مرحلة اللاعودة في إيران: عنف الأمن مرآة لذعر نظام الملالي

الجمهورية الإسلامية الإيرانية إزدادت وحشية بعد توقيع الاتفاق النووي كان هناك ارتفاع ثابت في القمع الذي تقرّه الدولة ضد المجتمع على كل المستويات وما اعتقال الناشطين البيئيين إلا مثال على ذلك.

بقلم: نادر هاشمي

تمثّلت أكبر الاختلافات بين الاحتجاجات (2009/2019) في المجالات التالية: الطبقة الاقتصادية والجغرافية والأيديولوجيا. في عام 2009، كان معظم المحتجين من الطبقة الوسطى، وقد حدثت في المدن الكبرى وكانت أيديولوجياً مرتبطة بعملية الإصلاح السياسي وتساند السياسين الإصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي. وعلى النقيض من ذلك، اجتذبت الاحتجاجات في عامي 2017 - 2018 ومؤخراً في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 مشاركة من الطبقات الاقتصادية الدنيا، من شباب عاملين في بلدات ومدن صغيرة من دون أي انتماء سياسي أو قيادة معروفة.

يتمثّل الاختلاف في الشكل الذي اتخذتّه الاحتجاجات. ففي عام 2009، كانت الاحتجاجات غير عنيفة إلى حد كبير، بينما في 2017 - 2018 و2019 تضمّنت الاحتجاجات اعتداءات على بنوك، وحرق مبانٍ حكومية ومحطات وقود، إلا أنه ينبغي الإشارة بوضوح أنه في عام 2019 كانت معظم أعمال العنف من جانب قوات الأمن. كما هُوجِمت العديد من الاحتجاجت الثورية من قبل الشرطة ومسؤولين بملابس مدنية على صلة بالحرس الثوري الإيراني. وتوجد أدلة موثوقة على التدمير المتعمّد للممتلكات من قبل قوات الأمن بهدف تشويه سمعة المحتجين. يبدو هذا منطقياً بالنسبة لي. فحين يتعلق الأمر ببقاء النظام، لا تتقيد الجمهوريةُ الإسلاميةُ إلا بعددٍ قليلٍ جداً من الحدود الأخلاقية.

أما فيما يتعلق بأعداد المحتجين، فقد صرّح عمدة طهران أنه في واحدة من الاحتجاجات الكبيرة في 15 حزيران/يونيو من عام 2009، تواجد في الشارع ثلاثة مليون محتج. بينما ذكر يد الله جواني، من كبار القادة في الحرس الثوري الإيراني، أنه في احتجاجات 2019، شهدت 29 من أصل 31 محافظة في إيران مظاهرات. كما قدّر وزير الداخلية عدد المشاركين في المظاهرات التي جرت في أنحاء البلد بـ 200 ألف. بيد أنني أظن أن العدد أكبر بكثير.

 الأمل الكبير السابق للحركة الخضراء في إيران: مير حسين موسوي، سياسي تحت الإقامة الجبرية ومرشح رئاسي سابق، حذّر القيادة الإيرانية من ثورة جديدة. حالة إيران 2019 تشبه تلك التي أدّت إلى الثورة الإسلامية في عام 1979، كما كتب الرئيس الصوري للحركة الخضراء. ووفقاً لما ذكره موسوي في رسالة، فإن القتلة قبل عام 1979، كانوا ممثّلين لنظام غير ديني، أما اليوم فهم ممثّلون لحكومة دينية.

 يبدو التكوين الطبقي المتغيّر وشعارات المحتجين الأكثر راديكالية منطقية بالنسبة لي. فقد ازداد، خلال السنوات العشر الماضية، مستوى الفقر واللامساواة في إيران. كما ازداد النظام السياسي تَسَلُّطاً وشُوِّهت مصداقية السياسيين الإصلاحيين بسبب عجزهم عن إحداث تغيير مهم.

