مرتزقة تركيا المتشددون يفجرون صراعا بين ميليشيات طرابلس

قائدان في ميليشيات ليبية تقاتل في صفوف حكومة الوفاق يؤكدان أن عدد المقاتلين الأجانب الذين أرسلتهم تركيا إلى طرابلس أكثر من 4 آلاف مقاتل وأن العشرات منهم ينتمون لداعش والقاعدة.

أنقرة/طرابلس - أكد تقرير لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية اليوم الأربعاء، عن إرسال تركيا مقاتلين من تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي والقاعدة إلى ليبيا للقتال في العاصمة طرابلس نيابة عن حكومة الوفاق والميليشيات التابعة لها، بعد فشل المرتزقة الذين جندتهم وأرسلتهم إلى هناك منذ أسابيع للمساعدة في صد قوات الجيش الليبي.

وأفاد قائدان في ميليشيات ليبية لوكالة "أسوشيتد برس" بأن تركيا ترسل حاليا مقاتلين سوريين تابعين لجماعات مسلحة مثل تنظيمي القاعدة وداعش للقتال نيابة عن حكومة الوفاق الليبية.

ونقلت الوكالة عن القائدين اللذين رفضا الكشف عن هويتهما تأكيدهما، أن تركيا أرسلت أكثر من 4 آلاف مقاتل أجنبي إلى طرابلس، وأن العشرات منهم "يتبنون أفكارا متطرفة".

وأكد المصدران للوكالة الأميركية أن انقساما حصل داخل الميليشيات الليبية حول قبول المتطرفين الذين أرسلتهم تركيا في صفوفها من عدمه، حيث يرى البعض أن خلفية المقاتلين ليست مهمة "بما أنهم جاؤوا للمساعدة في الدفاع عن العاصمة"، فيما يرى آخرون أن المقاتلين القادمين سيشوهون صورة حكومة الوفاق التي تروج لنفسها أنها لاتزال تحظى بالشرعية الدولية.

وتدعم تركيا إلى جانب حليفتها قطر حكومة الوفاق التي يرأسها فايز السراج عسكريا وسياسيا، في ظل الصعوبات التي تعاني منها إزاء تقدم قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر باتجاه تحرير العاصمة طرابلس من الميليشيات والإرهابيين.

ودانت الأمم المتحدة في وقت سابق تدفق السلاح والمقاتلين الأجانب إلى ليبيا، غير أنها لم تعلق بشكل مباشر على تقارير واتهامات تفيد بأن تركيا ترسل مقاتلين مرتبطين بداعش والقاعدة للعمل كمرتزقة في ليبيا، حيث اكتفى المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة بالتنديد بالانتهاكات المستمرة للالتزامات التي أعلنها المجتمع الدولي في مؤتمر برلين في 19 يناير/كانون الثاني بهدف وقف التدخلات وتسليم الأسلحة لطرفي النزاع.

وأمس الثلاثاء، أعلن سلامة عن موافق ممثلي أطراف النزاع الذين اجتمعوا في جنيف لمباشرة مفاوضات غير مباشرة، على مبدأ تحويل الهدنة الهشة إلى وقف دائم لإطلاق النار.

في المقابل أرسل مجلس النواب الليبي خطابا إلى سلامة حدد فيه 5 شروط للمشاركة في حوار جنيف القادم الذي كان مقررا في 28 يناير/كانون الثاني لكنه لم يلتئم بسبب عدم مشاركة ممثلي حفتر.

ولا تسيطر حكومة السراج سوى على منطقة محدودة في غرب ليبيا، بما في ذلك العاصمة طرابلس، وقد فشلت في الصمود أمام إصرار قوات حفتر على استعادة الأمن ووضع حد للفوضى التي تنشرها الميليشيات والجماعات الإسلامية المتطرفة التي أصبحت تسيطر على حكومة الوفاق بقوة السلاح.

أسلحة تركية لقتل الليبين
أسلحة تركية لقتل الليبين 

ولمنع سقوطها استنجد السراج بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في نوفمبر الماضي، حيث وقعا اتفاقيتين أمنيتين أثارتا جدلا ورفضا ليبيا وإقليميا ودوليا، في خطوة مهدت لتركيا إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا بعد أن أقر البرلمان التركي ذلك.

ولم يكتفي أردوغان بإرسال بعض المستشارين العسكريين الأتراك والأسلحة إلى ليبيا، بل جندت أنقرة منذ أسابيع مقاتلين من الفصائل السورية الموالين لها وأرسلتهم في رحلات سرية إلى طرابلس عبر مطار إسطنبول.

وقال قادة ميليشيا ليبية في طرابلس لأسوشيتيد برس إن تركيا جلبت أكثر من 4000 مقاتل أجنبي إلى العاصمة الليبية، وإن "العشرات" من العناصر المتطرفة.

