مركز تونسي يعالج السلاحف البحرية ويحميها

المركز يدق ناقوس الخطر أمام تنامي ظاهرة اصطياد هذه الحيوانات البحرية على السواحل التونسية.

صفاقس (تونس) - تثبّت مجموعة ناشطين بيئيين جهاز تعقب بالأقمار الاصطناعية على قوقعة السلحفاة "روز"، قبل إطلاقها في مياه المتوسط، بعد أن أمضت شهرا داخل مركز تونسي فريد من نوعه في منطقة المغرب العربي، حيث يواجه هذا النوع مخاطر مرتبطة بالصيد الجائر والتلوث وتغير المناخ.

علقت "روز" البالغة نحو عشرين عاما، في شباك أحد الصيادين قبل أكثر من شهر، ونُقلت إلى مركز "الإسعافات الأولية للسلاحف البحرية" في جامعة العلوم بمحافظة صفاقس (وسط شرق)، وهو أحد مركزين وحيدين في شمال أفريقيا (مع آخر في مدينة المنستير في شرق تونس)، متخصصين في المحافظة على السلاحف من فصيلة "كاريتا كاريتا" ذات الرأس الضخم في البحر المتوسط.

ويتابع المركز المنضوي ضمن برنامج "لايف ميد تورتلز" الممول من الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى رعاية السلاحف المصابة التي يمكنها البقاء في الموقع لشهر أو أكثر، مثل "روز"، حركات هجرتها، ويسعى جاهدا إلى رفع مستوى الوعي بين السكان المحليين في خليج قابس (جنوب شرق)، الذين يعتمدون على صيد الأسماك.

ويدق المركز ناقوس الخطر أمام تنامي ظاهرة اصطياد هذه الحيوانات البحرية على السواحل التونسية، خصوصا في منطقة خليج قابس التي تضم أهم موانئ الصيد البحري في البلاد.

وتمتد السواحل التونسية على طول 1200 كيلومتر، وتنتشر نحو خمسين جزيرة من شمالها إلى جنوبها وتمثل ملاذا لآلاف الأنواع من الطيور المهاجرة.

ويقع ما لا يقل عن 10 آلاف سلحفاة من نوع "كاريتا كاريتا" سنويا في شباك الصيادين في خليج قابس، في مؤشر على الحضور القوي لهذا النوع في المنطقة، رغم الأنشطة الصناعية والكيميائية الكثيفة.

وأظهرت دراسة ميدانية أجراها برنامج "لايف ميد تورتلز" الذي يشمل خمسة بلدان متوسطية (ألبانيا وإيطاليا وإسبانيا وتونس وتركيا)، في خليج قابس أن معدّلات النفوق اختناقا للسلاحف في الشباك مرتفعة جدا وتناهز الـ70 في المئة.

ووفق المشرف على المركز الأستاذ الباحث بكلية العلوم في صفاقس عماد الجريبي، فإنه منذ افتتاح المركز المتخصص في محافظة صفاقس في العام 2021، جرى استقبال ومعالجة نحو ثمانين سلحفاة بحرية من هذا الصنف وإعادة إطلاقها في البحر.

ويوضح الجريبي لوكالة فرانس برس "نجمع عينات للبحث العلمي ونعالج السلاحف لحمايتها. بعدها، نعيدها إلى وسطها الطبيعي"، لافتا إلى أن المركز له ثلاثة أهداف تتمثل في الحماية والبحث والتوعية، كما أنه "مفتوح لكل الفئات من الباحثين والتلاميذ والطلبة".

ويفسر الصيّاد حمادي الداهش (29 عاما) الذي أنقذ السلحفاة "روز" عندما علقت في شباكه مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، أن الناس في المنطقة لم يكونوا يدركون في السابق أهمية هذه السلاحف، وكان "هناك من يأكل لحمها ومن يستعملها في السحر والعلاج، ولكن اليوم وبفضل عمليات التوعية وسط البحارة سيكون لها حظ في العيش والتكاثر".

تعيش السلحفاة منذ الفقس من البيضة، عشرين عاما حتى تصبح بالغة وجاهزة للتزاوج ووضع البيض. ومع طول هذه المدة وتنامي المخاطر على السواحل التونسية، قد لا تتمكن من بلوغ هذه السنّ.

وتعتبر ملاك المورالي (30 عاما) التي اصطحبت طفليها خلال عملية إطلاق "روز" في البحر على شواطئ مدينة صفاقس خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول، أنها استفادت من كمّ المعلومات التي يقدمها الناشطون في المركز، قائلة "عرفت مواعيد وضعها للبيض وفهمت خصوصا أن لحمها مضرّ عكس ما كنا نعتقد".

ولا تقف المخاطر التي تحدق بالسلاحف البحرية عند حد أكل لحمها في السابق فقط، بل تتعدى ذلك لتشمل أوجها أخرى أشد فتكا بها وتمثل تهديدا كبيرا لتراجع أعدادها.

ويمثل خليج قابس نقطة جذب مهمّة لأصناف جمة من الأسماك والأحياء البحرية، وحتى القروش تنعم بوفرة الغذاء. لكن الصورة أشد قتامة على شواطئه، حيث تتركز المناطق الصناعية وبالأخص مصانع تحويل مادة الفوسفات التي تلقي بملايين الأطنان من نفاياتها مباشرة في البحر.

سلاحف

يبيّن الأخصائي الباحث في مجال العلوم البحرية والحفاظ على السلاحف البحرية في المركز حامد ملاّط أن من أهم العوامل التي تهدد هذا الكائن، تلوث مياه البحر وخصوصا انتشار سلال البلاستيك "لأن السلحفاة تلتهم هذه السلال البلاستيكية ويتخيل لها أنها قناديل البحر ما يتسبب في نفوقها".

فضلا عن ذلك، يحول ارتفاع درجات حرارة الرمال خلال فصل الصيف دون الحصول على توازن بين عدد الذكور والإناث التي تفقس.

ويضيف الجريبي أن "التغيرات المناخية لها تأثير واضح، فارتفاع درجات الحرارة يؤثر على البيض وتصبح لدينا إناث أكثر".

إلى ذلك، يؤثر ارتفاع درجات حرارة مياه المتوسط على مسالك هجرة هذه السلاحف الذي تفضل المياه المعتدلة.

وتونس من بين أكثر البلدان المهددة بالتغييرات المناخية، وسجلت الصيف الماضي درجات حرارة غير مسبوقة في بعض المناطق تجاوزت الخمسين درجة مئوية.

ويخلص ملّاط، بينما ترقبه أعين الأطفال الذين جاؤوا لحملة التوعية على شاطئ صفاقس، إلى أن "السلحفاة البحرية مؤشر على سلامة البيئة البحرية، تواجدها بصحة جيدة يعني أن البحر بصحة جيدة".