ازدادت الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحشية وعنفاً في السنوات الأخيرة. وبعد توقيع الاتفاق النووي، كان هناك ارتفاع ثابت في القمع الذي تقرّه الدولة ضد المجتمع على كل المستويات. وما اعتقال ومقاضاة الناشطين البيئيين، إلا خير مثال على ذلك. إنه انعكاس لأزمة شرعية داخلية عميقة تواجه الجمهورية الإسلامية. يعرف المتشدّدون الإيرانيون أنهم لا يتمتعون بدعم الأغلبية وأنه في حال وجود انتخابات حرّة ونزيهة، فمن المرجح أن يفوز بالانتخابات المرشحون الذين يعارضون السياسة الداخلية والخارجية لعلي خامنئي.

واستخدام القوة المفرطة هي محاولة لإرسال رسالة مفادها أن أي شكل من أشكال المقاومة لا طائل منه وسيؤدي إلى عواقب وخيمة لأولئك الذين يختارون أن يقاوموا. إن ذلك مرآة ليأس النظام.

كما أن الضغط الخارجي هو عامل أيضاً. فقد زادت المحاولاتُ التي قام بها كبار أعضاء إدارة ترامب للترويج لـ"تغيير النظام" في إيران، من جنون الارتياب لدى المتشددين الإيرانيين. ووفقاً للرواية الرسمية للنظام، فإن احتجاجات 2019 نظّمها البيت الأبيض بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية وإسرائيل.

اهتزت الجمهورية الإسلامية بسبب أحداث 2019 في المنطقة. فالاحتجاجات الجارية في لبنان والتي تتحدّى سلطة حزب الله هي عامل، بيد أن الأكثر أهمية هو الاحتجاجات الأقرب إلى الوطن، في العراق. فاعتداءات 2019 ضد القنصليتين الإيرانيتين في النجف وكربلاء –في معقل الإسلام الشيعي- مقرونة بمطالب معظم المحتجين العراقيين (وهم شيعة) بإنهاء النفوذ الإيراني في العراق، ينبغي أن تزيد من خوف وجنون ارتياب كبار قادة إيران.

إن العقد الاجتماعي الذي وُجِد سابقاً في إيران، بين الدولة والمجتمع، قد انهار، ولم يعد النظامُ السياسي الحالي قادراً بعد الآن على تلبية المطالب السياسية والاقتصادية للإيرانيين، والذين هم بغالبهم شباب ويرغبون بمستقبل أفضل فيه الديمقراطية، والتعددية، وحقوق الإنسان والاندماج العالمي. إنهم يرفضون السياسات الثورية للمتشددين الإيرانيين، سواء داخل إيران أو في المنطقة.

أشك في أنه سيكون هناك مشاركة انتخابية أكبر في الانتخابات البرلمانية التالية. أولاً، كما شهدنا في احتجاجات 2019 التي أطلقتها أسعار الغاز الجديدة، فقد كان البرلمان مستبعداً كلياً من عملية صنع القرار.

يساعد هذا في تسليط الضوء على مدى الضعف الذي أصبحت عليه هذه المؤسسة. كما أنه تذكير بمكان وجود السلطة الحقيقية في إيران. ثانياً، لصالح من سيصوتون؟ مجلس صيانة الدستور يفحص جميع المرشحين للتأكد من ولائهم الأيديولوجي، وبالتالي منع المرشحين الأكثر شجاعة والمستقلين من أن يُنتَخبوا.

فقد العديد من الناس الأمل من روحاني وآفاق الإصلاح السياسي. أما تعليقاته حول رفع أسعار الغاز، التي اقتبستَها، فليست هي المشكلة في الواقع. إن المشكلة أعمق من ذلك. لا ننسى أن روحاني قد انتُخِب مرتين على أساس وعود بتحسين مستويات المعيشة وتقديم المزيد من الحريات الداخلية. هل تتذكر ميثاق حقوق المواطنين الخاص به؟ ما الذي حدث له؟ فيما يتعلق بالاقتصاد، تشير كل الأدلة إلى أن الفقر واللامساواة قد زادا بين الإيرانيين العاديين في السنوات الأخيرة. لن تزداد هذه الظروف إلا سوءاً في السنوات التالية.

حاورته: آزادى فتحي

ترجمة: يسرى مرعي

خلاصة مقابلة للباحث الإيراني نادر الهاشمي نُشرت في قنطرة الألمانية