مستشفى لبناني يقايض جثة برهن سيارة!

صورة اللبناني حسين البعريني حاملا جثمان ابنه الرضيع بين ذراعيه تشغل الرأي العام المحلي بعد اضطراه لتسليم مفاتيح عربته نتيجة عجزه عن سداد الفاتورة الاستشفائية.

بيروت – شغلت صورة اللبناني حسين البعريني، وهو يحمل جثمان ابنه الرضيع بين ذراعيه، مغادراً المستشفى سيراً على الأقدام لدفنه، الرأي العام في البلاد، كونه اضطر لرهن سيارته للمستشفى، لعدم قدرته على تسديد الفاتورة الاستشفائية.

وتظهر الصورة الوالد وهو يحمل طفله الرضيع، ملفوفاً بقطعة قماش زرقاء، بعدما لفظ أنفاسه داخل مستشفى في عكار بشمال لبنان.

هزت صورة المواطن اللبناني حسين البعريني المشاعر الإنسانية وعكست الواقع المأساوي الذي يعيشه الشعب اللبناني في ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تمر بها البلاد.

واضطر البعريني إلى رهن سيارته لدى المستشفى حتى تقبل الأخيرة بالإفراج عن جثمان نجله لعدم قدرته على تسديد الفاتورة الاستشفائية.
وقال البعريني من بلدة فنيدق إنه "اضطر إلى رهن سيارته لإخراج جثة طفله الرضيع، الذي توفّي بعد بقائه 25 يومًا في الحاضنة وبلغت فاتورته 2400 دولار أمريكي".
وأضاف أنه تلقى منذ أيام اتصالاَ من مستشفى خلف الحبتور أبلغه فيه أن ابنه فارق الحياة بعد 25 يوماً أمضاها في الإنعاش، حيث كان يعانى من مشاكل صحية منذ ولادته.
وأردف البعريني "توجهت إلى المستشفى لاستلام جثة طفلي فطلبت مني موظفة المحاسبة 2400 دولار، لم أعارض لكن لم أكن أملك سوى 400 دولار، عرضتها عليها مقابل استلام الجثة، لكنها رفضت ذلك من دون الحصول على ضمانة من شخص يكفلني".
ولفت إلى أن الموظفة سألته إن كان يملك سيارة أم لا، وتابع: "أنكرت في البداية، وعندما سألتها عرضت علي رهنها مقابل إعطائي جثة الطفل".
وتابع البعريني: "بعد أن فكرت بالأمر سلمتها مفتاح السيارة، فخرجتْ من المكتب وإذ بطبيب كان يمر في المكان، سألَتْه بكم يثّمنها، فكان جوابه بألفي دولار وما دون".
وقال إن الموظفة "سلمتني ورقة لأستلم جثة طفله على أن ترجع مفتاح السيارة بعد تسديد بقية المبلغ".
وزاد: "عندما أحضرت جثة طفلي سألتها كيف سأنقل ابني إلى البلدة، لأصطدم بجوابها دبّر حالك، فسرت به إلى الطريق العام قبل أن أستقل سيارة أجرة".
وحمل البعريني المسؤولية "لكل من تعامل معه بهذه الطريقة في المستشفى".
يعمل حسين حارسا في ثانوية فنيدق الرسمية، التي ورثها وأشقاؤه الثلاثة عن والده، لكنها مؤجرة منذ عام 1979 للحكومة اللبنانية، بمبلغ 18 مليون ليرة سنوياً، أي ما يعادل حوالي 440 دولار حالياً، يتم توزيعه على الأشقاء الأربعة، أما راتبه الشهري من صندوق المدرسة فمليون و700 ألف ليرة.

وفيما إن كان لدى حسين أي تغطية صحية أجاب "نعم، من الضمان الاجتماعي، فالمبلغ الذي طلبته المستشفى هو فرق الضمان، مع العلم أني دفعت 8 ملايين ليرة بعدما وضعت زوجتي ابني، كما أني كنت أجلب له الحفاضات والحليب والأدوية وكل ما تطلبه المستشفى من حسابي الخاص".

بدورها أعربت مديرة عام المستشفى الحبتور روعة الأحدب  عن "أسفها للظروف التي يعيشها لبنان وتدهور العملة جراء الأزمة الاقتصادية التي جلعت من المواطن اللبناني يعيش حالة من الضياع حتى بصحته".
ووصفت الأحدب ما حصل مع والد الرضيع البعريني بأنه "سوء تفاهم كبير جراء الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها كل المواطنين اللبنانيين وخاصة في منطقة عكار".
وأشارت إلى أن والد الطفل "كان مفجوعا ووضعه صعب رغم أننا قدمنا المساعدة له عبر جمعيات خيرية طيلة وجود طفله داخل العناية المركزة لمدة 25 يوما".
ولفتت الأحدب إلى "موظفة المحاسبة في المستشفى طلبت منه ضمانات فقط لاسترداد المال المتبقي"، معتبرة أن "ترك مفاتيح السيارة هو الضمان ولم تكن تعلم أن ذلك سيؤدي ضجة إعلامية".
وقالت: "عندما علمت بالموضوع اتصلت بوالده وقدمت له التعزية وطلبت منه العودة لاستلام مفاتيح سيارته وأبلغته رفضي هذا التصرف من قبل الموظفة".
واعتبرت أن "الضجة الإعلامية ضخمت الموضوع وعلاقتنا مع المرضى جيدة وخدماتنا ليس لها حدود".
وقدمت المديرة "اعتذارها من المواطنين وخاصة والد الرضيع الذي قبل الاعتذار وقال إن هذا واقع المجتمع والدولة بشكل عام وتخلت عن المواطنين".
من جهته أوضح رئيس قسم الطوارئ في المستشفى الطبيب معن محمود أن "ما حصل سوء تفاهم وكل ما قمت به هو لدى سؤالي من قبل موظفة المحاسبة بتثمين السيارة التي يملكها والد الطفل كوني أعمل أيضا بتجارة السيارات".
ويعاني اللبنانيون أزمة معيشية واقتصادية خانقة، وباتت الخدمات الطبية تفوق قدرات قسم كبير من المواطنين في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، وتدني الأجور ورواتب الموظفين والعمال.

وفي ظلّ معاناة نحو 80 في المئة من السكان في لبنان من الفقر، لم يعد بإمكان كثير من العائلات الانتقال حتى إلى المرافق الصحية للحصول على الرعاية الصحّية الأولية لأطفالها، بحسب تقرير لليونيسف صدر في شهر أبريل/نيسان.

الوضع الصعب الذي يمر به اللبنانيون وعدم قدرة غالبيتهم على دخول المستشفيات، دفع بالعديد منهم إلى اللجوء لمواقع التواصل الاجتماعي لعرض حالتهم، وكلهم أمل أن يجدوا من يمد لهم يد المساعدة كي يتمكنوا من تلقي العلاج.