مساعدات روسيا والصين لإيطاليا تدق جرس الإنذار في بروكسل

وزيرة الدولة الفرنسية للشؤون الأوروبية تحذر روسيا والصين من استخدام المساعدة التي يقدمونها خلال أزمة كورونا لإيطاليا لغايات دعائية.

باريس - حذرت وزيرة الدولة الفرنسية للشؤون الأوروبية إميلي دو مونشالان الأحد روسيا والصين من استخدام المساعدة التي يأتون بها في سياق الأزمة الصحية الناجمة عن تفشي كوفيد-19، كـ"أداة" لغايات "دعائية".

وقالت دو مونشالان في مقابلة إذاعية مع راديو فارانس إنتر إنّ "التضامن لا يمكن أن يستخدم أداة"، مؤكدة إن كيفية تعامل الاتحاد الأوروبي مع تفشي فيروس كورونا ستحدد مصداقيته وجدواه وذلك بعدما أخفق التكتل الأوروبي الأسبوع الماضي في الاتفاق على إجراءات لتخفيف تداعيات الوباء على الاقتصاد.

وتابعت "من الأسهل أحيانا القيام بالدعاية و(إظهار) الصور الجميلة واستغلال ما يحصل". وأضافت "أنا أحدّثكم عن الصين وروسيا".

وتابعت "إذا كانت أوروبا مجرد سوق موحدة في أوقات الرخاء، فلا مبرر لها"، مشيرة إلى إن الأحزاب الشعبوية في أوروبا ستكون هي الفائز الأكبر إذا أخفق قادة الاتحاد الأوروبي في العمل معا أثناء أزمة كبرى.

وتأتي تصريحات المسؤولة الفرنسية على إثر الانتقادات الحادة التي وجهت للتكتل الاقتصادي الأكبر في العالم بسبب تشتت الدول المنضوية تحته في مواجهة أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد منذ ظهوره لتصبح الدول الأوروبية بؤرة لتفشيه بعد الصين خاصة في إيطاليا التي يموت المئات فيها يوميا ثم إسبانيا، لتهرع دول أخرى لنجدتها مثل روسيا والصين وكوبا.

وتلقت إيطاليا دعما من روسيا حيث أرسل لها الرئيس فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي 14 طائرة عسكرية تحمل مساعدات لمواجهة الفيروس الذي فتك بآلاف الإيطاليين.

كما أرسلت بكين تسعة خبراء صينيين متخصّصين بفيروس كورونا المستجد وأطنانا من المساعدات الصحية إلى روما في 12 آذار/مارس، وقد ترك ذلك أثرا عظيما في نفس الإيطاليين.

من جهتها أرسلت هافانا فريقا من الأطباء الكوبيين لتقديم يد العون للطواقم الطبية الإيطالية.

وأشارت دو مونشالان إلى أن فرنسا ساعدت الصين عندما كانت بؤرة للوباء، وقالت "في مرحلة معينة كانت الصين بحاجة إلينا (...) أرسلنا 56 طنا من التجهيزات إلى الصين"، في إشارة إلى مساعدة أوروبية.

واعتبرت أنه لا يجب الدخول في "حسابات" و"استغلال"، لأن ذلك سيكون "معيبا".

والسبت، دعا رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي الاتحاد الأوروبي "إلى عدم ارتكاب أخطاء فادحة" في عملية مكافحة الفيروس وإلا "فإن التكتل الأوروبي بكامله قد يفقد سبب وجوده".

واعتبر كونتي في مقابلة مع صحيفة "إل سول 24" المرجعية لأوساط المال والأعمال أن "التقاعس سيترك لأبنائنا العبء الهائل لاقتصاد مدمّر".

وأضاف "هل نريد أن نكون على مستوى هذا التحدي؟ إذاً لنطلق خطة كبيرة، "خطة أوروبية للتعافي وإعادة الاستثمار" تدعم وتنعش الاقتصاد الأوروبي كله".

