مصر.. الحريات الدينية والحق بالعبادة للجميع

السادات منذ توليه السلطة دخل في علاقة عضوية صريحة مع الإخوان المسلمين ثم قال: أنا الرئيس المؤمن ثم أردف قائلاً: أنا فرعون مصر والديمقراطية لها أنياب وهكذا تلاحمت الإسلامية مع الفرعونية وعندما اغتاله أنصار الأصولية تصاعدت الإسلامية وبقيت الفرعونية.

بقلم: مراد وهبة

في حديثه عن الحريات الدينية في مؤتمر الشباب بشرم الشيخ قال الرئيس عبد الفتاح السيسي: «إن للمواطن الحق في أن يعبد كما يشاء أو لا يعبد لأن ده موضوع إحنا لانتدخل فيه». ثم استطرد قائلاً: إن الدولة معنية بأن تبني الكنائس لمواطنيها في كل مجتمع جديد لأن لهم الحق في العبادة كما يعبد الجميع. ولو عندنا يهود هانبني لهم، ولو عندنا في مصر ديانات أخرى سنبني دور عبادة خاصة بهم.

السؤال اذن: ما المغزى في عبارات الرئيس؟: المغزى يكمن في أن الرئيس يقف على مسافة واحدة من المؤمنين من جميع الأديان أو حتى غير المؤمنين بأي ديانة، أي أنه ليس منحازاً إلى أي من المطلقات التي يلتزم بها المؤمنون. وإذا كان ذلك كذلك فمعنى ذلك أن تعامله مع هؤلاء يخلو من مفهوم المطلق. وإذا كان مفهوم النسبي هو بديل مفهوم المطلق فالفكر السياسي للرئيس يتسم بالنسبية بالضرورة. والسؤال اذن: هل ثمة مفارقة في هذا القول؟

الجواب بالإيجاب، إذ المفارقة تكمن في أنه يكون بذلك أول رئيس ينحاز للحرية الدينية في تاريخ مصر منذ الفراعنة حتى الرئيس الأسبق حسني مبارك. ففي الحضارة الفرعونية كان فرعون في البداية ابن حورس ابن ايزيس ثم أصبح ابن رع، وفيما بعد أصبح رع ، أي إله الشمس، ومن ثم أصبح فرعون هو الحاكم المطلق.

قيل إن الفرعونية انتهت مع بداية مؤسس مصر الحديثة محمد على، ومع ذلك فإن محمد علي لا يذكر إلا وتذكر معه الدولة العثمانية باعتبار أن مصر كانت تابعة لهذه الدولة. ولا أدل على ذلك مما ورد في كتاب رفاعة الطهطاوي المعنون: «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، إذ جاء فيه أن رفاعة يحذر القارئ من الاعتقاد في صواب ما ورد في الشذرات الاثنتي عشرة لفلاسفة التنوير التي ترجمها من الفرنسية إلى العربية، إذ هي، في رأيه، محشوة بكثير من الضلالات المخالفة لسائر الكتب السماوية. ثم استطرد قائلاً إن كتب الفلسفة بأسرها محشوة بكثير من هذه الضلالات. ومن هنا طالب رفاعة القارئ بأن يكون متمكناً من القرآن والسُنة حتى لا يفتر عن اعتقاده وإلا ضاع يقينه. وإذا كان ذلك كذلك فالسؤال اللازم إثارته هو على النحو الآتي: لماذا ترجم؟ : إنه ترجم إرضاء لمطلب نابليون بالترويج لفلاسفة التنوير الفرنسيين، وحذر من قراءة الترجمة إرضاء لمطلب محمد علي، وهو المطلب الذي يلزم أن يؤثره رفاعة على مطلب نابليون ولن يتم هذا الايثار إلا بتشويه التنوير الفرنسي. ثم القول بأن محمد علي هو مؤسس مصر الحديثة هو قول في حاجة إلى مراجعة من قبل المؤرخين المصريين من غير إحساس بالإثم، لأن مسألة المراجعة لن تقتصر على محمد علي بل ستمتد إلى ما بعده، وأعني بذلك الرؤساء الذين جاءوا بعد ثورة يوليو 1952 حتى ثورة 25 يناير 2011، فكلهم بلا استثناء كانوا منحازين إلى فكر الإخوان المسلمين. فعندما قرر مجلس الوزراء في 14 يناير 1954 حل جماعة الإخوان المسلمين انضم زعماؤها فوراً إلى تأييد اللواء محمد نجيب، وفي 28 مارس من العام نفسه قرر مجلس قيادة الثورة إعادة تشكيل الحكومة مبعداً اللواء محمد نجيب عنها وعن مجلس قيادة الثورة.

وبالرغم من إطلاق ثماني رصاصات من إرهابي ينتمي إلى التنظيم السري للإخوان المسلمين على جمال عبد الناصر أثناء مهرجان شعبي في الاسكندرية فإن عبد الناصر كان ملتزماً بما قاله للمرشد العام حسن الهضيبي من أنه سيطبق مبادئ الإخوان المسلمين في مجال التعليم، وقد كان، إذ عين كمال الدين حسين أحد أقطاب الإخوان وزيراً للتعليم. ولم يفطن عبد الناصر إلى خطورة هذه المبادئ إلا في عام 1970 عندما عينني مستشاراً سرياً له في القصر الجمهوري لشؤون التعليم قبل وفاته بستة أشهر.

أما الرئيس السادات فمنذ أم توليه على السلطة دخل في علاقة عضوية صريحة مع الإخوان المسلمين، ثم قال: أنا الرئيس المؤمن، ثم أردف قائلاً: أنا فرعون مصر والديمقراطية لها أنياب. وهكذا تلاحمت الإسلامية مع الفرعونية. وعندما اغتاله أنصار الأصولية الاسلامية في 6 أكتوبر 1981 تصاعدت الإسلامية وبقيت الفرعونية على حالها مع مراعاة إيثار الاسلامية سراً من غير اعلان في زمن حسني مبارك الذي أخفي هذا الإيثار بلفظ المحظورة في سياق لفظ هو على النقيض وهو لفظ المحظوظة. وقد عبرت عن هذه العلاقة الملتبسة بين الاسلامية والفرعونية في مقال نشرته بجريدة المصري اليوم بتاريخ 24/ 12/ 2010 تحت عنوان «فراعنة مفيد شهاب». وكان مفتتح المقال عبارة قالها رفيع المقام الأستاذ الدكتور مفيد شهاب حين كان وزيراً للشئون القانونية والمجالس النيابية جاء فيها: إن مصر دولة مركزية بطبعها منذ أيام الفراعنة، وكل شيء فيها على يد شخص واحد.  

ثم علقت قائلاً: إن تصريح مفيد شهاب يعني أن الحزب الوطني الديمقراطي في غياب العلمانية لن يكون ديمقراطياً. واختتمت بهذا السؤال: هل في إمكان الحزب الخروج من هذا المأزق؟ وعندما اندلعت ثورة تونس بعد ذلك بأسبوعين أعادت جريدة المصري اليوم نشر ذلك المقال وفي أعلاه الجواب تونس. وبعد أسبوعين اندلعت ثورة مصر في 25 يناير.

نشر في الأهرام
السيسي والحريات الدينية