مشكلة الربِّا.. آلية عمل البنوك الإسلامية

ربط ربا الجاهلية بفوائد البنوك عمل أريد من ورائه إخافة الزبائن ودفعهم لوضع أموالهم في البنوك الإسلامية، وبالتالي تحقيق الربح، حتى أن البنوك الأجنبية انتبهت لهذه المسألة وفتحت شبابيك إسلامية وتبعت المنهج نفسه بدون ضجيج إعلامي كبير.

بقلم: حسين سميسم

تحصل البنوك الإسلامية على أموال مختلفة غير مخصصة للتجارة ولا للاستثمار مثل المال المخصص للصدقة والقرضة الحسنة، وأموال الزكاة والاوقاف، وأموال القاصرين، والحساب الجاري والامانات، وكذلك اموال الناس المودعة لديه (دون ربح) و لمدد غير محددة، وهي اموال من لا يريد التورط بمعاملات قد تصيبها الشبهة الشرعية (حتى في البنوك الاسلامية). كما يستقطع البنك حصة تعادل ثمن(1/8) مبالغ الزكاة التي هي حصة العاملين عليها (توزع الزكاة على المصارف الثمانية التالية: لله، والرسول، (وفيها خلاف يقول الشيعة بانها مخصصة لأبناء الرسول وهم السادة،) ولذوي القربى،( وهي حصة يخصصها الشيعة للسادة،) وللغارمين (الذين ركبتهم الديون في غير معصية )، والفقراء والمساكين، وابناء السبيل (المسافر المنقطع به)، وفي الرقاب(يعني تحرير العبيد من الرق)، وللعاملين عليها (وهي البنوك الاسلامية)( انظر السياسة المالية ص 144 د. سلام سميسم).

قد يستقطع البنك حصصا اكثر من حصة العاملين عليها مثل حصة الله والرسول وذوي القربى الذين لا يوجد احد وكيل عنهم، كذلك الفقراء والمساكين في حالة عدم وجودهم في مناطق النفط، وابناء السبيل الذين لا يأتون في العادة الى البنوك لأخذ مساعدة، وفي الرقاب حيث لا يوجد عبد يحتاج الى اموال الزكاة لشراء حريته. وتلك الاموال تشكل نسبة عالية من رأسمال البنك، وتسجل على الورق لصناديق مخصصة. أقول على الورق لأن أموال البنك بمجموعها واحدة وهي تشكل رأسمال البنك، يعني ان البنك يستطيع بهذه الاموال ان يدخل في مضاربة لشراء الاسهم، كما يمكنه ان يستخدمها في عمليات السحب المباشر، ولا تأخذ هذه الأموال حصة من أرباح البنك، ويستطيع البنك من خلال عمليات المرابحة القصيرة الأمد استخدامها ويحوز على كل ارباحها دون مشاركة من أحد. وهي ميزة لا تتوفر للبنوك التقليدية ولا الأجنبية وهي أموال هائلة يسيل لها لعاب تلك البنوك.

إن أرباح البنك تأتي من الخدمات البنكية التي يقدمها لزبائنيه، حيث يحصل على عمولات خدمية، كذلك يقوم البنك بصرف الكمبيالات، وفتح الاعتماد المستندي، وعقود الوكالة والحوالة وعقود الضمان والتحويلات المصرفية والصرافة، وتأجير الصناديق التجارية، وبيع الاسهم...الخ. وكل هذه العمليات متشابهة مع عمل البنوك التقليدية، اما التعاملات التي يعتبرها البنك اسلامية خالصة وتختلف مع البنوك التقليدية، وتحقق الربح الحلال الذي لا يدخله التعاملات الربوية كما يحقق البنك أكثر أرباحه منها وهي:

