مشكلة الرِّبا.. بنوك الإخوان المسلمين

أسماء المعاملات البنكية جعلوها بأسماء تناسب المصطلحات الواردة في النصوص القديمة كالمرابحة والمضاربة والعينة والتورق والتأجير بدل القروض والفوائد والوديعة والعائد، وظلت الاهداف والمقاصد موحدة وهي تحقيق الربح.

بقلم: حسين سميسم
التحق السلفيون مؤخرا بركب البنوك الإسلامية، واستقطبوا بسرعة تتناسب مع امكانياتهم المالية افضل الكفاءات من اساتذة جامعات ومن فقهاء لدراسة الاقتصاد. الإسلامي وتقديم المقترحات لعمل البنوك دون الدخول في مشكلة الربا، او بالأحرى البدء بشق طريق آخر لا يمت شكلا للبنوك الرسمالية التقليدية، ووضعوا آلية عمل البنوك على المشرحة ورفعوا اسماء المعاملات البنكية وبدلوها بأسماء تناسب المصطلحات الواردة في النصوص القديمة كالمرابحة والمضاربة والعينة والتورق والتأجير بدل القروض والفوائد والوديعة والعائد، وظلت الاهداف والمقاصد موحدة وهي تحقيق الربح.
اشترك في عملية اعادة التسمية مجموعة من السلفيين ممن اشترك بالحركة السياسية خلف حركة الإخوان المسلمين المتسلفة، حيث وجد الكثيرون من الاخوان في دول الخليج خلال الحقبة الناصرية، وولدت من هذه الخلطة مجموعة جديدة متكونة من اصحاب المال ومن أصحاب مشاريع التدين السياسي، وظهرت من هذا الخليط مراكز مالية كبرى هي البنوك الإسلامية كما خرجت في نفس الوقت من تحت عباءتهم معظم الحركات الإسلامية المتطرفة، فتجمع التركز المالي والتطرف الجهادي واصبح الاول في خدمة للثاني، فقد التقى الفكر الديني السياسي بالمؤسسة السلفية، وغذى حركة الجهاد، فانتج قوة بديلة لحركة التحرر الوطني العربي وحركات اليسار المختلفة واكتسح الساحة الشبابية موفرا لهم عملا ومالا ومشاريعا سياسية.
شيد السلفيون من الإخوان مراكزا دينية خاصة بهم للانفصال عن المراكز الدينية الرسمية كالأزهر، وكونوا بدائل كمرجعية اممية تنافس الأزهر وتحل محله، وهي خطوة مهمة تبيح لهم الفتوى من غير المرور بالأزهر وتنافس المراكز الجديدة وتتفوق على فتوى المراكز الرسمية المرتبطة بالسلطة، وهم يعلمون ما للفتوى من تأثير على المجتمع، لان الفوز بالساحة الاقتصادية لا يكتمل الا بالاستحواذ على الساحة الفكرية والدينية، فقد بدأ التشكيك بكل الاحكام الصادرة من الازهر، واصبح الهجوم على ممثليه ورموزه سياسة يومية، واخترقوا المؤتمرات الإسلامية التي اصبحت قراراتها واحكامها بدائلا عن مرجعية الازهر، واختطوا طريقا فكريا متطرفا عماده الطائفية الدينية والتزمت الديني والتكفير، وشنوا حملة شعواء ضد الدول التي لا تدين بالإسلام السلفي، وكانت احدى مفردات حملتهم الهجوم على البنوك الحكومية والعقارية والزراعية والصناعية باعتبارها بنوكا ربوية يحرم التعامل معها، وطلبوا من الذين تلوثت ايديهم بالفوائد البنكية الحكومية او ممن لديهم حسابات فيها التوبة وعدم الرجوع لممارسة هذا الاثم.
