مرممون مصريون يسابقون الوقت لإعادة بريق توت عنخ آمون

كنز هذا الملك الفرعوني يعد أهم ما في المتحف الكبير المقرر افتتاحه نهاية العام الجاري.

القاهرة - أمضى مرمم الآثار المصري عيد مرتاح في صغره ساعات يتصفح كتب التاريخ ويقرأ عن الملك توت عنخ آمون ويتتبع الرموز الهيروغليفية حالِما بأن يمسك يوما ما بالقناع الذهبي للملك الشاب.

بعد سنوات، وجد مرتاح نفسه ينفض الغبار عن مقصورة توت عنخ آمون المذهبة استعدادا لنقلها إلى المتحف المصري الكبير.

ويقول مرتاح لوكالة فرانس برس "مقتنيات توت عنخ آمون هي التي دفعتني لدراسة الآثار. العمل على تلك المجموعة كان حلم حياتي، وقد تحقق الحلم".

مرتاح هو واحد من بين أكثر من 150 مرمما و100 عالم آثار يعملون منذ أكثر من عشرة أعوام على ترميم آلاف القطع الأثرية المقرر عرضها في المتحف المصري الكبير الذي بدأ العمل فيه العام 2002.

كان من المقرر افتتاح المتحف الضخم الذي بلغت كلفة إنشائه مليار دولار، في الثالث من يوليو/تموز الجاري، إلا أن الموعد أرجئ حتى نهاية العام الحالي بسبب التوترات الإقليمية المرتبطة بالحرب بين إسرائيل وإيران.

ففي يونيو/حزيران الماضي، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في مؤتمر صحافي "في ظل ما يحصل في هذا الوقت في المنطقة… وجدنا أن المناسب هو إرجاء هذه الفعالية الكبيرة ليبقى لها الزخم العالمي المناسب وتكون في أجواء مناسبة"، مشيرا إلى أن "كل القراءات تشير إلى إن الصراع الموجود سيستمر لفترة ولن ينتهي خلال بضعة أيام، وبالتالي ستكون له تداعيات على المنطقة وعلى كل الأحداث المتوقعة".

ولفت مدبولي إلى أن الافتتاح الذي كان مقررا في الثالث من يوليو/تموز "سيتم إرجاؤه للربع الأخير من هذا العام.. تحديد اليوم بالضبط سيكون بناء على المعطيات خلال الفترة القادمة".

وهذه ليست المرة الأولى التي يؤجل فيها تدشين المتحف فقد حصل الإرجاء مرات عدة بسبب الاضطرابات السياسية والأزمات الاقتصادية في مصر وجائحة كوفيد-19.

وعند افتتاحه، يطمح المتحف المَبنيّ أسفل أهرامات الجيزة التي ترتفع خلفه في مشهد مهيب، إلى استقبال خمسة ملايين زائر سنويا.

المتحف المصري الكبير
'أكبر متحف مخصص لحضارة واحدة في العالم'

يضم المتحف أكثر من مئة ألف قطعة أثرية، وقد وصفه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأنه "أكبر متحف مخصص لحضارة واحدة في العالم"، مؤكدا أهميته الثقافية والسياحية.

ويُعد من أهم ما يقدمه المتحف المصري الكبير، بجانب الآثار، "مختبر الترميم الحي"، فخلف جدران زجاجية، سيتابع زوار المتحف على امتداد السنوات الثلاث المقبلة عملية ترميم المركب الشمسي للملك خوفو والذي يعود لأكثر من 4500 سنة، وفقا لمدير المتحف.

ولكن يبقى أهم ما في المتحف المجموعة الذهبية للملك توت عنخ آمون التي تضم خمسة آلاف قطعة أخذت من مقبرته وتُعرض للمرة الأولى معا في صالة واحدة.

