاولنا تفحص التحولات التي جرت في الفكر السياسي الشيعي الحركي المعاصر، التي وصلت إلى ذروتها مع الخميني، والتي تندرج في مرجعية حاكمية واحدة فتلتقي مع آراء أبي الأعلى المودودي وسيد قطب الذي يُنظر إليه بإجلال لدى الحركيين الشيعة.

تطرقت دراسة العدد إلى «الخطاب المتشدد في الجزائر» الذي يناوئ خصومه من أرضية سنية مشتركة، باعتبار أن الفضاء السُنّي الجزائري مركب ومتنوع ومنقسم على نفسه إلى أطياف وتوجهات ومرجعيات متنوعة. تضمن الكتاب قراءة وتعقيباً على كتاب «الإسلاميون التقدميون: التفكيك وإعادة التأسيس» لمعرفة المشروع الفكري الذي جاء به هذا النمط من الحركيين دعاة التقدم في تونس وصراعهم مع الإسلام السياسي.

نُشر في صفحة مركز المسبار للدراسات والبحوث

كتاب (152) أغسطس(آب) 2019