مساع تركية حثيثة لعرقلة الحوار الليبي في تونس

أنقرة سارعت لتحريك أدواتها بطرابلس وتحريضها على قلب الموازين في حوار الليبيين بتونس لإعادة ترتيب الأوراق لصالحها وإفساد أي تسوية تضعف نفوذها في ليبيا.
تركيا تربك جهودا دولية لا تهدأ لإعادة الاستقرار إلى ليبيا
ميليشيات طرابلس تهدد بنسف أي اتفاق ينبثق عن الحوار في تونس
اردوغان يخشى انفلات الأمور من يده في حال اتفاق الليبيين بعد حوار تونس
تحركات تركيا تفاقم المخاوف من نجاح الحوار الليبي في تونس
المبعوثة الأممية إلى ليبيا تبدي تفاؤلها بنجاح المحادثات بين طرفي النزاع

تونس - وسط ترقب دولي لنتائج الحوار المرتقب في تونس بين الفرقاء الليبيين والرامي إلى توحيد البلاد وتهيئة الظروف الملائمة لإجراء انتخابات عاجلة، تحوم شكوك كثيرة حول نجاح المحادثات في ظل تحركات تركية لقلب الموازين ومحاولة إعادة ترتيب الأوراق لمصلحتها ورفض الميليشيات في طرابلس تسليم السلاح والتهديد بنسف جهود إرساء السلام، ما من شأنه أن يفسد أجواء التفاؤل التي سبقت الاجتماعات.

ومن المقرر أن تبدأ الاثنين في العاصمة التونسية المحادثات الليبية التي تشمل أيضا المفاوضات العسكرية والاقتصادية وتوحيد البلاد تحت سلطة حكومة واحدة.

وأبدت رئيسة بعثة الأمم المتّحدة للدعم في ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز الأحد تفاؤلها بإمكان تحقيق نتائج إيجابية في المحادثات المرتقبة بين طرفي النزاع.

وتسعى تركيا إلى إرباك أي تسوية لا تلبي مصالحها في المنطقة، حيث ينتاب أنقرة توجس من أن الجهود الدولية الرامية لحل الأزمة الليبية ستفقدها نفوذها في ليبيا ويفقدها سيطرتها على زمام الأمور، ما دفع السلطات التركية إلى تحريك أدواتها في طرابلس وتحريضها على قلب موازين القوى في اجتماعات تونس التي تهدف تحديد مصير البلاد وتنصيب شخصيات وفق معايير توافقية تم التوصل إليها في الجولة الثانية من اجتماعات بوزنيقة المغربية، وهو ما يقلق الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي من المقرر يقوم بزيارة عاجلة إلى طرابلس، وفق وسائل إعلام تركية.

وفاقمت هذه الزيارة المرتقبة لاردوغان منسوب القلق من تحرك تركيا نحو إفساد مسار الحوار المرتقب في تونس، وسعيها لقلب الموازين وترتيب الأوراق لصالحها.

وفي هذا السياق قال الناشط السياسي الليبي، عبدالحكيم فنوش في اتصال هاتفي لصحيفة 'العرب اللندنية'، "إذا تأكدت هذه الزيارة فإنها ستأتي في إطار إعلان هيمنة أردوغان واستمرار سلطانه على المنطقة الغربية من ليبيا؛ إنه يريد من خلالها أن يقول أنا هنا وأنا من يدير هذه المنطقة وأن أي تسوية لا يمكن أن تتم دون موافقتي والأخذ في الاعتبار مصالح تركيا ورؤيتها للمنطقة".

ميليشيات طرابلس حجر عثرة أمام جهود حل الأزمة في ليبيا
ميليشيات طرابلس حجر عثرة أمام جهود حل الأزمة في ليبيا

ويأتي الحوار الليبي في وقت أظهرت فيه الميليشيات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق في طرابلس والتي تدين بالولاء لتركيا، رفضها قائمة المشاركين في المباحثات، متهمة البعثة الأممية بتحولها من وسيط إلى حاكم في ليبيا.

ودعت 'قوة حماية طرابلس' وهي ائتلاف مسلح يضم ميليشيات النواصي ومكتب الأمن العام أبو سليم وثوار طرابلس وباب تاجوراء والتي تتبع وزارة الدفاع بحكومة الوفاق، إلى "التظاهر ضد مجموعة من مندوبي الدول أصحاب المصالح في بلادنا"، مرجعة ذلك إلى أن الحوار الذي سيجرى بإشراف أممي "لا يمثل كل أفراد الشعب الليبي وخضع للانتقاء والمحاباة في اختيار المشاركين".

