مصالح حلفاء واشنطن تلتقي عند رفض الانسحاب الأميركي من سوريا
واشنطن - يثير قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتقليص عدد القوات الأميركية في سوريا، مخاوف لدى حلفاء واشنطن في المنطقة في ظل بقاء التهديدات على حالها، حيث يرى منتقدو هذا القرار ومن بينهم العراق بأنه لم يتم تحقيق إنجازات كبيرة في هذا المجال لاسيما مع زيادة تهديدات داعش، فيما تعارض اسرائيل تمدد النفوذ التركي في هذه المنطقة.
وأفاد تقرير لمجلة نيوزويك الأميركية أنه بعد مرور أشهر من التوقعات بشأن إمكانية تحرك ترامب لتنفيذ هدفه الذي وضعه خلال ولايته الرئاسية الأولى، والمتمثل بسحب قواته من سوريا، أعلن البنتاغون يوم الجمعة الماضي عن البدء بتحركات عسكرية أميركية في سوريا، وبحسب الأخبار الواردة، فإن هذه التحركات قد تؤدي إلى إغلاق ثلاث قواعد وخفض عدد الجنود ليصل إلى ما دون ألف جندي، ليقترب ذلك العدد من عدد القوات التي نشرت في سوريا قبل أن يزيدها الرئيس السابق جو بايدن ليصل عدد الجنود إلى 2500 وذلك بحسب ما أعلن عنه في شهر يناير/ كانون الأول الماضي.
وينقسم الوجود الأميركي في سوريا ما بين الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا والتي تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" وبين حامية عسكرية موجودة في المنطقة الجنوبية الشرقية من البادية السورية ضمن منطقة تعرف باسم التنف، التي تخضع لعناصر تعرف باسم جيش سوريا الحرة.
الرئيس التركي يسعى إلى استغلال الوضع الجيوسياسي المتغير لتعزيز مكانته في المنطقة
وأعلنت كلتا الجماعتين المدعومتين أميركياً عن مواصلتهما لدعم الوجود الأميركي الحليف لهما على الرغم من أن كلتيهما تسعيان للاندماج ضمن التحالف الذي يقوده إسلاميون والذي عمل على إسقاط الرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ولكن ماتزال هنالك تساؤلات تحيط بأهداف الوجود العسكري الأميركي في سوريا، بما أن الحكام الجدد لهذا البلد يعتبرون الوجود الأميركي بمنزلة احتلال غير مشروع لبلدهم، بعد أن تبنى النظام السابق للبلد ومؤيدوه الرأي نفسه.
وفي ظل الأخبار التي رشحت عن الانسحاب الأميركي، علقت سينام محمد ممثلة الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية من واشنطن بأن هناك قيمة كبيرة ومستمرة للوجود الأميركي في سوريا، نظراً لاستمرار التهديد المتمثل بوجود تنظيم داعش، وأضافت "إن وجود القوات الأميركية مهم عندما نرى في عودة تنظيم الدولة تهديداً للمنطقة بأكملها، فهنالك السجون التي تؤوي الآلاف من مقاتلي تنظيم الدولة، ناهيك عن المخيمات التي تضم أهالي عناصر تنظيم الدولة والتي مابرحت تمثل خطراً وتهديداً، بما أننا نؤمن بأن القوات الأميركية لابد لها أن تمد يد العون ضد أي تهديد من تنظيم الدولة".
ومايزال مصير تلك السجون موضع تساؤل بعد أن أبرمت قوات سوريا الديمقراطية خلال الشهر الفائت اتفاقية تقضي بانضمامها إلى الحكومة المركزية التي يترأسها أحمد الشرع، بيد أن محمد ترى بأن الاتفاقية "تسير نحو الأمام على الطريق الصحيح" حتى اللحظة، وتضيف "نتمنى إقامة نظام لامركزي في سوريا لنحافظ على السلام والاستقرار بشكل دائم".
وتعتبر اسرائيل ايضا من أبرز الأطراف التي تعارض الانسحاب الاميركي من سوريا، حيث ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن انسحاب القوات الأميركية من سوريا، يجعل تركيا وإسرائيل تقتربان من "الخط الأحمر".
