مشورات قدمها الهاشمي للكاظمي عجّلت باغتياله

مطلعون على دهاليز السياسة في العراق لا يفصلون بين اغتيال المحلل الأمني العراقي والصراع القائم بين رئيس الوزراء والفصائل الشيعية الموالية لإيران.
مقتل الهاشمي يعمق المواجهة بين الكاظمي وميليشيات إيران
تحركات الكاظمي ضد فصائل إيران جريئة لكن الفشل أظهر محدودية سلطاته
الخزعلي والأسدي يتهمان الكاظمي باستهداف ميليشيات الحشد الشعبي

بغداد - تتكشف يوما بعد يوم أسباب تبدو موضوعية ومنطقية تفسر في جانب كبير منها دوافع اغتيال المحلل الأمني العراقي والمستشار السابق للحكومة هشام الهاشمي، فقد اتضح أن الرجل كان يقدم المشورة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي للحدّ من نفوذ الفصائل الشيعية الموالية لإيران وإخضاع الجماعات شبه العسكرية الأصغر لسيطرة الدولة وإنهاء سيطرة تلك الميليشيات المسلحة على المنطقة الخضراء.

وتبدو مهمة الكاظمي انتحارية بكل المقاييس، فالرجل الذي تولى رئاسة الحكومة بشق الأنفس وبعد انتزاع شبه إجماع من الكتل البرلمانية، لم يعد يملك خيارات كثيرة فإما مواجهة تلك الفصائل المسلحة أو التراجع وفقد الاعتبار، وفق ما يرى مطلعون على دهاليز السياسة بالعراق.

وتحدث رئيس الوزراء العراقي بلهجة قوية بعد اغتيال هشام الهاشمي المستشار السابق للحكومة والذي كان يعمل محللا سياسيا، وتعهد بتعقب قتلته وكبح تصرفات الفصائل المسلحة.

لكن المواجهة بين الزعيم العراقي الصديق للولايات المتحدة، والفصائل المسلحة القوية المدعومة من إيران والتي يُحّملها أفراد مقربون منه المسؤولية عن قتل هشام الهاشمي يوم الاثنين، تشير إلى مدى صعوبة هذا الأمر.

ويقول مسؤولون حكوميون وسياسيون ودبلوماسيون إن سلسلة التحركات الجريئة من جانب الكاظمي خلال أول شهرين له في السلطة والتي تضمنت مداهمتين لم يُكتب لهما النجاح للقبض على مسلحين، أظهرت محدودية سلطاته في مواجهة جماعات معادية لها نفوذ في مؤسسات الدولة.

كتائب حزب الله تحدت الكاظمي باستعراضات مسلحة في المنطقة الخضراء
كتائب حزب الله تحدت الكاظمي باستعراضات مسلحة في المنطقة الخضراء

وتولى الكاظمي رئاسة الحكومة العراقية في مايو/أيار خلفا لعادل عبدالمهدي الذي عمقت الجماعات العراقية المسلحة الموالية لإيران نفوذها في سياسة البلاد واقتصادها إبان فترة حكمه.

وأُطيح بعبدالمهدي العام الماضي أثناء احتجاجات حاشدة مناهضة للحكومة قُتل خلالها مئات المحتجين.

وقُتل الهاشمي وهو محلل معروف قدم المشورة للحكومة بشأن هزيمة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وكبح نفوذ الفصائل المسلحة الشيعية الموالية لإيران، برصاص مسلحين اثنين على دراجة نارية أمام منزل أُسرته في بغداد يوم الاثنين.

وينفي مسؤولو فصائل شبه عسكرية متحالفة مع إيران أي دور لهم في الجريمة. وعبّر بعض أنصار تنظيم الدولة الإسلامية عن سعادتهم بموته، غير أنه لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن قتله كما لم تشر الحكومة بأصابع الاتهام إلى جماعة بعينها.

ويقول بعض المقربين من الكاظمي إن القتل مرتبط بشكل مباشر بعمل الهاشمي في الآونة الأخيرة ضد الجماعات الموالية لإيران.

وقال مسؤول حكومي كان تحدث مع الهاشمي بخصوص تهديدات تلقاها الراحل "تلقى تهديدات عبر الهاتف من رجال ينتمون لفصيل مسلح قبل ثلاثة أيام من مقتله، يحذرونه بشأن نشر مقالات".

وقال المسؤول ومصدر حكومي ثان مقرب من الكاظمي إن الهاشمي كان يُقدم مشورة بخصوص خطط للحد من نفوذ الفصائل الموالية لإيران وإخضاع الجماعات شبه العسكرية الأصغر المعارضة لإيران لسيطرة الدولة، مضيفا "قتل لهذا السبب. اعتبروا عمله بمثابة تهديد وجودي لهم".

وأضاف المصدران أن عمل الهاشمي كان يتطرق كذلك إلى كيفية انتزاع السيطرة على المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد والتي تضم مكاتب حكومية وسفارات أجنبية، من الجماعات المتحالفة مع إيران.

