مسألة نظام... وليست مسألة صواريخ!

لا ينبغي الخلط بين رغبة روسيا في الابقاء على صورتها كدولة عظمى قوية وقدرة النظام السوري على البقاء.

زودت روسيا النظام السوري بصواريخ "اس – 300" ام لم تزوده بمثل هذه الصواريخ... ليست تلك المسألة. هذا عائد الى ان مشكلة روسيا في سوريا تكمن في مكان آخر لا علاقة له بالأسلحة والصواريخ، ايّا يكن نوعها ومداها وقدراتها وفعاليتها.

يمثل ردّ الفعل الروسي على اسقاط طائرة نقل روسية بصاروخ سوري استثمارا في عملية لا افق لها. اسم هذه العملية الفاشلة من أساسها هو انقاذ النظام السوري الذي على رأسه بشّار الأسد.

ما يكشفه القرار الروسي في شأن شبكة الصواريخ الذي اعلن عنه وزير الدفاع سيرغي شويغو ورافقه اتصال من الرئيس بوتين ببشّار الأسد يؤكّد ان روسيا مصرّة على السير في الطريق الخطأ وتعميق ازمتها السورية. تفعل ذلك بدل الذهاب مباشرة الى لبّ المشكلة. لبّ المشكلة ان النظام السوري ليس قابلا للحياة بأي شكل، لا لشيء سوى لانّ لا شرعية لديه في الأصل. انّه نظام منبثق من انقلاب عسكري في الثامن من آذار – مارس 1963 انتهى شيئا فشيئا الى نظام اقلّوي في عهد حافظ الأسد تمهيدا للوصول الى نظام حكم العائلة في عهد بشّار الأسد بالتعاون الكامل والتنسيق مع النظام القائم في ايران. من لديه ادنى شكّ في العلاقة العضوية بين النظام السوري وملالي ايران يستطيع العودة الى ما ورد قبل ايّام في مطالعة الادعاء العام للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي. كشفت تلك المطالعة مدى عمق العلاقة بين دمشق وطهران في كلّ ما له علاقة بعملية الاعداد لاغتيال رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005 وتنفيذ هذه العملية بواسطة أداة إيرانية.

لم يعد سرّا انّ إسرائيل تسببت بطريقة غير مباشرة في اسقاط الطائرة الروسية من طراز "اليوشن- 20" قبالة شاطئ اللاذقية ما ادّى الى مقتل ركابها وهم عسكريون. اغارت طائرات إسرائيلية على مواقع في الساحل السوري من دون إعطاء ما يكفي من الوقت للجانب الروسي كي يبعد الطائرة الى منطقة آمنة. يشكل ذلك من دون شكّ استخفافا إسرائيليا بالتنسيق مع روسيا في كلّ ما له علاقة بقصف مواقع تعتبرها إسرائيل أهدافا يحقّ لها ضربها في عمق الأراضي السورية كلّها.

هناك، اذا، اعتراف من روسيا بحقّ إسرائيل في مهاجمة اهداف في سوريا لكنّ إسرائيل خرقت قوانين اللعبة والاتفاقات مع موسكو، ربّما عن قصد او عن غير قصد. لم يكن امام روسيا سوى الاقدام على ردّ فعل، اقلّه انقاذا لماء الوجه. الأكيد ان صواريخ "اس- 300" ستساعد في ذلك، اقلّه في المدى القصير. سيخدم ردّ الفعل السلطات الروسية في استعادة هيبتها في الداخل. وهذا شيء في غاية الاهمّية بالنسبة الى بوتين الذي عرف كيف يثير لدى المواطن الروسي مشاعر عميقة كامنة في نفسه مرتبطة أولا وأخيرا بالشعور بان الامة الروسية امة عظيمة يجب ان تأخذ مكانها الطبيعي على الصعيد العالمي. اكثر من ذلك، أعاد بوتين للمواطن الروسي شعورا بان بلده عاد دولة عظمى، على غرار ما كانت عليه الحال ايّام الاتحاد السوفياتي.

