'مراود' الإماراتية تضيء على المعارف والفنون التراثية

الدكتور عبدالعزيز المسلّم يناقش أحوال التراث الثقافي في ظل الحروب والدمار الذي يشهده العالم.

صدر حديثا العدد رقم 60 لشهر نوفمبر/تشرين 2023، من مجلة "مراود" الشهرية التي يصدرها معهد الشارقة للتراث، وتهتم بالتراث الإماراتي والعربي والإنساني.    

وتصدّر العدد ملفاً بعنوان: "التراث الثقافي في عصر المخاطر"، كما تضمن العدد مقاربات عدة، ودراسات ورؤى متنوعة، استعرض فيها نخبة من الكتاب الإماراتيين والعرب والأجانب، جوانب قيّمة من عناصر التراث الثقافي بما يشمله من معارف وفنون.

وفي افتتاحية العدد، قال الدكتور عبدالعزيز المسلّم، رئيس معهد الشارقة للتراث ورئيس التحرير، إن تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من التجارب الرائدة في الفضاء العربي، لما تعكسه من أهمية وخصوصية، وتكشف لنا البواكير الأولى للعناية بالتراث والاهتمام به وإحيائه، وزرع قيمه في نفوس الأطفال والنشء، وذلك بفضل جهود القائد الرائد والحكيم، الوالد المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حيث كان التراث حاضرًا في فكره ورؤيته عبر سنوات طوال أمضاها في حفظ التراث وتوثيقه، وتسخير الجهود كافة من أجل النهوض بتلك الغاية النبيلة.

وأشار المسلم إلى ما لإمارة الشارقة جهود واضحة وعلامات بارزة في المحافظ على الترث الثقافي، تجاوزت النطاق الجغرافي الضيق إلى العالم أجمع.

في الآونة الأخيرة شهد العالم الكثير من الكوارث الطبيعية من زلازل وفيضانات اجتاحت مدن العالم وقراها، وخلفت وراءها الكثير من الخراب والدمار الذي طال معالم البلدان ومواقعها التاريخية، ومبانيها التراثية.

وفي كلمته على الصفحة الأخيرة من المجلة، قال الدكتور منّي بونعامة، مدير إدارة المحتوى والنشر بمعهد الشارقة، ومدير التحرير، إنه منذ بداية الوجود الإنساني على هذه البسيطة، بدأ يتفاعل ويتواصل مع بيئته ومحيطه، ومنها عمر مسكنه وشيد حصنه، وبنى معلمه الذي دلل على وجوده وحضوره في الحياة حينًا من الزمن، قبل أن يؤذن له بالرحيل، بيد أن تلك المعالم على أهميتها التاريخية وقيمتها التراثية لم تسلم من عابث يعبث بها تحت أي حجة أو سبب.

وأشار بونعامةإلى أن الكوارث الطبيعية لها أثرها الكبير في الهدم والتدمير، بفعل الزلازل والكوارث التي أودت بعدد من المباني التراثية والمعالم التاريخية في شتى البقاع والأنحاء، وآخرها ما شاهدنا في سوريا والمغرب وأفغانستان وإندونيسيا وغيرها.

ولفت إلى أنه مع ظهور الحركات الظلامية التي انتشرت كالنار في الهشيم في العالم، سخر أصحابها وأتباعها فكرهم، ومدوا نظرهم إلى الهياكل والمجسمات والمباني والمعالم، فانهالوا عليها ضربًا باليمين، فأصبحت كالصريم، ولم تبق لها باقية تذكر، بل أصبحت هشيمًا تذوره الرياح في يوم عاصف، وهذا ما ينسحب بشكل واضح ومباشر في يد الإنسان العابثة الماكرة، التي أحرقت الحرث والنسل في بؤر الخطر ومواطن الفتن في العالم، فهدمت المساجد والكنائس والبيع، والمعالم والآثار المتبقية من القرون الخالية، كما حدث في العراق وسوريا واليمن والسودان ومالي والحبل على الجرار.

وفي ملف العدد: كتب الأستاذ الدكتور مأمون عبدالكريم، رئيس قسم التاريخ والحضارة بجامعة الشارقة عن "التحديات التي تواجه التراث الثقافي خلال الحروب ... سورية نموذجًا بين 2012 – 2017" ذكر أن التراث الثقافي السوري واجه مصاعب وتحديات كبيرة، بسبب الحرب التي تعيشها سورية منذ ربيع 2011 إن تطور العنف بسبب الاشتباكات العسكرية التي شهدتها كثير من المناطق في سورية، سبب تدميرًا كبيرًا لكثير من مكونات التراث الثقافي السوري الغني الذي يعود إلى آلاف السنين.

