
وزراء يروّجون لضم الضفة باعتباره خط الدفاع عن اسرائيل
القدس - وصف وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس وعدد من الوزراء في الحكومة اليمينية المستوطنات بأنها "خط الدفاع عن إسرائيل"، وذلك خلال مشاركتهم، الأحد، في افتتاح حي جديد بمستوطنة "هار براخا" المقامة على أراضي الفلسطينيين جنوب نابلس في موقف يكشف المخططات القادمة التي تهدف لضم الضفة في تغيير تام في الخطاب الرسمي المتعلق بمستقبلها وضمن جهود لفرض واقع جديد مستغلة حالة الانشغال العربي والدولي، والدعم الذي تتلقاه من إدارة الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب ما يهدف في النهاية لإنهاء القضية الفلسطينية خاصة مع الحديث عن تهجير سكان قطاع غزة المحاصر.
وشهد الافتتاح دعوات واضحة من أربعة وزراء في حكومة بنيامين نتنياهو إلى فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية بالكامل، في خطوة تؤكد استمرار التوجه الحكومي نحو تكريس واقع الضم، رغم المعارضة الدولية وفي تغييرات استراتيجية للتوجهات الاسرائيلية التي كانت تعتبر التحركات ضمن جهود امنية لمواجهة الفصائل الفلسطينية.
ووفق ما نقلته هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، شارك في المناسبة كل من كاتس، ووزيرة الاستيطان أوريت ستروك، ووزير العدل ياريف ليفين، ووزير النقب والجليل يتسحاق فاسرلوف، حيث دعوا جميعهم إلى تعزيز المشروع الاستيطاني وضم الضفة بشكل رسمي إلى السيادة الإسرائيلية.
وقال كاتس خلال كلمته إن "الاستيطان هو خط الدفاع عن إسرائيل"، مضيفًا أن إسرائيل "ستواصل ضرب الإرهاب في شمال السامرة"، مستخدمًا المصطلحات التوراتية للإشارة إلى مناطق الضفة الغربية.
وبالتزامن كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية عن تصريحات للمسؤول الرفيع في "إدارة الاستيطان" التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، يوني دانينو، أكد فيها أن فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية لا يزال بحاجة إلى تشريع قانوني في الكنيست، لكنه شدد على أن ما يجري حاليًا على الأرض يمثل خطوات "تقرّب الضفة أكثر فأكثر من واقع الضم".
ويرى مراقبون أن الحرب على غزة وفّرت غطاءً سياسيًا وأمنيًا مناسبًا للحكومة الإسرائيلية لتكثيف نشاطها في الضفة، بعيدًا عن الأضواء. ومع انشغال المجتمع الدولي بالكارثة الإنسانية في القطاع وجدت تل أبيب فرصة نادرة لتوسيع سيطرتها على الضفة بهدوء.
كما أن غياب موقف دولي حازم من عمليات التوسع الاستيطاني، ووجود تحالف قوي بين أحزاب اليمين المتطرف في إسرائيل، ساهم في تسريع تمرير مشاريع قوانين داخل الكنيست، تهدف إلى تغيير طابع الضفة الغربية جذريًا، سواء من خلال فرض السيادة القانونية أو من خلال التحايل على القانون الدولي.
وأوضح دانينو أن إدارته تعمل على خلق "وقائع جديدة" في الضفة، تجعل مسألة الضم القانوني مسألة وقت فقط، وليس نقاشًا نظريًا. وقال في تصريحاته لهآرتس: "كلما وضعت إدارة الاستيطان وقائع جديدة، أصبحت إمكانية فرض السيادة أكثر واقعية".
وأشار إلى أن التحضيرات الجارية لا تقتصر على الجوانب السياسية أو التشريعية، بل تمتد إلى إنشاء بنى تحتية جديدة، وشبكات طرق مخصصة للمستوطنين، وتوسيع الربط الجغرافي بين المستوطنات وبعضها البعض، وبين الضفة الغربية والمناطق الإسرائيلية داخل الخط الأخضر.

وفي تطور لافت، كشف دانينو أن نحو 20 في المائة من إنتاج الطاقة الكهربائية في إسرائيل يأتي من مشاريع طاقة متجددة تم إنشاؤها داخل الضفة الغربية، معتبرًا أن هذا الواقع الاقتصادي الجديد يعزز منطق فرض السيادة، ويجعل الانفصال عن الضفة غير منطقي من وجهة النظر الإسرائيلية.
ومن ضمن المؤشرات التي عدّها المسؤول الاسرائيلي دليلًا على تقدم خطوات الضم، إعلان إنشاء 28 مستوطنة جديدة خلال فترة الحكومة الحالية. ووصف هذه الخطوة بأنها "تحول نوعي"، مشددًا على أن هذه المستوطنات ليست بؤرًا عشوائية، بل مشاريع ممنهجة تنفذها الدولة بـ"تميّز".
وأكد أن الفترة الماضية شهدت توقفًا طويلًا في إنشاء مستوطنات جديدة، غير أن الحكومة الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو، وبتأثير مباشر من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، اتخذت نهجًا مختلفًا تمامًا، يهدف إلى تثبيت الوجود اليهودي في الضفة كأمر واقع.
ويشار إلى أن سموتريتش نفسه أطلق على عام 2025 لقب "عام السيادة في يهودا والسامرة"، في إشارة صريحة إلى نوايا حكومته بالمضي قدمًا في خطة الضم، متجاهلًا بشكل كامل الوجود الفلسطيني ومبدأ حل الدولتين الذي تروج له غالبية القوى الدولية.
وبحسب "هآرتس"، فإن الدورة الشتوية الأخيرة للكنيست شهدت سيلًا من مشاريع القوانين التي تسعى لتكريس واقع الاحتلال بشكل دائم، مع تجاهل كامل لحقوق السكان الفلسطينيين، وغياب أي اعتبارات لقرارات مجلس الأمن أو اتفاقيات أوسلو.
ويخشى محللون قانونيون من أن هذه التشريعات، التي تمر تحت غطاء قانوني داخلي إسرائيلي، قد تؤسس لفصل قانوني تام بين المستوطنين والفلسطينيين في الضفة، بما يشبه نظام "الأبرتهايد"، رغم المحاولات الإسرائيلية المستمرة لنفي ذلك.
وفي ضوء هذه التطورات، تبدو المنطقة مقبلة على تحولات جوهرية في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، حيث تعمل إسرائيل بشكل حثيث على إنهاء مرحلة "الاحتلال المؤقت"، واستبدالها بواقع "السيادة الكاملة"، دون اتفاق، ودون تنازلات ووسط حديث كذلك عن تهجير سكان غزة لتصفية القضية الفلسطينية.
وبينما تغرق غزة في مأساة إنسانية غير مسبوقة، تبدو الضفة الغربية مهددة بفقدان ما تبقى من إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، في ظل صمت دولي مريب، وانشغال عربي عن أخطر مراحل تصفية القضية الفلسطينية.