مستقبل العلاقة بين السيسي والإخوان المسلمين

الإخوان من جانبهم يعانون عناء شديدا من قوة الضربة التي تعرضوا لها عقب 3 يوليو 2013، والتي لم يسبق لها مثيل في تاريخ الجماعة، في عنفها وشمولها ونتائجها، وكشف مؤشر فعاليات الجماعة طوال السنوات الخمس الماضية على تراجع تدريجي واضح وكبير في قدراتها، انتهى إلى ما يشبه الإفلاس والشلل السياسي

بقلم:  جمال سلطان

التاريخ يحكم كثيرا من الحركة السياسية ومآلاتها واختياراتها، هذا ما أثبتته التجربة في مصر طوال أكثر من ستين عاما، منذ تأسيس الجمهورية، وقد تكررت تجارب وعلاقات وأحداث بصورة تقترب من مستوى طبق الأصل، مثلما هو الحال بين تجربة مصر في 1952/1954، مع تجربتها في 2011/2013، كما أن التوازنات القائمة حتى الآن لا تسمح بافتراض تغيير كبير وحاسم في معادلات الواقع السياسي، وبالتالي لنا أن نتصور، بشكل أقرب للدقة، مستقبل العلاقة بين جماعة الإخوان والنظام السياسي القائم بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.

تطوران مهمان حدثا خلال السنوات الثلاث الماضية، الأول هو نجاح الرئيس السيسي في إخلاء محيط السلطة ودائرتها الضيقة من جميع شركاء 3 يوليو 2013، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو الأجهزة، ولم يعد من رموز المشهد الكبار أو المؤثرين في الحكم الآن غيره، وهذا يخفف عنه أعباء كثيرة في القرارات، خاصة القرارات ذات الطابع المصيري أو الاستراتيجي، وعلى الجانب الآخر، فقد نجحت القيادة التقليدية لجماعة الإخوان في إنهاء الصراع الداخلي لصالحها، وقام فريق محمود حسين وإبراهيم منير بإعادة السيطرة على مفاتيح القرار داخل الجماعة، وهو ما يسمح لها بالدخول في مراحل الاختيار السياسي بالقرارات المصيرية أيضا، دون خشية من عواقب أو ارتدادات حادة داخل صفوف الجماعة.

الرئيس عبد الفتاح السيسي مقبل على سنوات بالغة الصعوبة، حيث لم يعد أمامه اختيار في مسألة اتخاذ القرارات الاقتصادية القاسية والمريرة، بوقعها العنيف على ملايين المواطنين، خصوصاً الشريحة المهمشة والفقيرة التي راهنت عليه ودعمته شعبيا في سنواته الأولى انتظارا للأمل، لأن الوضع الاقتصادي لم يعد يسمح له بغير ذلك، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، إذا أراد الاستمرار، غير أنه بالتوازي مع تلك القرارات الصعبة.
 ثمة حالة ضرورة أخرى لإجراء تعديلات دستورية قريبة وحاسمة، تسمح له بمد فترات توليه السلطة، لأن الدستور الحالي يمنحه أربع سنوات جديدة فقط، وعليه أن يتنحى بعدها عن السلطة جبريا، وتعديل الدستور لن يكون إلا بإجراءات قسرية، وفيها مجازفة قانونية يمكن أن تزيد الجدل والشرخ حول الشرعية، لأن نصوص الدستور فيها حظر واضح لأي تعديل في المواد المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية تحديدا، كما أن خبرات رؤساء مصر من قبله تؤكد على أن أي تعديلات دستورية تتم لصالح الرئيس وخططه ينبغي أن تقابلها "منحة" من نوع ما للشعب والقوى الرئيسية فيه، فإذا كانت القرارات  الاقتصادية الصعبة، وتردي الوضع المعيشي لعشرات الملايين من المواطنين قد خصم كثيرا من شعبية السيسي، وحشد رأيا عاما مضادا وساخطا، وأطاح بالحواضن الشعبية التي كان يرتكن إليها خلال الفترة الأولى من حكمه، فإن هذا مما يعظم احتياجه إلى حاضنة شعبية بديلة قوية، إن لم تدعمه فإنها يمكن أن تقلل من حراك الشارع وردات الفعل بصورة أو بأخرى، خاصة وهو مقبل على إجراء دستوري مهم ومفصلي .