بسبب هذا العنف أصبحت مناطق واسعة على امتداد الجغرافية السورية مصنفة على أنها مناطق ثقافية منكوبة جراء استفحال جرائم الحفر السري، كما حدث في مواقع مهمة مثل أفاميا في شمالي سورية وموقعي ماري ودورا أوروبس على نهر الفرات، ومدينة تدمر.

وأشار الدكتور مأمون عبدالكريم إلى ضرورة الرؤية المطلوبة لحماية التراث الثقافي أثناء الحروب، وتتلخص في عدة نقاط وهي:

إفراع المتاحف من المقتنيات وتوثيقها، ووضعها في أماكن آمنة، وتركيب أجهزة إنذار في أغلب المتاحف، وزيادة عدد الحراس وتكثيف دوريات المناوبة.

تماسك الموظفين: بقي معظم الموظفين في جميع المحافظات السورية في مناطق كانت لا تزال تحت سيطرة الحكومة أو خارج سيطرتها، وقامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بتشجيعهم على الالتزام بمهمتهم المشتركة وتعزيز شعور التضامن بينهم.

التوعية والتعاون مع المجتمع المحلي: بذل موظفو وكوادر المديرية العامة للآثار والمتاحف جهودًا في إشراك جميع السوريين في حماية تراثهم الثقافي، والتعاون مع أبناء المجتمع المحلي ووسطاء ونخب مجتمعية ودينية وفكرية.

وفي الملف نطالع مقال "المخاطر الطبيعية والبشرية على التراث الثقافي في دول حوض النيل" للأستاذ الدكتور عبدالعزيز صلاح سالم، أكد أن مواقع التراث الثقافي العديد من الأخطار الطبيعية والبشرية التي باتت تهددها، بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية من التغير المناخي والفيضانات والسيول والزلازل التي تتسبب في أضرار بالغة على مواقع التراث الثقافي، تسهم كذلك الانتهاكات البشرية من الحروب والنزاعات المسلحة في تفاقم الأضرار على التراث الثقافي، واستفحالها، والتي تؤدي إلى الأضرار البالغة التي تلحق بهذا التراث الإنساني.

ونبقى في الملف، حيث تكتب فاطمة سلطان المزروعي رئيس قسم الأرشيف الوطني عن "أبو ظبي تواصل دورها الريادي في حماية التراث الثقافي... قلعة الجاهلي والمربعة أنموذجًا حيًا على صون زايد للتراث" أشارت إلى أن التراث من الموضوعات المهمة التي تناولتها الدراسات والبحوث والكتب، التراث قيمنا وعاداتنا وجزء لا يتجزأ من تاريخ أمتنا أن موضوع التراث بقى المزيد من الاهتمام لدى كثير من الأمم والشعوب، خاصة مع التقدم التقني وثورة الاتصالات المستمرة التي جعلت المعلومات سريعة التنقل وتداخلت كثير من المفاهيم والقيم وتنوعت الثقافات، وكأنه يقوم بعملية حماية للثقافات والهوية.

هذا وقد تضمن الملف عددا من الموضوعات الأخرى بينها: "التراث وغضب الطبيعة" للأستاذ الدكتور مصطفى جاد، و"آثار الحرب في التراث الثقافي السوداني والتدابير الواجب اتباعها للحفاظ عليه"، للدكتور أسعد عبدالرحمن، و"الأفراد والمجموعات والجماعات ودورها في صون التراث" لفهد علي المعمري، "جهود الإمارات في حفظ المواقع الأثرية"، لمريم سلطان المزروعي، و"الكارثة الطبيعية وعصور ما قبل التاريخ.. رؤية وتطلعات للمستقبل" للولوة المنصوري، و"الموسيقا في زمن الكوارث ... الحرب نموذجًا" لعلي العبدان، و"المكتبات العامة وحفظ التراث" لدكتور فهد حسين، "التراث.. بين غضب الطبيعة وجرائم البشر" لدكتور محمد شحاتة العمدة، "التراث ... في زمن المخاطر والكوارث الطبيعية" لصبحة بغورة، "الكوارث الطبيعية.. في ذاكرة لا تنسى" لمحمد نجيب قدورة، و"الحدوتة والحكاية الشعبية.. في مقاومة الفناء" لإيهاب الملاح، و"التراث الثقافي في العراق.. إرث حضاري في مهب الريح" لسارة إبراهيم.

