مسيحيو المغرب يتلهفون للقاء البابا قبل زيارة فريدة للمملكة

المملكة حيث الإسلام دين الدولة يحتضن تاريخيا أقلية من المسيحيين منذ العصر الروماني قبل قرون، والمهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء يشكلون في الوقت الراهن غالبيتهم بتراجع أعداد الأوروبيين إثر الاستقلال.
الفضل في إنقاذ الكنائس الموجودة في المغرب من الإهمال يعود في معظمه لتدفق المهاجرين الافارقة
عدد الكنائس الموجودة حاليا في المملكة يقدر بـ 44
أكثر من 90 بالمئة من المسيحيين المقيمين حاليا في المغرب يتحدرون من إفريقيا جنوب الصحراء
الكنسية الكاثوليكية الرومانية تقدر عدد أتباعها في المغرب بما بين 30 ألف إلى 35 ألفا
البروتستانت يشكلون حوالي 3000 فرد

رباط - تجمع حشد من جنسيات مختلفة أغلبهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء أمام مدخل كاتدرائية الرباط، يتهافتون بحماسة للحصول على تذاكر لحضور زيارة البابا فرنسيس الى المغرب السبت والأحد.

ويقول المهاجر من الكونغو برازافيل إيرنولد كومبا (27 عاما) "نحن محظوظون! البابا يحل بإفريقيا ويجمع حوله جاليات من مختلف الآفاق في بلد مسلم. إنه لأمر رائع".

ويزور البابا المغرب بدعوة من الملك محمد السادس الذي يحمل أيضا صفة "أمير المؤمنين"، وتندرج هذه الزيارة في إطار "تطوير الحوار بين الأديان" بحسب وثيقة للصحافة عممتها السلطات المغربية.

يغلب المهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء على الحاضرين خلال قداس أول يوم أحد في زمن الصوم عند الكاثوليك، بينما يظهر وسطهم بعض الأوروبيين من السياح أو "المهاجرين القدامى" كما يصفهم الأب دانيال المسؤول عن أبرشية الرباط منذ 13 سنة.

ويستقبل المغرب منذ التسعينات شبابا من إفريقيا جنوب الصحراء جاؤوا لمتابعة الدراسة مستفيدين من منح جامعية. وأضيف إليهم لاحقا مهاجرون يأملون العبور إلى أوروبا في قوارب الهجرة غير النظامية التي تربط سواحل المملكة الشمالية بجنوب اسبانيا، أو برا عبر جيبي سبتة ومليلية الاسبانيين شمال المغرب.

ويرى الأب دانيال أن المهاجرين من جنوب الصحراء "يعطون نفسا جديدا للكنيسة"، ويضيف متحمسا "لم يسبق أن رأيت كنسية شابة بمعدل سن بين 30-35 سنة".

وساهم هؤلاء في إنقاذ الكنائس الموجودة في المغرب من الإهمال. وتراجع عددها، منذ استقلال المغرب عن الحماية الفرنسية الاسبانية، من 200 إلى 44 حاليا.

وبرحيل الأوروبيين الذين كانوا يعيشون في المملكة آنذاك تراجع عدد المسيحيين عشر مرات، ويتراوح حاليا ما بين 30 ألفا إلى 35 ألفا.

"من كل الشعوب"

يوجد من ضمن الحاضرين القداس 42 مرشحا للتعميد وفق تقاليد الكنيسة الكاثوليكية ينادى على أسمائهم واحدا تلو الآخر. ويتحدرون جميعا من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء "جوليان من ساحل العاج، جازون من غينيا بيساو، إيفيت من الغابون، جان بيار من غينيا كوناكري"...

ويشير أسقف الرباط المونسنيور لوبيز روميرو مخاطبا الحاضرين بلكنة تطغى عليها الاسبانية إلى هذا التنوع "قدمتم من كل الشعوب ومن كل البلدان".

وتعلو ترانيم على إيقاع موسيقى إفريقية، قبل تلاوة تراتيل باللغة البرتغالية ثم الصلاة بالعربية.

وتعلق السائحة القادمة من باريس فلورانس (37 سنة) "إنه لأمر مثير للإعجاب رؤية كنيسة مفعمة بالحيوية".

وينصت المؤمنون بإمعان للتراتيل التي تذكر إحداها "المأساة، الحزن والظلم" الذي تعرضت له شعوب الرحل المطرودة من مصر. ويعاني كثير منهم قساوة الاغتراب في حياتهم اليومية، ويلجأون إلى الكنيسة بحثا عن روابط "الأخوة" كما يسميها المهاجر القادم من ساحل العاج جان باتيست.

وتستطرد مواطنته الطالبة ليزي (20 سنة) التي تستعد بحماس للمعمودية، "لم أكن مؤمنة كثيرا" قبل أن أغادر أبيدجان، لكن "كل شيء تغير" بالنسبة إليها عندما حلت بالمغرب لمتابعة دراستها في الحقوق.

"فرصة فريدة"

تقول سيرفين (24 سنة) إن "بعض المسلمين يعتقدون أننا لا نعبد نفس الرب وأننا سنذهب إلى الجحيم، لكنني آمل أن تكون زيارة البابا فرصة للجمع بين كل الطوائف والأديان".