الإخوان من جانبهم يعانون عناء شديدا من قوة الضربة التي تعرضوا لها عقب 3 يوليو 2013، والتي لم يسبق لها مثيل في تاريخ الجماعة، في عنفها وشمولها ونتائجها، وكشف مؤشر فعاليات الجماعة طوال السنوات الخمس الماضية على تراجع تدريجي واضح وكبير في قدراتها، انتهى إلى ما يشبه الإفلاس والشلل السياسي والعجز عن اتخاذ أي موقف محلي أو دولي يمكنه التأثير على مجريات الأحداث في مصر، كما أن الجماعة تدرك أن خسارتها ليست فقط في الضربات التي تلقتها، سياسيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا وقانونيا، وإنما أيضا في الخسارة الأخلاقية التي لحقت بها ـ للمرة الأولى ـ بعد تجربتها في الحكم، والتي انتهت إلى هذه الفوضى والاضطراب وسوء الإدارة والهزال الشديد في السيطرة على الأمور .

تاريخ الإخوان وخبراتهم السياسية يعطي الانطباعات البديهية عن مرونة الجماعة في التعامل مع الأحداث، والبراجماتية الفطرية التي تصبغ حراكها السياسي في مختلف أدواره، وبدون شك هي في حاجة ماسة الآن إلى أن تخرج من هذا الحصار والموقف التاريخي القاسي والصعب الذي تجد نفسها فيه عاجزة عن فعل أي شيء، والذي هدد وجود الجماعة نفسه وإمكانية استمرارها وتماسكها التنظيمي، كما أن الآلام الكبيرة التي تعانيها أسر الجماعة بفعل سجن آلاف من قياداتها وكوادرها والتحفظ على الأموال والملاحقات الأمنية الصارمة والظروف المريرة التي يعانونها، كل ذلك يدفع الجماعة للبحث عن مخرج، أيا كان الثمن .

في اعتقادي أن الأجواء في مصر بدأت تتأهل لاستقبال مرحلة جديدة في الحراك السياسي، تنهي تدريجيا، المعركة بين الإخوان والسيسي، وتوجد حدودا دنيا من التوافق على حزمة إجراءات تفيد الطرفين، قد تشمل افراجات على مراحل لكوادر الجماعة وأعضائها، وتخفيف إجراءات التحفظ على الأموال والممتلكات، ووقف الملاحقات القضائية أو جعلها في أضيق نطاق، وتجميد الأحكام أو وقف تنفيذها، وتقديم ضمانات لعودة آمنة لمن خرجوا من مصر خلال السنوات الماضية أو تطبيع علاقاتهم الإدارية والأمنية مع السفارات المصرية في البلاد التي يقيمون فيها، وترك مساحة محدودة من الحركة للجماعة داخل مصر بما يسمح بعزل أي حراك شعبي ساخط على الإجراءات الاقتصادية أو التعديلات الدستورية المرتقبة، وضمان عدم استغلال الجماعة له، وكذلك عزل التنظيمات التي تستخدم العنف المسلح ضد الدولة وكشف الغطاء عنها، ومحاولة تطبيع المناخ السياسي العام في البلد وتهدئة الخواطر ووقف التشنجات من كل الأطراف .

من الطبيعي أن يكون أنصار السيسي معارضين وكارهين للإخوان، وكذلك من الطبيعي أن يكون الإخوان وأنصارهم معارضين وكارهين للسيسي، لكن الخريطة السياسية في مصر وتحولاتها خلال السنوات الماضية كشفت عن تبلور تيار وطني معارض واسع له موقف سلبي من الاثنين، من الإخوان والسيسي، وهو تيار مدني واسع من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وغالبيتهم الساحقة من أبناء ثورة يناير ورموزها وحركاتها، وهو ما يعني أن الجانبين، الإخوان والسيسي، أصبحوا يواجهون خصما مشتركا.

هذه مجرد قراءة أولية لمستقبل المشهد في مصر، من خلال ما ترشح من تسريبات خلال الأسابيع الماضية، ومن خلال قراءة تاريخ العلاقة بين الجماعة والسلطة، الجماعة والجيش، فإلى أي مدى يمكن أن تكون تلك القراءة دقيقة، هذا ما أعتقد أنه ستكشفه الشهور المقبلة، وأتصور أن ملامح تلك المرحلة لن تتأخر أكثر من شهور .