مرتزقة تركيا يستغيثون في ليبيا وأردوغان خارج نطاق التغطية

المرصد السوري لحقوق الإنسان يؤكد مقتل 9 مقاتلين من الفصائل السورية الموالية لتركيا خلال اشتباكات مع قوات الجيش الوطني الليبي لترتفع حصيلة القتلى في صفوف مرتزقة أردوغان المرسلين لليبيا إلى 165.

طرابلس ـ تواصل تركيا تكبد خسائر فادحة في البلدان التي تدخلت فيها عسكريا سواء بجنودها أو عبر مرتزقة ترسلهم للقتال دعما مصالحها، في وقت يواجه فيه الرئيس رجب طيب أردوغان انتقادات حادة بسبب سياسته الفاشلة في انقاذ اقتصاد البلاد ومنع انتشار فيروس كورونا المستجد، حيث يطالبه الأتراك باستغلال طاقة الجيش لحماية مصالح تركيا في الداخل قبل الخارج على غرار عدة دول أخرى.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان اليوم الأحد إنه وثق مقتل 9 مقاتلين من الفصائل السورية الموالية لتركيا خلال اشتباكات مع قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر على محاور متفرقة من الأراضي الليبية، لترتفع حصيلة القتلى في صفوف تلك الفصائل التي أرسلها أردوغان لليبيا إلى 165 مقاتل.

وأشار المرصد أن القتلى ينتمون إلى فصائل “لواء المعتصم وفرقة السلطان مراد ولواء صقور الشمال والحمزات وسليمان شاه”، وقد قتلوا خلال الاشتباكات على محاور حي صلاح الدين جنوب طرابلس، ومحور الرملة قرب مطار طرابلس ومحور مشروع الهضبة، بالإضافة لمعارك مصراتة ومناطق أخرى في ليبيا.

يأتي ذلك في وقت تصاعدت فيه حدة الاستياء في صفوف المقاتلين الذين جندتهم أنقرة للقتال إلى جانب حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج وحرصت على إرسالهم إلى ليبيا عبر رحلات جوية سرية من مطار إسطنبول نحو العاصمة الليبية على مر الأشهر الثلاثة الماضية.

وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الواقع المزري الذي وجده هؤولاء المرتزقة في ليبيا خلافا ما وعدتهم به تركيا جعلهم يعبرون عن استيائهم مهددين بالعودة إلى شمال سوريا.

وأوضح المرصد في وقت سابق إن تركيا تخلفت عن الإيفاء بوعودها من دفع رواب المقاتلين السوريين الذين أرسلتهم إلى ليبيا والمقدرة بـ 2000 دولار أميركي شهرياً.

وأظهر تسجيل صوتي تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي لأحد المقاتلين الذين أرسلتهم أنقرة إلى طرابلس، وهو يتحدث عن ندم الجميع من القدوم إلى ليبيا وبأنهم تورطوا بذلك، داعين الراغبين باللحاق بهم أن يتراجعوا عن قرارهم لأن "الوضع ليس جيد إطلاقاً، فالأتراك تخلفوا عن دفع مستحقات المقاتلين البالغة 2000 دولار أميركي للشهر الواحد".  

وقال المقاتل الذي ظهر في الفيديو إن "تركيا دفعت راتب شهر واحد فقط ثم لم تقدم لنا أي شيء، نقيم في المنزل وحتى السجائر لا نحصل عليها في غالب الأوقات، لا نستطيع الخروج من المنزل لأن المنطقة ممتلئة بخلايا تابعة لقوات حفتر".

ويضيف "جميعنا يريد العودة إلى سوريا وهناك دفعات تتحضر بالعودة عبر فيلق الشام".

تر
الواقع يختلف عن وعود أردوغان

ويعكس هذا الاستياء الورطة التي وجد أردوغان نفسه فيها مع تزايد تداعيات أزمة انتشار فيروس كورونا حول العالم وخاصة في تركيا التي تزداد المخاوف من خروج الوباء فيها عن السيطرة في ظل عجز الجيش عن المساعدة في مكافحة تفشيه أكثر بسبب بقاء عدد كبير من الجنود خارج الحدود.

وبالإضافة إلى مشاركة الجنود الأتراك في حروب سوريا وشمال العراق وتمركز آخرون في قواعد عسكرية في كل من قطر والصومال، ورط أردوغان جنود بلاده في ليبيا عندما قرر التدخل عسكريا على أراضيها في يناير الماضي وبشكل مباشر ليؤجج الصراع أكثر.