وتضم المجموعة تماثيل جنائزية لتوت عنخ آمون وتوابيت مذهبة وتمائم ذهبية وقطعا من الحلي وقفازات من الكتان وعربات احتفالية، إلى جانب جنينين محنطين، يُعتقد أنهما لابنتيه اللتين توفيتا قبل الولادة، وبعض هذه القطع لم يخضع للترميم منذ اكتشفه عالم الآثار البريطاني هاورد كارتر في العام 1922.

قبل أكثر من قرن، اتبع فريق كارتر طرقا للترميم كانت تستهدف الحفاظ على القطع الأثرية، ولكنها بمرور الوقت تسببت في بعض المشكلات.

وتوضح المرممة هند بيومي البالغة 39 عاما لوكالة فرانس برس "إن الطلاء بالشمع الذي استخدموه حافظ على القطع بالصورة التي نراها الآن، ولكنه في الوقت نفسه خفت التفاصيل الأثرية التي من المهم أن يراها الناس".

وأمضت بيومي وفريقها شهورا في إزالة الشمع عن القطع الأثرية في عملية شاقة، ليجدوا أنه قد حبس أوساخا داخل التحف لعقود وخفف من بريق الذهب.

جرت عملية الترميم بجهد مصري-ياباني مشترك، مع مساهمة طوكيو بمبلغ 800 مليون دولار على شكل قروض ودعم فني في عمليات الترميم والنقل وإدارة المتاحف.

ويعمل المرممون المصريون في 19 مختبرا، على قطع أثرية خشبية ومعدنية إلى جانب أوراق البردي والمنسوجات. ومن بين أكثر المهام دقة كان ترميم تابوت توت عنخ آمون الذهبي الذي نقل مباشرة من المقبرة في الأقصر في جنوب مصر.

وفي معمل القطع الخشبية، تستخدم المرممة فاطمة مجدي البالغة 34 عاما، عدسة مكبرة وصورا أرشيفية لإعادة تجميع الرقائق الذهبية الدقيقة على التابوت.

وتقول مجدي لوكالة فرانس برس "الأمر أشبه بالعمل على أحجية ضخمة من الذهب"، مضيفة "شكل الكسر وشكل الكتابات الموجودة، كل هذه التفاصيل تسهم في حل الأحجية".

لكن لتبدأ عملية الترميم، كان يجب جمع كل تلك القطع الأثرية من أماكن مختلفة، مثل المتحف المصري بالتحرير ومتحف الأقصر ومقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك بالأقصر، وبعض هذه القطع مر بعملية ترميم أولية حتى يتسنى نقله من مكانه. وتضمنت عمليات الترميم التوثيق الفوتوغرافي وتحليل الأشعة السينية واختبار المواد لفهم عناصر كل قطعة قبل لمسها.

ويقول مرتاح الذي يعمل في المتحف المصري بالتحرير في القاهرة، "علينا أن نفهم كل قطعة؛ نسبة الذهب والمواد المستخدمة في حماية الأثر وطريقة تركيب الخشب. كل شيء".

ويوضح أنه في كثير من الأحيان، تعالج أكثر القطع هشاشة بالورق الياباني، وهو مادة رقيقة ولكنها قوية تتدخل في طبيعة القطعة الأثرية. كذلك تستخدم مواد لاصقة مثل "بارالويد بي 72" و"كلوسيل ج" ذات التأثير الطفيف على القطع الأثرية ويمكن إزالتهما.

ومن الأفضل أن يكون التدخل في القطع الأثرية محدودا قدر الإمكان، وفق ما يوضح مرمم الآثار محمد مصطفى، قائلا إن "الهدف هو التدخل بأقل قدر ممكن واحترام تاريخ القطعة الأثرية".

ومع السنوات، تحول ترميم الآثار إلى رحلة شخصية لكثير من المرممين، فبالنسبة إلى مصطفى "نحن على علم بالقصة الكاملة وراء كل قطعة ومتحمسون لرؤيتها معروضة ربما أكثر من الزوار"، مضيفا "كل قطعة أثرية ستذكرني بشيء ما، بساعات العمل الطويلة والنقاشات والدورات التدريبية. كل قطعة لها قصتها".