استخدم شيوخ الفضائيات كل الوسائل الاعلامية في الهجوم على البنوك الحكومية للدعاية لما يسمى بالبنوك الإسلامية التي تزايدت بأعداد قل نظيرها حتى بلغت حوالي 500 بنكا، ويوجد برنامج يسمى (دين ودينار) في احدى الفضائيات يستضيف رؤساء اللجان الشرعية في البنوك للدعاية للبنوك الإسلامية، وهي دعاية مركزة ترهب الناس وتجعلهم على شفا جهنم لو لم يضعوا اموالهم في تلك البنوك الإسلامية، ويخلق هذا البرنامج في نفس الوقت رأيا اجتماعيا مفروضا هدفه ردع الناس عن الدخول الى دائرة ما لا يرضاه شيوخ البنوك، ويشيع ثقافة الحلال والحرام في كل خطوة وحركة، فيرتبط المواطن اجتماعيا ونفسيا ودينيا بهؤلاء وينسى ان هدف البنك هو الربح ليس إلا.
لقد كان هدف الهجوم على كل البنوك الاهلية والحكومية التي لم تخضع لسلطانهم هو الانتصار دينيا وشرعيا على تلك البنوك من جهة ومن جهة اخرى رفع شأن البنوك. الإسلامية لزيادة مدخراتها ورفع عائديتها وارباحها، وهو الهدف الاساسي، فاضطرت بعض البنوك لفتح شبابيك اسلامية في فروعها لصد هذا الهجوم وتدارك اوضاعها. وقد افتى فقهاء البنوك. الإسلامية بتخصيص جزء من عائداتها لحركة الجهاد، كما طلبوا من المتأثرين بالتدين السياسي ممن لديهم حسابات ربوية في أوروبا وامريكا بالتبرع بفوائدها لحركة الجهاد في تلك الدول. (انظر علي السالوس، الاقتصاد الإسلامي. القضايا الفقهية المعاصرة ص 640). كما لعبت عوامل خارجية اخرى في شيوع البنوك الإسلامية منها اقدام ضياء الحق على تحويل كل بنوك الباكستان الى بنوك اسلامية، وحذا السيد الخميني وعمر البشير حذوه، ورغم مرور اكثر من اربعة عقود على انشاء البنوك الإسلامية مازالت تجربتها متعكزة على البنوك العادية بسبب العوامل التالية:
1- مازالت البنوك المركزية (التي تتعامل معها كل البنوك) تتعامل بالفائدة وتحدد قيم الفائدة العامة، وتخضع البنوك المحلية لوضع جزء من أموالها كوديعة ربوية عند البنوك المركزية.
2- تتناسب هذه البنوك مع الاقتصاد البسيط غير المعقد، وتشبه ادارتها الى حد كبير ادارة بيت مال المسلمين.
3- يعين البنك الإسلامي مجلسا شرعيا يراقب توافق المعاملات البنكية مع الشرع الإسلامي، ولغرض تمرير المعاملات المختلفة لابد من المرور على المجلس الشرعي الذي يقرر خلوها من الحرام فيعتمدها البنك. وهذه العملية ليست سهلة وتحتاج الى توضيح أكثر كما يلي:
يوجد لكل بنك مالك ومساهمون، ويهدف مالك البنك تحقيق الارباح، وبعكسه يتحول البنك الى جمعية خيرية لا تهدف للربح، ويتحقق نجاح البنك بالسيطرة على السوق التجارية والصناعية وذلك بكسب اكبر عدد ممكن من الزبائن ممن يريدون وضع اموالهم في البنك او استثمار اموال البنك في مشاريعهم، والبنك لا يعمل بمفرده حيث، تنافسه بنوكا اسلامية او حكومية واهلية اخرى، لذلك يسعى الى جلب الزبائن باتباع طرق عديدة نذكر منها : -- تحريم العمل والتعامل مع البنوك التي لا تدعي اسلمة معاملاتها وهي البنوك الحكومية والعقارية والزراعية والتجارية وسحب البساط الشرعي من تحتها، والغرض معروف وهو الضغط الديني الشعبي على المودعين لسحب اموالهم من تلك البنوك وتوظيفها في البنوك الإسلامية، وقد كرست بعض البنوك الخليجية برامجا تلفزيونية عديدة تخص