وقالت الصحيفة الاسرائيلية إن إسرائيل قلقة من قرار ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا، لأنه سيسمح لتركيا بتعزيز نفوذها في سوريا والمنطقة. وأشارت إلى أن القرار لم يشكل مفاجأة، إذ أن ترامب كان خلال رئاسته الأولى يؤيد تخفيض الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط. ويعكس هذا الموقف عقيدة السياسة الخارجية الانعزالية التي تنتهجها إدارة ترامب، والتي تشكلت جزئياً على يد نائب الرئيس جيه دي فانس.
وأشارت إلى أن ترامب صرح أكثر من مرة بأن هذه الحرب "ليست حربنا". ومن المعروف أن البنتاغون يستعد لهذا السيناريو منذ فترة طويلة. واليوم تنتقل واشنطن إلى المرحلة العملية، حيث تُبلغ الجانب الإسرائيلي بانتظام بالإجراءات المقبلة. وخلال المشاورات، أعرب الممثلون الإسرائيليون مراراً عن قلقهم العميق إزاء العواقب المحتملة لمثل هذه الخطوة.
ونقلت يديعوت أحرونوت عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قوله إن انسحاب القوات الأميركية لا يمكن أن يكون إلا جزئياً. وتخشى إسرائيل أن يؤدي مثل هذا التطور إلى تعزيز طموحات تركيا لتدعيم وجودها في سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد.
تشير الصحيفة إلى أن القوات الأميركية تنتشر الآن في عدة مواقع استراتيجية في شمال وشرق سوريا، وتلعب دوراً مهماً في ضمان الاستقرار الإقليمي. وتخشى إسرائيل من أن تقوم أنقرة بعد الانسحاب بتكثيف محاولاتها للسيطرة على منشآت عسكرية رئيسية، وخصوصاً في منطقة تدمر السورية، بما في ذلك قاعدتي T4 وتدمر. حيث يسعى الرئيس التركي إلى استغلال الوضع الجيوسياسي المتغير لتعزيز مكانته في المنطقة.
وتنظر أطراف عراقية بعدم الارتياح الى هذا القرار، حيث أكد المستشار العسكري السابق اللواء المتقاعد صفاء الاعسم ، أن انسحاب القوات الأميركية من سوريا سيكون له تداعيات على الوضع الأمني والعسكري في العراق.
وقال الاعسم في تصريح صحافي، إن "انسحاب القوات الأميركية سيؤثر بلا شك على الوضع الداخلي في العراق، خصوصاً مع زيادة نشاط تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، والقلق من الهجمات على سجون الدواعش هناك"، مضيفاً أن "الانسحاب في هذا التوقيت يثير العديد من المخاوف".
وأكد تقرير للأمم المتحدة في فبراير/شباط 2025 أن داعش استفاد من سقوط نظام بشار الأسد لتعزيز عملياته، مع تقديرات بوجود 1500 إلى 3000 مقاتل في سوريا والعراق، معظمهم في سوريا. كما لوحظ نشاط استخباراتي متزايد، حيث تسلل عناصر داعش إلى مخيم الهول لتحرير مقاتلين مخضرمين وتجنيد شباب، مما يعزز قدرات التنظيم على التخطيط لهجمات معقدة.
وأشار الأعسم إلى أن "الانسحاب الأميركي من سوريا إلى العراق يوضح نية واشنطن في تعزيز وجودها العسكري في العراق، حيث توجهت جميع القوات المنسحبة إلى العراق"، مؤكداً أن "الولايات المتحدة لا تفكر في انسحاب قريب من العراق".
وشهدت منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة تحولات كبيرة على الصعيدين الأمني والسياسي، كان من أبرزها الوجود العسكري الأميركي في سوريا والعراق في إطار محاربة داعش، وبعد النجاح النسبي في هزيمة التنظيم في العديد من المناطق، بدأت القوات الأمريكية في اتخاذ قرارات استراتيجية تتعلق بوجودها العسكري في المنطقة.