كما عقد الأزمة في البلاد التي تعاني من ويلات الحرب والفوضى منذ 2011 عبر إرسال مرتزقة قال الجيش الوطني الليبي مؤخرا إنهم كانوا سببا في انتقال عدوى فيروس كورونا في قاعدة معيتيقة قرب طرابلس.

ويأتي هذا التململ في صفوف المرتزقة في وقت يجد فيه حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا صعوبة في إدارة أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد داخل البلاد بعد أن بلغت حصيلة المصابين به نحو 24 ألف حالة فيما توفي 501 شخص.

ورغم هذا الانتشار الواسع للوباء في البلاد بقيت حكومة أردوغان تطمئن الأتراك بأنّ الأوضاع تحت السيطرة، وهو ما دفع الأصوات المعارضة لانتقاده والمطالبة بعودة الجنود الأتراك للبلاد.

وطالب أكرم إمام أوغلو عمدة إسطنبول، المدينة الأكثر مُعاناة من الوباء، فرض العزل التام في كامل البلاد واستدعاء الجيش للمُشاركة في مكافحة الوباء وفرض الحظر على المواطنين على غرار بلدان العالم.

ويعيش العالم اليوم تحت رحمة الفيروس المستجد الذي شلّ التجارة العالمية وأجبر نصف سكان العالم على ملازمة منازلهم، ويبدو هذا الوباء قادرا على إعادة هيكلة العلاقات الدولية وحتى تهديد حكومات.

وفيما تسارع البلدان الغربية إلى سحب جيوشها من مناطق الحروب والعودة للتعبئة التي فرضها فيروس كورونا والمساعدة في الحد من انتشاره، لا يبدو الرئيس التركي مستعد لإعلان هزيمته سريعا في ليبيا حتى لو كلفه الأمر التخلي عن المقاتلين الذين أرسلهم خدمة لمصالحه هناك.

ولا ينذر تضرّر الدول الغربية بشدّة من الوباء المستجد فقط بتغيير وجهة مواردها العسكرية بعيداً عن الصراعات الأجنبية، بل أيضاً بالتوقف عن ممارستها دور الوسيط في محادثات السلام، وهو ما يرجح كفة الجيش الوطني الليبي الذي نجح في الأسابيع القليلة الماضية في استعادة مناطق استراتيجية حول طرابلس بينما أضعفت حرب الاستنزاف حكومة الوفاق وميليشياتها.

والجمعة، أعلن الجيش الوطني الليبي عن صد هجوم نفذه مرتزقة سوريون على مناطق تمركز قواته في مدينة عين زارة جنوب شرق العاصمة.

وقال عضو مكتب الإعلام بـ"قوة عمليات أجدابيا" التابعة لقوات الجيش عقيلة الصابر في بيان أن "الحشد المليشياوي المدعوم من تركيا والمرتزقة السوريين حاول مهاجمة تمركزاتنا المتقدمة بغية استرجاع ما فقده في اليومين الماضيين ولكن... قوة عمليات أجدابيا كانت عين صقر في المكان وكبدت العدو خسائر في الأرواح مع إصابة أحد قادتهم، ويدعي محمد نصر، سوري الجنسية، وذلك من خلال سماع أصواتهم وهم يطلبون النجدة عبر أحد اللاسلكيات".

وأوضح أن "القوة المهاجمة اليوم كانت من السوريين بالكامل"، مشيرا إلى أن العملية انتهت بتكبيدهم "خسائر كبيرة في صفوفهم والسيطرة على مواقع أخرى جديدة كانت لهم".

ودعت الأمم المتحدة قبل نحو أسبوعين إلى وقف لإطلاق النار في دول تشهد نزاعات، للمساعدة في التصدي لكوفيد-19، إلا أن أمينها العام أنطونيو غوتيريش نبّه الجمعة إلى أن "الأسوأ لم يأت بعد"، فيما لا يزال تأثير الوباء غير واضح على النزاعات في سوريا وليبيا.

ونقل تقرير عن مجموعة الأزمات الدولية أن مسؤولين أوروبيين أفادوا أن الجهود المبذولة لضمان وقف إطلاق النار في ليبيا لم تعد تحظى باهتمام رفيع المستوى بسبب الوباء.

ولا يستبعد الباحث الفرنسي فابريس بالانش احتمال أن يحدّ الانسحاب الغربي المتسارع من الصراعات المختلفة في المنطقة من الدعم التركي لحكومة الوفاق ومن شأن ذلك أن يصبّ بالدرجة الأولى في مصلحة الجيش الوطني الليبي.