ووفق مصادر صحيفة 'العرب اللندنية' فقد هدد الأحد صلاح بادي زعيم مليشيا "لواء الصمود" والمتهم منذ 2018 بتهمة زعزعة استقرار ليبيا وهومدرج على لائحة عقوبات مجلس الأمن، بنسف أي اتفاق ينبثق عن الحوار الليبي الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة، منتقدا أعضاء الحوار السياسي الذين تم اختيارهم للمشاركة ووصفهم بـ"عبيد الكراسي"، مشيرا إلى أن "الثوّار الذين كانوا يختبؤون وراءهم هم من ضحوا بأنفسهم".

وأعلن بادي رفضه الالتزام باتفاق وقف النار الذي تم توقيعه بين الفرقاء الليبيين في جنيف قبل أسبوع، أو الاعتراف بأي مخرجات تنتج عن الحوار السياسي في تونس، معلنا تمسكه بالحرب وبالسلاح كخيار لحل الأزمة.

وتشير التحركات التركية بالإضافة إلى خطابات ميليشيات الوفاق التصعيدية، إلى حجم التحديات والعراقيل التي تواجه تنفيذ اتفاق وقف النار ومدى نجاح المفاوضات السياسية التي ستجرى في تونس على الرغم من تفاؤل المبعوثة الأممية إلى ليبيا.

ويأتي الحوار الذي سيجرى بإشراف بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا والمقرر أن يبدأ الإثنين في العاصمة التونسية، بعد فترة هدوء نسبي دامت أشهرا في البلاد الغارقة في الفوضى منذ إطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي في العام 2011.

والشهر الماضي وقّع طرفا النزاع في ليبيا "اتّفاقاً دائماً لوقف إطلاق النار" بـ"مفعول فوري"، مهّد الطريق أمام استئناف تصدير الإنتاج النفطي الليبي وشكّل تقدّما على خط إنهاء الأزمة السياسية المستمرة منذ سنوات.

وقالت وليامز للصحافيين في تونس "إنها فرصة فريدة. لقد تم إحراز تقدّم كبير".

اردوغان يسارع لبحث مكانة بلاده بعد الحوارات الليبية الجارية في تونس
اردوغان يسارع لبحث مكانة بلاده بعد الحوارات الليبية الجارية في تونس

ترمي المحادثات السياسية التي تندرج في إطار عملية متعدّدة المسارات تشمل المفاوضات العسكرية والاقتصادية، إلى توحيد البلاد تحت سلطة حكومة واحدة وتمهيد الطريق أمام إجراء انتخابات.

وتابعت وليامز أن "الانتخابات يجب أن تكون الهدف النهائي"، داعية إلى "خارطة طريق واضحة" ترمي إلى إجراء انتخابات بأسرع وقت ممكن.

وتنتشر في ليبيا فصائل مسلّحة عدة تنقسم بين معسكرين رئيسيين وهما حكومة الوفاق الوطني ومقرّها العاصمة طرابلس، وسلطة موازية في الشرق يدعمها الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.

وشنّت قوات حفتر المدعومة في أبريل/نيسان 2019 هجوما للسيطرة على طرابلس ونزع سلاح الميليشيات المسلحة الموالية لحكومة الوفاق.

لكن قوات حفتر وبعد تحقيقها مكاسب ميدانية توقّف زحفها عند تخوم طرابلس حيث صدّتها قوات موالية لحكومة الوفاق التي تحظى بدعم تركيا عسكريا.

وفي يونيو/حزيران شنّت القوات الموالية لحكومة الوفاق مدعومة من تركيا هجوما مضادا أجبر قوات حفتر على التراجع إلى مدينة سرت الساحلية، وأوقع القتال مئات القتلى وشرّد عشرات الآلاف.

لكن وليامز تحدّثت عن "تقدّم ملموس على صعيد تدابير بناء الثقة التي رافقت الحوار العسكري"، كما واستئناف الرحلات الجوية الداخلية إلى جنوب البلاد وزيادة إنتاج النفط إلى نحو مليون برميل يوميا.

وسيشارك في الحوار 75 شخصا اختارتهم الأمم المتحدة لتمثيل النسيج السياسي والعسكري والاجتماعي للبلاد.

وهم سيشاركون في الحوار بعدما تعهّدوا عدم المشاركة في الحكومة المرتقبة التي سيقع على عاتقها التصدي لأزمة مالية حادة وجائحة كوفيد-19 التي أوقعت أكثر من 900 قتيل وأثقلت كاهل القطاع الصحي الليبي المنهك.

وقالت وليامز إن "الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر"، حاضّةً المشاركين على "الحضور بروح التسوية والاستعداد لتقديم تنازلات لمصلحة ليبيا".