تحريم التعامل مع البنوك غير الإسلامية، وهي تستخدم شيوخ الفضائيات في تلك البرامج. -- الاعلان عن تشكيل لجنة اسلامية استشارية من خارج البنك في بعض الاحيان، وثابته ( موظفين ) في احيان اخرى، ومن المهم ان تكون صور اعضائها واسمائهم تزين باحة البنك لخلق مسحة من القدسية والشرعية على عمل البنك، ويستخدم البنك أسماءً لامعة توفر الاطمئنان للمودعين، ويحبذ ان يكون على راس اللجنة احد شيوخ الفضائيات، وكان القرضاوي على رأس عشر لجان مرة واحدة، وهو بهذه المهمات الكثيرة سوف لن يدقق معاملات البنك لان وجوده هو فقط لإعطاء مسحة اعلامية من الحلال والطمأنينة للزبون، وهي ميزة تتنافس بها البنوك الإسلامية مع بعضها، وكلما كان اسم المستشار الشرعي معروفا امكن جذب اكبر عدد من الزبائن الى هذا البنك. يختار البنك لجانه الشرعية في الغالب من العناصر اللينة وليست الدينة (حسب تعبير د. رفيق المصري)، ممن يبصمون على شرعية المعاملات البنكية التي تحقق ارباحا تبرر تعيينهم وتحلل(رزقهم)، خاصة وان الرواتب التي تتقاضاها اللجان الشرعية هي من ارباح البنك، ومتى ما تعارض الشرع مع الربح فان الربح هو الاقوى في تلك المعادلة، ومن اجله شيد البنك.
وفي مثل هذه الحالة تتحمل اللجنة مسؤولية اقرار عدم حرمة المعاملة البنكية حتى لو تعارضت مع الشرع، وفي مثل هذه الحالة يجب على المستشار الشرعي اكتشاف حيلة شرعية لتمريرها، واصبحت البنوك الإسلامية ميدانا للمنافسة بين الحيل الشرعية، وبذلك يصبح العضو اللين مطلوبا للعمل، ويستبعد عضو اللجنة الدّين الذي يسبب خسائرَ للبنك.
من المشاكل التي تعانيها البنوك الإسلامية هي نقص مؤهلات عضو اللجنة، حيث لا نجد من جملة اعضاءها من تأهل وحصل على شهادة بالأدارة والاقتصاد مع شهادة معترف بها بالشريعة الإسلامية، وهي مشكلة تصبح اللجنة الشرعية معها ديكورا يزين واجهة البنك فقط، وتكون اراءها غير ملزمة لان مدير البنك هو صاحب القرار وهم تابعون. ان اللجان الاستشارية محددة بين حد الربح الذي من اجله شيد البنك وبين رضى الله عن صحة المعاملة ومطابقتها لأوامره الربانية وخلوها من الحرام. وبينهما مسافة خالية من نصوص وسنة، وقد توجد نصوص عامة يستحيل معها الاستدلال على ارادة الله في شرعية معاملة تجارية حديثة هدفها الربح. وهذه المشكلة تواجه المستشار الشرعي وتجعله يتحرك بين ارادتين ارادة مدير البنك وارادة الله، وهو موظف عند مدير البنك، فيقترح وضع المال المستثمر بصيغة ظاهرها حلال وباطنها الربح، فيجمع المستشار التخريجات الشرعية التي اجتهد بها الفقهاء وهي اجتهادات يظنون بان الله يرضى بها، فيتابع حركة المال وشرعية العقد من يوم وضع الزبون وديعته في البنك، فيختم على العقد بموافقته للشريعة الإسلامية، وبسبب تكرر شكل الودائع ومعرفة البنك المسبقة بتوافق العقد مع الشريعة الإسلامية اصبحت المعاملة روتينية وليست بحاجة الى رأي المستشار، لكنه يضع الختم لكي يمنح الزبون صكا شرعيا يبعده عن جهنم، وسيبقى ختم المستشار الشرعي من الروتين المصاحب لهذه العملية، كما يكلف المستشار بدور آخر وهو امامة الموظفين وقت الصلاة ووعظهم وتذكيرهم بعذاب جهنم. وفي المقالة القادمة سألقي الضوء على آلية عمل البنوك الإسلامية.