  • المرابحة: عملية شراء سلعة من البائع يقوم البنك بشرائها حسب رغبة المشتري الذي يحدد السلعة وكميتها ونوعها ومكانها، حيث يطلب المشتري من البنك شراء تلك البضاعة، فيدفع البنك سعرها كاملاً للبائع، ويبيعها البنك للمشتري بسعر أعلى من سعر الشراء بالآجل، فيحقق البنك ربحا للمودع الذي يوكل البنك بالشراء، فيقتسم البنك الربح المتحقق مع المودع بعد أن يعرف نسبة الربح، فيدفع الربح للمودع شهرياً طيلة فترة تسديد الأقساط من قبل المشتري. أما في البنوك العادية فان المشتري يأخذ سلفة من البنك لأمد محدد وبنسبة معروفة وبضمان وشرط يتفقان عليه، ويعتمد البنك غالبا على نسبة الفائدة التي يعطيها للمودع. إن النسبة التي يعطيها البنك العادي للمودع فهي معروفة وواضحة ويعرف الزبون كذلك المردود السنوي لمدخراته، أما البنك الإسلامي فإنه يأخذ نسبة البنوك العادية بنظر الاعتبار لكنه لا يحدد نسبة ثابتة من الفوائد على الوديعة. ومن خلال التجربة وجد أن عوائد البنوك الإسلامية للزبون أقل منها في البنوك العادية. وارباح البنوك الاسلامية أكثر مقارنة بالبنوك العادية، ويجري ذلك على حساب المودع والمقترض. كما يدعي البنك لزبائنه من المودعين بأنه اشترى لهم رزا او حديدا، لكي يتحولوا من مودعين الى مشتري بضاعة، ويدفع له البنك مبلغا اعلى من مبلغ الوديعة كأرباح الشراء الصوري الذي لم يحدث. إن المرابحة هي افضل طريقة يفضلها البنك الإسلامي نظرا لسرعتها ووضوحها وقلة خسائرها وهي تشكل حوالي 98٪ من عمل غالب البنوك الاسلامية.
  • المضاربة: أن يعطي الرجل للرجل المال على أن يتجر به او يستثمره على جزء معلوم من ربح المال مما يتفقان عليه ثلثا أو ربعا أو نصفا(ابن رشد بداية المجتهد، ص 385). والمضاربة أما مطلقة بدون تحديد نوع البضاعة ونوع العمل ولا تاريخ الانجاز، وأما مقيدة تتحدد بمشروع معين وبتاريخ محدد. وتتحمل المضاربة الربح والخسارة، ويتحمل صاحب المال وحده الخسارة والمقاول يخسر عمله فقط إن لم يثبت عليه تقصير أو إهمال، وبسبب ذلك لا يرغب البنك في التوسع بالتمويل، وقد ثبت بان البنوك السعودية لا تتعامل بالمضاربة إلا بنسبة تقل عن 2٪ من حجم التمويل، لكن شيوخ الفضائيات الإسلامية لا يبرزون إلا المضاربة في مناقشاتهم ويعتبرون المضاربة بنسبتها تلك هي فخر البنوك الإسلامية نظرا لآثارها في البناء والإعمار وتطور البلدان.
  • العينة: أن يبيع الرجل سلعة إلى أجل ثم يشتريها من المشتري بسعر عاجل أقل، ويعني ذلك أن السلعة لم تتحرك والبيع والشراء تم في مجلس واحد. وهي عملية تتم خارج البنك، وهي من الناحية العامة جائزة لكن الفقهاء حرموها.
  • التورق: أن يشتري الرجل من بائع بثمن محدد بالأجل ثم يبيع السلعة نفسها لبائع آخر بسعر اقل، فيحصل المشتري على مبلغ يتصرف به، وهو بيع يتم بواسطة البنك الإسلامي، وقد أحل الفقهاء هذه الطريقة لأنها تمت في مجلسين مختلفين. وهذه الطريقة والطريقة التي سبقتها هي التفاف على الهدف والنتيجة تبقى نفسها فائدة مقابل فائدة.
  • بيع السلم أو بيع السلف: عملية تسليف صاحب مشروع أو مزرعة مبلغ من المال لغاية إنتاج بضائعه أو نضج مزروعاته، وسيشتريها البنك بسعر أقل من القيمة السوقية فيحقق ربحا يعطي منه جزء للمودعين، ومن المعلوم أن البنك يشتري سلعة غير موجودة ولا يستلم في نهاية المدة ولا يبيعها، بل هو شيء اعتباري، أي أن البنك أعتبر نفسه شاريا وبائعا وهو لا يغادر مكانه، وهذه الاعتبارات تغطية وتهربا من كلمة القرض والفائدة. وتوجد عملية شبيهه ببيع السلم يطلق عليها الاستصناع وهي تخص المعامل، فقد يأخذ المعمل تمويلاً من البنك لشراء ماكنة أو بضاعة يحتاجها المعمل وسيسدد بعد مدة عنها منتجا يباع للبنك بسعر أقل من السوق، وسيستلم البنك أرباحا أعلى من التمويل الذي أعطاه البنك للمعمل عن بضاعة لم تكتمل صناعتها، ثم يبيعها المعمل ويعطي البنك سعرا اعلى من قيمة السلفة.
  • الإجارة: طريقة ربحية مشابهة للطرق التي تستعملها البنوك العقارية او البنوك التي تعطي قرضا لشراء البيوت او العقارات، وتتلخص بإعطاء البنك سلفة للشخص الذي يريد شراء بيتا، وتحدد أجلها وتحسب نسبة الربح مع إضافة نسب التضخم، وسيرهن البيت للبنك، وسيعطي المشتري مبلغا شهريا بدلا عن تأجير البيت نفسه للمشتري لمدة يحددها البنك على أن تنتهي العملية بالتمليك، وفي نهاية المدة يصبح البيت ملكا للمشتري. وهذه الطريقة لا تختلف عن القرض العقاري العادي لان الفائدة داخلة مع الايجار. وتطبق البنوك الأجنبية التي فتحت نوافذ إسلامية في الغرب الطريقة نفسها.
  •  البيع بالآجل: البيع بالآجل بثمن أكثر من ثمن الحال بيع صحيح، وهو بيع جائز في كل الاصناف عدا العناصر الستة الذهب والفضة والتمر والحنطة والشعير والملح، وأرى أن الحكمة في تبديل هذه الأصناف السته بمثيلتها مخفية أو غير موجودة أصلاً. وتتم هذه العملية عن طريق تسليف البنك المشتري مبلغاً يقسمه شهرياً بأقساط، ويكون مجموع الأقساط أكثر من السعر الأصلي، والبنوك التقليدية تقوم بالعمل نفسه.