حسنا، خدم ردّ الفعل الروسي الهدف المطلوب في المدى القصير، لكنّه لا يعني ان روسيا وجدت لنفسها حلا في سوريا حيث تريد ان تتحكّم بكل خيوط اللعبة. قبل كلّ شيء، سيتوجب على روسيا الإجابة عن سؤال يعتمد في الدرجة الاولى على رد الفعل الاميركي. هل تستطيع ضمان خروج ايران عسكريا من سوريا ام لا؟ اذا كانت الولايات المتحدة مصممة على ذلك، يتبيّن كلّ يوم ان روسيا غير قادرة على تنفيذ المطلوب منها إسرائيليا واميركيا. في النهاية، لا تستطيع روسيا تبرير عجزها بالرهان على حصان خاسر هو النظام السوري. هذا النظام انتهى مثله مثل نظام المانيا الشرقية او بلغاريا او هنغاريا او بولندا او تشيكوسلوفاكيا... او رومانيا نيقولاي تشاوشيسكو.

بات معروفا انّ سوريا التي عرفناها لم تعد موجودة. ليس هناك ما يمكن إعادة توحيد سوريا وبقاء البلد تحت سيطرة عائلة حاكمة تديره كما لو انها تشكّل مجلس إدارة لشركة قابضة تتصرّف بالارواح والممتلكات والثروات... وتصدّر الإرهاب الى جيرانها.

من الطبيعي ان تعمل روسيا من اجل استعادة هيبتها ولكن ما هو طبيعي اكثر سعيها الى الخروج من ازمتها السورية عبر ولوج بوابة الحل الذي قد يستغرق وقتا طويلا. لعلّ الخطوة الاولى في هذا المجال تتمثل في الاقتناع بانّ النظام القائم لا مستقبل له وانّ الحلّ يمر حتما في الخروج الايراني من سوريا. كلما كان هذا الخروج باكرا، كلّما صار البحث عن حل سياسي اكثر سهولة. لا مفر من ان تشارك في الحل المنشود اطراف عدّة في مقدّمها الولايات المتحدة التي يبدو انّها مصرّة على البقاء في منطقة شرق الفرات، كما انّها مصرّة على تلبية كلّ ما تطلبه إسرائيل منها، خصوصا عندما يتعلّق الامر بمنطقة الجنوب السوري وتهريب الاسلحة الايرانية الى داخل البلد.

اذا كان الإعلان من موسكو عن تزويد النظام السوري بمنظومة دفاعية جديدة ادّى غرضه روسيا، لا مفرّ من الذهاب الى ابعد من ذلك، أي الى الأسئلة المحرجة من نوع ماذا اذا تابعت إسرائيل قصف مواقع واهداف في سياق حربها على الوجود الايراني في سوريا. هل يمكن لروسيا الدخول في مواجهة معها في وقت تعرف تماما ان اللوبي الإسرائيلي في موسكو قويّ جدا وان اللوبي الروسي في إسرائيل لا يقلّ عنه قوة؟

لنترك الجانب المتعلّق بإسرائيل جانبا. هناك واقع لا يمكن الهرب منه. هذا الواقع مرتبط بإعادة اعمار سوريا في يوم من الايّام. من اكثر النكات الصادرة عن وليد المعلّم، وزير الخارجية لدى النظام السوري، ظرافة قوله في اثناء زيارته الأخيرة لموسكو ان دمشق ستكافئ روسيا عن طريق إعطائها كل مشاريع إعادة الاعمار. قد يكون ما قاله المعلّم صحيحا لو كانت روسيا تمتلك ما تستثمره في سوريا في مشاريع إعادة اعمار. لذلك ليس كلام المعلّم اكثر من نكتة تندرج في اطار البيع المتبادل للاوهام. النظام السوري يبيع روسيا وعودا وروسيا تبيع النظام صواريخ مضادة للطائرات لن تقدّم ولن تؤخر في ظلّ الهوة الضخمة بين التكنولوجيا الاميركية والتكنولوجيا الروسية.

باختصار، باتت الخطوة الاولى، في حال كانت روسيا، مع إسرائيل وأميركا، تريد بالفعل وقف عملية التفتيت المبرمجة للبلد، تُختزل في البحث عن نظام جديد. نظام يكون بعيدا كلّ البعد عن النظام الحالي الذي قدّم كل ما يستطيع تقديمه وفعل كلّ ما يجب فعله من اجل حماية نفسه. بدأ ذلك بتسليم الجولان الى إسرائيل في 1967 وانتهى باعتباره قضيّة منسيّة السنة 2018.