ولأردوغان تاريخ أسود مع الإرهابيين، حيث استعان من قبل بمقاتلين متطرفين سبق لهم القتال في صفوف تنظيم القاعدة وداعش خلال الحرب في سوريا، حيث تم الترويج لهم على أساس "معارضة سورية مسلحة"، لتبرير التدخل التركي في الأراضي السورية ثم استعان بهم في عملياته العسكرية ضد الأكراد شمال البلاد.

ومعظم هذه الفصائل التي تقاتل في سوريا موالية لأنقرة، وقد استُخدم ما يسمى بـ"الجيش الوطني السوري" وهو تحالف مختلط شكلته تركيا من عدة فصائل قاتلت قوات الجيش السوري النظامي، كـ"قوات مهاجمة" العام الماضي في هجوم تركيا على القوات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة في شمال سوريا.

ووثقت منظمات دولية فضاعات ارتكبها هؤولاء المقاتلين ضد الجماعات الكردية والمدنيين السوريين.

ودربت تركيا ومولت مقاتلي تلك الفصائل المسلحة في سوريا منذ بداية الحرب فيها، كما خففت القيود عند حدودها لتسهل انضمام المقاتلين الأجانب إلى داعش، ومع سيطرة قوات الأسد على آخر معاقل "المعارضة" في آدلب وحلب، بدأت أنقرة في الأشهر الأخيرة نقل المئات منهم إلى مسرح حرب جديد في ليبيا.

وفي مقابلة تلفزيونية الشهر الماضي، قال أردوغان "كقوة قتالية، سيكون لدينا فريق مختلف في ليبيا. لن يكونوا من جنودنا. هذه الفرق والقوات القتالية المختلفة ستعمل معا، لكن جنودنا رفيعي المستوى سيقومون بدور تنسيقي “، دون الخوض في تفاصيل.

وانتشرت تقارير عديدة في الأسابيع الماضية بشأن إرسال مقاتلين سوريين تدعمهم تركيا إلى ليبيا، أكدتها مقاطع فيديو نُشرت على الإنترنت يظهر فيها سوريون بطرابلس في مدرعات وبالسلاح.

وفي أحد المقاطع المصورة يظهر رجلا يتحدث باللهجة السورية في أحد أحياء طرابلس رفقة مقاتلين، قائلا “ليبيا ترحب بكم".

وأظهر مقطع آخر تم تداوله بشكل مكثف على مواقع التواصل الاجتماعي، طائرة مكتظة بالمقاتلين بعضهم كان يتحدث اللهجة السورية والبعض الآخر حرص على تغطية ملامحه أمام المصور.

وأكدت قوات الجيش الوطني الليبي في الأيام الأخيرة القبض على مجموعات من هؤولاء المرتزقة في ليبيا ونشرت فيديوهات لعملية الأسر، بعد أن كانت قد حذرت مرارا من الأسلحة التركية التي تمت مصادرتها أو دمرتها. 

وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان أول من حذر وكشف تلك الرحلات السرية التي تؤمنها الحكومة التركية عبر مطاراتها لنقل المرتزقة إلى ليبيا.

وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمن، إن "ما لا يقل عن 130 من مقاتلي تنظيمي داعش والقاعدة من بين ما يقرب من 4700 مرتزق سوري تدعمهم تركيا، أرسلوا للقتال في صفوف حكومة الوفاق الليبية".

ونقل المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مقاتل سوري، من محافظة إدلب تقدم بطلب للسفر إلى ليبيا، قوله إن الإغراءات المالية التي تقدمها تركيا كانت الدافع وراءه طلبه السفر إلى ليبيا.

وأفادت تقارير عديدة بأن أنقرة قدمت وعودا مادية مغرية إلى جانب الجنسية التركية أو تسهيل السفر إلى أوروبا لتشجيع المقاتلين السوريين على السفر إلى ليبيا والقتال إلى جانب حكومة السراج.

وقال عبدالرحمن في تصريح سابق إن "قسمًا من المقاتلين المنضمين ضمن الفصائل الموالية لتركيا، ممن توجهوا إلى ليبيا في إطار عملية نقل المرتزقة إلى هناك من قبل تركيا (...) وهربوا من الأراضي الليبية باتجاه إيطاليا، حيث إن ما لا يقل عن 17 منهم وصلوا إلى إيطاليا بالفعل".

وأضاف أنه "وفقًا لذويهم ومقربين منهم فإن الذين خرجوا عمدوا منذ البداية إلى اتخاذ هذا الطريق جسرًا للعبور إلى إيطاليا، فما إن وصلوا إلى هناك حتى تخلوا عن سلاحهم وتوجهوا إلى إيطاليا".

وقال نيكولاس هيراس، الباحث في مركز الأمن الأميركي الجديد بواشنطن، لأسوشيتد برس إن تركيا تركز على ليبيا لتأسيس منطقة نفوذ في البحر المتوسط.

وأضاف “لكن رغبة الأتراك بعدم المجازفة بوقوع خسائر كبيرة في صفوف قواتهم، دفعت الجيش التركي لإنشاء قوة بالوكالة من المقاتلين السوريين يمكن أن تدعم ميليشيات حكومة الوفاق".