إن من يلاحظ التعاملات البنكية المذكورة يلاحظ تشابهها وتطابق حقيقتها مع البنوك التقليدية حكومية كانت أو أهليه، وقد تضاف ميزة للبنوك الحكومية والأهلية هي خضوع تعاملاتها لرقابة البنك المركزي الذي يضمن أيضا حقوق المودعين ويشرف عليها، وهي أوضح في تعاملاتها مع الزبون ولا تكلفه خسارة ما ولا تفرض عليه زكاة أمواله. وقد أنتبه الشيخ علي جمعة والسيد طنطاوي وآخرون لذلك فأجازوا التعامل مع البنوك التقليدية، وتركوا الأمر تخييريا للناس في التعامل مع البنوك الإسلامية أو التقليدية. وكان لدور الدولة والخراب الذي تسببه البنوك الإسلامية لبنوكها الأثر الأكبر فيما أفتوا فيه، إضافة إلى معرفتهم الدقيقة بعدم اختلاف البنوك الإسلامية مع التقليدية، فأفتوا بجواز التعامل مع البنوك التقليدية، ويمكن القول بأنهم أفتوا انحيازاً لمصلحة الدولة، وهي قضية عقلائية لا تحتاج إلى استنباط شرعي نصي أو روائي، وقد تجد مواقف أخرى معاكسة تنحاز لسلطة النص وليس لمصلحة الدولة (ليس السلطة). لكنهم رغم هذا الانحياز لمصلحة الدولة فسروا الأمر دينياً بحكم عملهم كرجال دين.

كما أفتى السيد علي السيستاني المرجع الشيعي بجواز التعامل مع البنوك التقليدية نظراً لعدم وجود البنوك الإسلامية في العراق، ونظراً لمعرفته بأنها لا تختلف عن البنوك التقليدية. إننا لو تابعنا واعدنا قراءة المقالة الأولى لتبين أن الحرمة المختلف عليها هي حرمة مقيدة بزمانها وبأسبابها التي ذكرناها في تلك المقالة. إن ربط ربا الجاهلية بفوائد البنوك عمل أريد من ورائه إخافة الزبائن ودفعهم لوضع أموالهم في البنوك الإسلامية، وبالتالي تحقيق الربح، حتى أن البنوك الأجنبية انتبهت لهذه المسألة وفتحت شبابيك إسلامية وتبعت المنهج نفسه بدون ضجيج إعلامي كبير، وأوكلت هذه المهمة للقنوات الفضائية الخليجية.

حلقة من سبع حلقات تُنشر تحت عنوان "مشكلة الرِّبا"