وتشارك هذه الطالبة الكونغولية في الترنيم منتظرة قدوم البابا "على أحر من الجمر". بينما يشعر إيرنولد كومبا المكلف بالتدريب على الإنشاد أن "الضغط يرتفع" باقتراب موعد الزيارة.

ويرى أسقف الرباط في هذه الزيارة "فرصة فريدة لنرفع من قيمة ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا".

ويمثل "استقبال البابا دليلا على الانفتاح بالنسبة لبلد مسلم" في رأي السائح الفرنسي كزافيي (45 سنة)، الذي يعتنق البوذية ويحضر هذا القداس مرافقا صديقته.

ويوافق محمد على "وجود شيء من الحرية في المغرب مقارنة ببلدان عربية أخرى". وقد اعتنق هذا السبعيني المسيحية بعد أن أقنعته خطب "الأخ رشيد" وهو مغربي ينشط برامج تبشيرية على قناة فضائية متخصصة تبث من مصر.

ويوضح أن العيش كمسيحي في المغرب "ليس دائما سهلا" لكنه يؤكد مفتخرا أنه "لا يتخفى". في حين يفضل المشرفون على أبرشية الرباط "ألا يظهر المسيحيون المغاربة في مقدمة المشهد، نظرا لحساسية الموضوع".

مسيحيون أقلية غالبيتهم مهاجرون

ويحتضن المغرب، حيث الإسلام دين الدولة، تاريخيا أقلية من المسيحيين منذ العصر الروماني قبل قرون. وبات المهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء يشكلون في الوقت الراهن غالبيتهم، بعد بتراجع أعداد الأوروبيين إثر استقلال المملكة.

وتقدر الكنسية الكاثوليكية الرومانية عدد أتباعها في المغرب بما بين 30 ألف إلى 35 ألفا. ويعترف القانون المغربي بهذه الكنسية بموجب مرسوم صدر سنة 1984 قبل أول زيارة قام بها البابا جان بول الثاني للمغرب في آب/أغسطس من السنة الموالية.

ويشكل البروتستانت "حوالي 3000 فرد"، بينما ينتمي باقي المسيحيين المقدر عددهم "ببضعة آلاف" إلى كنائس لا تعترف بها السلطات، مثل الكنسية الخمسينية والكاريزماتية والرسولية، بحسب ما أفاد أكاديمي متخصص في الموضوع وكالة فرانس برس.

ويتحدر أكثر من 90 من المسيحيين المقيمين حاليا في المغرب من إفريقيا جنوب الصحراء. ويتوزع هؤلاء بين الطلبة الذين يتابعون دراستهم العليا مستفيدين من نظام المنح الجامعية، وبين المهاجرين الذين حلوا بالمغرب على أمل العبور نحو أوروبا، سواء النظاميون منهم أو الموجودون في وضعية غير نظامية.

في المقابل تراجعت نسبة المسيحيين الأوروبيين منذ استقلال المغرب عن الاستعمار الفرنسي والاسباني سنة 1956. وكان المغرب يضم آنذاك أكثر من 200 كنسية كاثوليكية وحوالى 300 ألف مسيحي. وتحولت بعض الكنائس إلى مساجد أو مراكز ثقافية وأصاب الخراب بعضها الآخر، بعد رحيلهم.

ويبلغ عدد الكنائس الموجودة حاليا في المملكة 44 يديرها 57 راهبا من 15 جنسية مختلفة، تحت مراقبة أساقفة في طنجة (شمال) والرباط (غرب).

ويمثل الأجانب النسبة الأكبر من المسيحيين الذين يعيشون في المغرب، لكن المملكة تضم أيضا مغاربة اعتنقوا المسيحية. ويقدر مرصد الحريات الدينية عددهم بحوالى 8000 شخص، معظمهم بروتستانت.

وتعلن السلطات المغربية مرارا تبنيها سياسة تحترم قيم التسامح الديني، ويؤكد الملك محمد السادس "أمير المؤمنين" حرصه على الدفاع عن "إسلام معتدل" وحماية الأقليات الدينية.وينص الدستور المغربي على أن "الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية".

ويتمتع المسيحيون الأجانب المرتبطون بكنائس "رسمية"، عمليا، بحرية تامة في ممارسة شعائرهم تحت حماية السلطات. لكنهم لا يحظون بوضع قانوني، مثل ذلك الذي يتمتع به المغاربة اليهود.

في المقابل يضطر المغاربة الذين يعتنقون المسيحية إلى التخفي تفاديا لتبعات رفضهم من المجتمع او ملاحقات وفق قانون يجرم التشير.

تشكل الأقليات الدينية، من يهود ومسيحيين وبهائيين أو شيعة، أقل من 1 بالمئة من سكان المغرب الذين يدينون بالإسلام ويتبعون المذهب السني المالكي.

وكان المغرب يضم طائفة يهودية كبيرة لكن عدد أفرادها تراجع من حوالى 300 ألف إلى نحو 3000 شخص، منذ إعلان قيام دولة إسرائيل ثم استقلال المملكة في الخمسينيات من القرن الماضي.

وفي المقابل لا يعرف بشكل دقيق عدد الملحدين من بين المغاربة، والذين يواجهون في الغالب ردود أفعال سلبية من المجتمع. والحال نفسه بالنسبة لقلة قليلة من النشطاء الذين يطالبون بإلغاء قانون يجرم الإفطار علانية في رمضان.