مشروع قانون في لبنان لتقييد التحويلات المالية للسوريين
بيروت - تقدّم عدد من النواب اللبنانيين بمقترح قانون عاجل ينص على "حظر تحويل الأموال من الخارج إلى النازحين السوريين في لبنان"، في خطوة تعكس تداخلاً بين البعد الاقتصادي والرسائل السياسية، وتأتي بالتزامن مع تحرّكات متسارعة لإعادة اللاجئين إلى سوريا في ظل ما يُوصف بتحسن تدريجي في الأوضاع الأمنية هناك.
ويأتي الاقتراح الذي تقدم به أربعة نواب، معظمهم من التيار الوطني الحر، في وقت تشهد فيه العلاقات اللبنانية السورية فتوراً متزايداً، خصوصاً بعد سلسلة من التوترات الحدودية، والاتهامات المتبادلة بشأن مسؤولية التهريب وخرق السيادة، بالتوازي مع سعي بيروت لتقليص أعباء ملف النزوح السوري الذي بات يشكل أحد أعقد الملفات اللبنانية الداخلية.
وقد صرح النائب آلان عون، أحد مقدمي الاقتراح، لصحيفة " الشرق الأوسط" أن الهدف الأساسي من القانون هو "تحفيز عودة النازحين السوريين إلى بلادهم"، مؤكداً أن "الجزء الأكبر من النزوح هو نزوح اقتصادي"، أي أنه لا يندرج ضمن خانة اللجوء السياسي أو الأمني بالمعنى الدقيق، ما يبرر، بحسب وجهة نظره، اتخاذ إجراءات تشجع العودة الطوعية.
الهدف الأساسي من القانون تحفيز عودة النازحين السوريين إلى بلادهم
ورغم أن مبررات القانون تتعلق بشكل مباشر بتقليص الأعباء المالية عن الدولة اللبنانية—التي قدّرت تكلفة استضافة النازحين السوريين بما يزيد عن 3 مليارات دولار سنوياً—فإن توقيت هذا الطرح لا يمكن فصله عن السياق السياسي والإقليمي، وخصوصاً عن المساعي اللبنانية الجديدة لمقاربة ملف النزوح من منطلق سيادي لا يغفل العلاقات المتوترة مع دمشق.
ويشير مراقبون إلى أن القرار يحمل في طيّاته رسائل غير مباشرة إلى الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، الذي ينظر إليه في الأوساط اللبنانية بعين من التوجس، لا سيما في ظل اتهامات ضمنية لسوريا بتأخير حل الأزمة عبر عدم تقديم ضمانات كافية لعودة النازحين، وترك الملف مفتوحاً.
وقد وجد الاقتراح دعماً لدى أطراف متعددة، وإن بدرجات متفاوتة، حيث رأى النائب بلال عبدالله من كتلة "اللقاء الديمقراطي" أن القانون يُعدّ "وسيلة قانونية لحثّ المنظمات الدولية على تقديم مساعداتها داخل سوريا بدلاً من لبنان"، نافياً الطابع العنصري عنه، ومؤكداً أن الطرح يندرج ضمن محاولة لبنانية واقعية للتقليل من الضغوط الهائلة التي يتحملها البلد المنهك اقتصاديًا.
من جهته، اعتبر النائب قاسم هاشم من كتلة "التحرير والتنمية" أن "المنظمات الدولية تمارس ضغوطاً على لبنان للإبقاء على النازحين، عبر تقديم الأموال والإغراءات لهم"، مشدداً على ضرورة تحويل هذه المساعدات إلى الداخل السوري، بما يدفع نحو إعادة الإعمار وتنمية المجتمعات هناك، عوضاً عن تكريس واقع اللجوء في لبنان.
ورغم محاولات مقدّمي المشروع نفي الطابع التمييزي عنه، إلا أن جمعيات حقوقية وإنسانية عبّرت عن قلقها من تداعيات هذا القانون في حال إقراره، لا سيما على فئات من النازحين الذين يعتمدون على التحويلات الخارجية لتغطية الحاجات الأساسية في ظل غياب فرص العمل وتدهور الخدمات.
ويشير البعض إلى أن التضييق المالي قد لا يسرّع العودة الطوعية، بل ربما يدفع فئات واسعة نحو مزيد من التهميش أو حتى الهجرة غير الشرعية إلى دول أخرى، ما يفتح الباب على تحديات أمنية واجتماعية جديدة في لبنان والمحيط.
ويأتي القانون في وقت بدأت فيه أطراف لبنانية وعربية بالدعوة إلى إعادة السوريين إلى بلادهم، خاصة بعد تراجع وتيرة العنف في سوريا، وتزايد الحديث عن "الاستقرار النسبي" تحت إدارة الرئيس الشرع. إلا أن هذه العودة ما زالت تواجه عقبات قانونية وأمنية، فضلاً عن انقسام دولي بشأن التعاطي مع النظام السوري الجديد.
ويرزح لبنان، الذي يستضيف أكثر من 1.5 مليون نازح سوري، تحت ضغط اقتصادي خانق، ويواجه صعوبة في إدارة ملف النزوح الذي بات مرتبطاً بملفات دولية كبرى، أبرزها إعادة الإعمار، والعقوبات، والدور الإيراني في سوريا، وكلها ملفات شديدة التعقيد.
ومشروع قانون "حظر تحويل الأموال للنازحين السوريين" ليس مجرد إجراء تقني – إنه مؤشر واضح على تغير في المزاج السياسي اللبناني حيال ملف النزوح، وانتقال الخطاب من استيعاب الأزمة إلى محاولة إعادة هندستها عبر الضغط المباشر وغير المباشر. وبين النوايا الاقتصادية والتفسيرات السياسية، يبقى اللاجئ السوري هو الحلقة الأضعف في معادلة تتداخل فيها حسابات الأمن والسيادة والسياسة الإقليمية.