وقال إنه خلال اجتماع المجلس الأوروبي، الخميس، حصل "أكثر من خلاف، حصلت مواجهة شديدة وصريحة" مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل "لأننا نعيش أزمة تسفر عن عدد كبير من الضحايا من مواطنينا وتسبب ركوداً اقتصادياً شديداً".

وقال خلال الجلسة "أمثّل بلداً يعاني كثيراً ولا يمكن أن أسمح لنفسي بالمماطلة"، في وقت سجّلت إيطاليا أكثر من 10 آلاف وفاة منذ بدء تفشي الوباء في شبه الجزيرة في شباط/فبراير.

والدولة الأكثر تأثراً لناحية عدد الوفيات في أوروبا سجلت ى صباح اليوم الأحد حوالى 92 ألف و472 إصابة بالفيروس التاجي شفي منهم 12 ألفا و384 شخصا وفق السلطات الإيطالية.

ال
إيطاليا التي فقدت الآلاف من مواطنيها لا يمكنها رفض المساعدات 

وشنت الصحف الإيطالية مؤخرا هجوماً عنيفاً على الاتحاد الأوروبي غداة قرار بإرجاء اعتماد تدابير قوية في مواجهة التداعيات الاقتصادية لتفشي الوباء المستجد.
وهدد كونتي في وقت سابق بعدم التوقيع على الإعلان المشترك في حال لم يعتمد الاتحاد تدابير قوية "مرفقة بأدوات مالية مبتكرة وملائمة بالفعل لحرب يتوجب علينا خوضها سوياً".

وكانت ألمانيا ودول شمال أوروبية أخرى قد رفضت مناشدة تسع دول، من بينها إيطاليا الأكثر تضرراً، من أجل الاقتراض الجماعي من خلال "سندات كورونا" للمساعدة في تخفيف الضربة الاقتصادية للوباء.

وقال كونتي أن "في إيطاليا، وأيضاً في دول أعضاء أخرى، نحن مُرغمون على اتخاذ خيارات مأساوية".

ورأى أنه "ينبغي علينا تجنّب أن نتخذ في أوروبا خيارات مأساوية. إذا لم تُثبت أوروبا أنها على مستوى هذا التحدي غير المسبوق، فإن التكتل الأوروبي بكامله قد يفقد بنظر مواطنينا، سبب وجوده".

وأوضح أن "الآلية الأوروبية للاستقرار هي أداة أُنشئت لإنقاذ الدول الأعضاء التي تواجه توترات مالية مرتبطة بمواجهتها صدمات لها وقع غير متكافئ، بينما فيروس كورونا المستجدّ هو على العكس يتسبب بصدمة وطأتها متماثلة، سيتجلى تأثيرها في إغراق أنظمتنا الاقتصادية والاجتماعية في حالة كساد، بطريقة متزامنة وغير متوقعة على الإطلاق".

ويرى كونتي في ذلك "شيئاً مختلفاً تماماً مقارنة بأزمة 2008. نجد أنفسنا أمام لحظة حرجة من التاريخ الأوروبي".

وأكد في المقابلة أيضاً أنه مع المرسوم المالي الذي يجري تحضيره لشهر أبريل "سترتفع جهودنا إلى أكثر من 50 مليار" يورو، بما في ذلك مبلغ الـ25 مليارا الذي سبق أن أُنفق في هذا المجال.

وفي الوقت الذي أخفق فيه قادة الاتحاد الأوروبي في الاتفاق على التفاصيل الأساسية لإجراءات إنقاذ اقتصادية، كانت أعداد حالات الإصابة بفيروس كورونا في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا ترتفع يوميا على الرغم من القيود المفروضة على الحياة العامة، ليتم تكليف وزراء مالية دول اليورو بالعمل على التوصل لمقترحات خلال أسبوعين.

ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن بيان صادر عن المفوضية في وقت متأخر من أمس السبت في بروكسل " في المرحلة الحالية، لا تستبعد رئيسة المفوضية أي خيارات ضمن حدود قواعد الاتحاد الأوروبي".

وقالت رئيسة المفوضية أورزولا فون دير لاين في بيان إن " المفوضية سوف تشارك في هذه المناقشات، وهي مستعدة لتقديم المساعدة إذا دعمتها دول مجموعة اليورو".

وأضافت" نحن الآن نعمل على جعل الصناديق الحالية مرنة بصورة كاملة"، مشيرة إلى أن التغييرات سوف تشمل حزمة إنقاذ" تضمن الحفاظ على الترابط داخل الاتحاد عبر التضامن وتحمل المسؤولية".

وفي تفاعل متأخر بدأت برلين في تقديم يد العون لروما، حيث أرسلت السبت طائرة عسكرية لنقل 6 مصابين إطاليين في المنطقة الموبوءة بالفيروس لعلاجهم في ألمانيا.

وقال متحدث باسم سلاح الجو الألماني اليوم الأحد أن طائرة أخرى من طراز "إيرباص إيه 310 ميد إيفاك" أقلعت ظهر اليوم من مدينة كولونيا، بغرب ألمانيا، إلى مدينة بيرغامو الإيطالية لإحضار 6 إيطاليين إلى العناية المركزة في ألمانيا.

كما توجهت طائرة نقل  طراز (إيه 400إم) تابعة لسلاح الجو الألماني إلى مدينة ستراسبورغ الفرنسية صباح اليوم من أجل نقل مصابين اثنين إلى مستشفى عسكري تابع للجيش الألماني في مدينة أولم، جنوبي ألمانيا.

ال
برلين تتدارك تأخرها في مساعدة الإيطاليين

من جهته دعا الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون المؤيد لاعتماد "قروض كورونا" رغم "تحفظات" برلين، إلى التضامن المالي الأوروبي، مؤكدا أنه لم يتجاهل الإشارات الصادرة من إيطاليا بشأن خطورة الأزمة الصحية الحالية، في مقابلة نشرتها صحف إيطالية مساء الجمعة.

كما سعى الرئيس الفرنسي إلى اكتساب ود الإيطاليين بقوله إن فرنسا موجودة لتقديم المساعدة وإنه يتعين على الإيطاليين الحذر من الحديث عن مساعدات من الصين أو روسيا لمكافحة الفيروس.

وقال ماكرون "هناك حديث كثير عن مساعدات من الصين وروسيا ولكن لماذا لا نقول إن فرنسا وألمانيا وفرا مليوني كمامة وعشرات الآلاف من السترات لإيطاليا؟". 

وأضاف "هذا ليس كافيا لكن هذه مجرد بداية ويجب ألا نستغرق في الاستماع إلى ما يقوله شركاؤنا الدوليون أو منافسونا".

والاتحاد الأوروبي وجد نفسه في حالة الصدمة أمام هول الوباء وسرعة انتشاره في البداية فانغلق على نفسه، كحال الحليف الأكبر الولايات المتحدة لينشغل كل بلد بمحاربة الفيروس المستجد فيما وجدت الصين الفرصة لتقديم يد العون للجميع بعد أن سيطرت على الفيروس باعتبارها أول من شهد ظهوره وبقيت تواجهه منذ ديسمبر الماضي.

وكانت الفرصة سانحة لروسيا والصين لاستعراض دبلوماسيتهما الناعمة التي يقول مراقبون إنها ستفتح أمامهما الطريق للمزيد من الدعم الأوروبي في الوقت الذي تعيش فيه العلاقات بين واشنطن وبروكسل فتورا، بالإضافة إلى المخاوف الأوروبية المتزايدة من تكرار سيناريو الخروج البريطاني مؤخرا وتبعات بريكست على الاقتصاد الأوروبي.