مشاريع السدود التركية قد تنقلب الى كوارث

اسطنبول - من انجو بيرشفاله
سد حسن اوغرلو: ليس النعمة المنتظرة

يلهب اسمي دجلة والفرات الخيال والرؤى لوديان وفيرة ومثمرة ولدت حضارات قديمة في فجر التاريخ.
وكانت أحلام تركيا وردية عندما بدأت في بناء سدود للري ومحطات الطاقة الهيدرو-كهربائية قبل عشرات السنين على طول الروافد العليا لهذين النهرين الشهيرين.
فقد كان النهران يتدفقان بالقرب من منابعهما عبر ريف قاحل لا يحصل منه إلا على يمكنه من زراعة قدر ضئيل من محصول الحبوب الشتوية أو مراعي متفرقة للأغنام والماعز.
إلا أن الجانب السلبي في مشاريع السدود الكبرى للتحكم في تدفق المياه كان من بينه إثارة نزاع مع دولتي المصب سوريا والعراق، جارتي تركيا العربيتين.
وتحتج الدولتان بشدة على خفض تدفق مصدري المياه الضروريين. وتعتمد سوريا على نهر الفرات في 90 في المائة من مياهها، بينما يعتبر نهرا دجلة والفرات أساسيين للعراق.
ودخلت الدول الثلاث منذ ذلك الوقت في نزاع دائم حول كيفية تقسيم المياه بينها بأسلوب عادل، ويزيد الطين بلة أنه لا يلوح في الأفق أي حل للمشكلة.
ورغم ذلك يعتقد خبراء التنمية أن سيناريو «حرب المياه» في المنطقة "ليس له صلة كبيرة بالحقيقة".
ويعود تاريخ آخر اتفاق يحكم استخدام مياه نهر الفرات إلى 15 عاما. وبمقتضى شروطه تلتزم تركيا بالسماح بمرور 500 متر مكعب من المياه في الثانية إلى سوريا، أي نحو نصف معدل تدفق النهر.
وتريد سوريا - التي أقامت هي أيضا سدودا عديدة عبر النهر من بينها سد الأسد الكبير- المزيد من المياه.
وترد أنقره بأن جيرانها في حاجة أقل للمياه لأن عدد سكانهم أقل وأن التحكم في تدفق المياه في الروافد العليا يفيدهم كذلك.
وتزعم تركيا أن سوريا كانت تضطر في السابق لتحمل الفيضانات في الربيع ونقص مياه في الصيف بينما تحصل الآن على تدفق كميات ثابتة من المياه على مدار العام.
كما تدرك تركيا جيدا القوة التي تتيحها لها سدودها. وكثيرا ما يتم التنويه إلى قول مأثور لسليمان ديميريل، رئيس الوزراء التركي السابق، يشبه فيه صراحة المياه بالبترول.
وكان ديميريل لا يمل من تكرار قوله "إن أيا من يجلس على منبع النهر لديه حق لا يمكن لاي شخص انتزاعه منه".
وفي عام 1990 ذاقت دمشق وبغداد طعم العواقب التي قد تتعرضان لها إذا ما قررت تركيا إغلاق الصنبور. ففي بداية ذلك العام أغلقت تركيا نهر الفرات تماما تقريبا لمدة شهر للبدء في ملئ المرحلة الأولى من سد اتاتورك.
وبالنسبة لتركيا مع ذلك، فقد ثبت أن الري الذي ظنته نعمة لا يأتي بما كانت تتوقعه من مشروعها لجنوب شرق الأناضول، الذي يتوقع الانتهاء منه بحلول عام 2010 بسدوده الاثنين والعشرين ومحطاته لتوليد الطاقة الهيدرو-كهربائية وريه لمساحة تقدر بحوالي 1.7 مليون هكتار.
فقد جلب الري واسع النطاق المصحوب بعدم كفاية الصرف مشاكل خطيرة متعلقة بدرجة الاملاح في التربة. وأشار تقرير رسمي صدر مؤخرا إلى أن هناك في المنطقة الواقعة حول "اكجاكل" بسهل "حران"، بالقرب من الحدود السورية، نحو 15 ألف هكتار لم تعد قابلة للزراعة نتيجة لذلك.
كما أثار مشروع المياه التركي الهائل انتقادات خارج العالم العربي. فقد غمرت المياه مواقع ذات أهمية تاريخية وثقافية وأعيد توطين عشرات الآلاف من الأشخاص.
إضافة إلى ذلك يشعر خبراء البيئة بالقلق إزاء الأثر البيئي للسدود الضخمة التي ثبت ضررها في مختلف أنحاء العالم بعد أن كانت حلم التنمية للبلدان الفقيرة.
وأصبح مستقبل مشروع سد "ايليسو" على نهر دجلة الآن غير مضمون ومشكوك فيه. وبعد انسحاب شركة "سكانسكا" السويدية وشركة "بالفور بيتي" البريطانية من اتحاد شركات كونسورتيوم يقوم ببناء السد، انسحب أيضا بنك يو.بي.اس السويسري الذي كان مسئولا عن التمويل.
ولم يكن السبب الرئيسي الذي ساقته تلك البنوك لانسحابها متعلقا بمشاكل في التمويل أو بالتوترات السياسية بل كان راجعا إلى الآثار السلبية للاضطرار لتهجير السكان وإعادة توطينهم فضلا عن الاضرار المحققة التي تلحق بالبيئة.