وفي كتاب العدد "التراث العالمي المهدد" كتاب يكشف معاناة المعالم الأثرية في سوريا.

فنون شعبية

وفي موضوعات العدد: يضيئ علي العشر خبير التراث الفني بمعهد الشارقة للتراث، على فن المخولفي، وهو من الفنون التي تندرج ضمن الفنون المصاحبة لفن الفجري، وهو من الفنون الترفيهية التي غالبًا ما تغني خارج السفينة، أي في البر وليس في البحر، حيث إنه من فنون السمر، ويصاحب هذا الفن من الإيقاعات طبل لاعوب بحريني وعدد ثلاث أو أربع إيحال؛ أي جرة ماء وعدد أثنين مرواس وزوج طوس ومجموعة من المغنين يراوح عددهم بين عشرين وخمسة وعشرين شخصًا، ومن بينهم شخص يسمى النهام، يبدأ المغنون بشطرين أو ثلاثة أشطر من أغنية هذا الفن، ثم يدخل عليهم النهام بنغماته الجميلة حتى نهاية الفصل.

بحسب "العشر" فقد سمى بفن المخولفي لأنه يخالف جميع الفنون الترفيهية من حيث إن جميع الفنون الترفيهية يكون فيها أجرحان قبل الغناء، ومعنى أجرحان أن يقوم النهام بنهمات ملحنة على حسب الفن المقام، وذلك قبل البدء بغناء الفن، لكن في الفن المخولفي لا يوجد أمامه أي أجرحان، حيث تبدأ المجموعة مباشرة بالغناء.

وفي العدد أيضا، يكتب لنا محمد عبدالله نور الدين عن "حمد بن عبدالله العويس.. شاعر البحث والإحياء" حفظ الشاعر ونقله، فقد عاصر بداية القرن العشرين، وتشرب من النصوص الشعرية بنكهتها الأصيلة حتى تفجرت قريحته ليصبح شاعرًا مميزًا، له كثير من القصائد الوجدانية التي نشرت في الصحف في الثمانينات، بالإضافة إلى قصائد أخرى يشاكيه بها الشعراء، فيبادلهم الردود الشعرية.

هو حمد بن عبدالله بن سلطان العويس الشامسي من موالدي منطقة الحيرة بالشارقة، نحو عام 1914.

وضمن موضوعات العدد أيضا، نقرأ لطلال سعد الرميضي "فلسطين في الشعر الكويتي"، و"طفيلي مختلف" لسعيد يقطين، و"شجرة الكون ... كتاب الكلمة بلسان الباطن" لخالد عمر بن ققة، "أثواب ونمارق وزرابي مبثوثة" لعائشة مصبح العاجل.

ونطالع موضوع "معرض الشارقة الدولي للكتاب.. شاهد على ترسيخ الشيخ سلطان بن محمد القاسمي لمكانة الشارقة في التاريخ الثقافي" لدكتور خالد بن محمد مبارك القاسمي.

كما نقرأ بالعدد عدد من الموضوعات المتنوعة منها: "ثقافة الحرب.. عند هنود أميركا" لدكتور خليل السعداني، "الزمن الجميل لمدرسة المهلب والخليل (خورفكان) لمحمد راشد النقبي، "القلافة.. مهنة البحر" لسارة إبراهيم، "السدو العربي.. وتؤامه الحنبل المغاربي" الزبير مهداد، "حج عاهل إمبراطورية مالي.. السلطان منسا موسى" لدكتور أحمد الشكري، ومجموعة أخرى من الموضوعات المتنوعة التي تدور في فلك التراث الإماراتي والعربي والإنساني.

يُذكر أن "مراود" هي مجلة معنية بالتراث الإماراتي والعربي والعالمي، ويرأس تحريرها الدكتور عبد العزيز المسلّم، رئيس معهد الشارقة للتراث، ومستشار التحرير ماجد بوشليبي، الخبير الثقافي بمعهد الشارقة للتراث، ومدير التحرير الدكتور منَي بونعامة، مدير إدارة المحتوي والنشر بمعهد الشارقة للتراث، ويتكون مجلس التحرير من: على العبدان، وعتيج القبيسي، وعائشة الشامسي، وسارة إبراهيم، وسكرتير التحرير أحمد الشناوي، كما تضم هيئة التحرير منير حمود وبسام الفحل للإخراج الفني والمراجعة اللغوية، وتصدر المجلة شهريا عن معهد الشارقة للتراث.