مصطفى الكاظمي زار عائلة المغدور هشام الهاشمي لتقديم واجب العزاء
مصطفى الكاظمي زار عائلة المغدور هشام الهاشمي لتقديم واجب العزاء

وأظهرت تلك الفصائل شبه العسكرية مدى تمكنها من اجتياح المنطقة الخضراء الشهر الماضي بعد أن اعتقلت القوات العراقية 14 فردا من مقاتلي جماعة متهمة بالتورط في شن هجمات صاروخية على منشآت أميركية.

وقد دخل المسلحون المنطقة بمركبات من أجل الضغط على السلطات للإفراج عن زملائهم. وتم الإفراج عن الجميع باستثناء واحد فقط في الأيام التالية.

وأخفقت مداهمة في البصرة بجنوب البلاد في شهر مايو/أيار في تقديم أي شخص للقضاء. وألقت قوات الأمن العراقية القبض على أعضاء في جماعة 'ثأر الله' الموالية لإيران متهمين بإطلاق النار على محتجين وأغلقت مقر الجماعة.

وقالت الشرطة إنه تم إطلاق سراح المعتقلين كما أُعيد فتح مكتب الجماعة، ففي القضيتين قال القضاة إنهم لم يجدوا أدلة كافية لمحاكمة أعضاء الفصيلين المسلحين.

وأشادت الولايات المتحدة التي تجري محادثات مع الكاظمي حول العلاقات المستقبلية مع واشنطن، بمداهمة يونيو/حزيران، غير أن ذلك أثار غضب الجماعات القوية التي تنظر بالفعل للكاظمي بعين الارتياب باعتباره صديقا مقربا لواشنطن.

وقال قيس الخزعلي زعيم 'عصائب اهل الحق' إحدى الفصائل الموالية لإيران، إن واجب الكاظمي كرئيس للوزراء هو إجراء انتخابات مبكرة والتعامل مع الأزمتين الاقتصادية والصحية وليس مواجهة الفصائل المسلحة.

وانتقد أحمد الأسدي السياسي والمسؤول الكبير في إحدى الفصائل شبه العسكرية الخطوات الأولى للكاظمي. وقال إن الفصائل شعرت بأنها مستهدفة بأعمال الكاظمي، مشيرا إلى أنها كانت غاضبة بالفعل لأنه يجري محادثات مع الولايات المتحدة دون إشراك مفاوضين من الأحزاب السياسية في العراق.

معظم العراقيين يعتقدون أن ميليشيات ايران تقف وراء تصفية هشام الهاشمي
معظم العراقيين يعتقدون أن ميليشيات ايران تقف وراء تصفية هشام الهاشمي

وتطالب الفصائل الموالية لإيران الحكومة بأن تحدد موعدا لانسحاب القوات الأميركية المتمركزة في العراق والتي تتمثل مهمتها الأساسية في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، لكنها تخفض عدد أفرادها.

ويقول أنصار الكاظمي إنه بدون مواجهة الفصائل المسلحة فإن أي جهود للإصلاح السياسي والمالي في العراق ستكون جزئية، لكنهم يضيفون أن قراره الخاص بملاحقة المسلحين بشكل علني قد يعرض قيادته للخطر كما سيعرقل قدرته على إجراء أي إصلاح.

وقال سياسي كبير إن الكاظمي بحاجة إلى التركيز بشكل أقل على منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي وبشكل أكبر على تعزيز وضعه قبل مواجهة الفصائل المسلحة القوية.

وأضاف "الأمور تبدو سيئة. الكاظمي ارتكب خطأ جسيما بشأن زيادة التوقعات حول ما يرغب في إنجازه وهو يفقد اعتباره. تحركه ضد كتائب حزب الله مُصيب، لكن التوقيت خاطئ".

وقال المكتب الإعلامي للكاظمي إن رئيس الوزراء "يبذل قصارى جهده" أمام التحديات الأمنية والمالية التي تفاقمت منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

وقال مسؤول حكومي آخر كبير إن قتل الهاشمي كان علامة على اليأس، مضيفا "عندما تشعر بأنك مهدد تتصرف بهذه الطريقة. لو كنت قويا فإنك لن تحتاج لقتل محلل سياسي".

ويقول محللون إنه لو فقد الكاظمي النخبة السياسية فإنه سوف يحتاج إلى دعم المواطنين العراقيين ليستمر في منصبه، غير أن بعض هؤلاء لا يثقون فيه.

وتقول لجنة حقوق الإنسان شبه الرسمية إن تعهدا بالإفراج عن متظاهرين احتُجزوا العام الماضي لم يسفر عن إطلاق سراحهم. والأكثر إيلاما بالنسبة للنشطاء العراقيين هو أن بلدهم لا يزال ساحة حرب بين الولايات المتحدة وإيران.

وقال الناشط حسن عادل الذي يطالب بإنهاء التدخل الأميركي والإيراني "العراق منقسم بين سياسيين منحازين لأي من قوتي الاحتلال. نحن لا نثق بأي منهما".