مصر تسترضي النقد الدولي وتغامر باغضاب الشارع بزيادة أسعار الوقود
القاهرة - أعلنت وزارة البترول المصرية اليوم الجمعة عن زيادة جديدة في أسعار المحروقات بما يصل إلى قرابة 15 بالمئة، وذلك في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تتبناه الحكومة منذ سنوات بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، بينما تُعد هذه الزيادة واحدة من أبرز القرارات الاقتصادية في العام 2025، إذ من المرجح أن تكون لها تداعيات اقتصادية واجتماعية كبيرة، أبرزها زيادة التضخم وتكاليف المعيشة على المواطنين.
وتأتي هذه الزيادة ضمن برنامج إصلاحي أوسع انتهجته مصر لتحرير أسعار الطاقة بهدف تقليص الفجوة بين تكلفة الإنتاج وسعر البيع المدعوم من جهة، وتخفيف العبء عن الموازنة العامة للدولة وتحقيق الاستدامة المالية على المدى الطويل من جهة أخرى، مع محاولة تخفيض الآثار السلبية على الفئات الأكثر احتياجًا من خلال إجراءات الحماية الاجتماعية.
وجرى رفع سعر الديزل (السولار) وهو أحد أكثر أنواع الوقود شيوعا في البلاد بمقدار جنيهين (0.0390 دولار) إلى 15.50 جنيه (0.30 دولار) لكل لتر من 13.50 جنيه فيما رفعت الحكومة أسعار البنزين بنسب متفاوتة تصل إلى 14.5 بالمئة، إذ ارتفع بنزين 80 أوكتين إلى 15.75 جنيه للتر الواحد، وزاد بنزين 92 أوكتين إلى 17.25 جنيه، وارتفع بنزين 95 أوكتين إلى 19 جنيها، وفقا لوسائل إعلام محلية مختلفة، بينما زاد سعر غاز الطهي إلى 200 جنيه ( 3.9 دولار) للاسطوانة من 150 جنيها(2.92 دولار).
وحصلت القاهرة على تسهيلات تمويلية متتالية من الصندوق منذ عام 2016، عندما وافقت على برنامج قرض بقيمة 12 مليار دولار لإنعاش اقتصادها بعد سنوات من الاضطرابات السياسية منذ بدء احتجاجات الربيع العربي.
ومنذ ذلك الحين، حث صندوق النقد الحكومة المصرية على خفض دعم الوقود والكهرباء والغذاء مع توسيع شبكات الأمان الاجتماعي. وقال في مارس/آذار إن مصر ملتزمة بخفض دعم الطاقة للوصول إلى مستوى تغطية التكلفة الفعلية بحلول ديسمبر/كانون الأول، في إطار عملها على خفض عجز كبير في الحساب الجاري.
ومن المرجح أن يؤدي رفع أسعار الوقود إلى حالة من الاستياء والإحباط بين قطاعات واسعة من الشعب المصري بسبب الأعباء الاقتصادية الإضافية. ومع ذلك، فإن ما إذا كان هذا الاستياء سيتحول إلى احتجاجات واسعة النطاق يعتمد على تفاعل العديد من العوامل، بما في ذلك شدة الضغط الاقتصادي واستجابة الحكومة والظروف السياسية والاجتماعية العامة.
ويؤكد مراقبون أن هذه الزيادة ستؤدي الى ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل ما سيؤثر على أسعار معظم السلع الاستهلاكية والغذائية وتكاليف التنقل اليومي، مما يزيد من الأعباء على المواطنين وخاصة محدودي الدخل، بالإضافة الى التسبب في موجة تضخمية جديدة، إذ تشير التقديرات إلى أن زيادات أسعار الوقود السابقة أدت إلى ارتفاع معدل التضخم الشهري بنحو 2 بالمئة.
وعلى الرغم من تطلع الحكومة الى تقليل الدعم، إلا أن أي ارتفاع في الأسعار العالمية للنفط أو انخفاض قيمة الجنيه سيؤدي إلى زيادة قيمة الدعم المتبقي خاصة للديزل وبوتاغاز، مما سيضطر الحكومة الى الضغط على الميزان التجاري، حيث أن مصر مستورد صاف للنفط، وبالتالي فإن ارتفاع الأسعار سيزيد من قيمة الواردات.
وفي محاولة للتقليل من الآثار السلبية، أعلنت وزارة البترول أنه لن يتم دراسة تغيير الأسعار الحالية للمنتوجات البترولية قبل 6 أشهر مقبلة، لافتة إلى أنه مع حرص الحكومة على مراعاة البعد الاجتماعي وتخفيف الأعباء عن المواطنين، تقوم بتوجيه الجزء الأكبر من الدعم إلى منتجات السولار والبوتاغاز وبنزين 80/ 92 لتخفيف الأعباء الاجتماعية.
كما أكد مجلس الوزراء أن برامج الدعم النقدي مثل "تكافل وكرامة" سيتم تعزيزها لتشمل عددًا أكبر من الأسر الفقيرة والمتأثرة، مشيرا في بيان رسمي إلى أن الحكومة تعكف على دراسة مقترحات لتقديم دعم مباشر مؤقت للأسر التي تأثرت بالزيادات الأخيرة وذلك على شكل تذاكر دعم مؤقتة أو خصومات على الخدمات الأساسية.
وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قد قال في مارس/آذار إن مصر مستمرة في الإصلاح المالي، مضيفا أنه بحلول نهاية العام ستكون الحكومة أوقفت دعم الوقود لكنه أوضح أن الحكومة لا يمكنها بيع السولار بسعر التكلفة وستواصل دعمه إلى حد ما.
وقال وزير البترول كريم بدوي في أكتوبر/تشرين الأول، عقب آخر زيادة وكانت تتراوح بين 11 و17 بالمئة، إن القاهرة لا تزال تنفق نحو 10 مليارات جنيه مصري (197.71 مليون دولار) على دعم الوقود شهريا، على الرغم من رفع الأسعار ثلاث مرات في عام 2024.
وشهدت مصر في عام 2024 انخفاضا حادا في عائدات قناة السويس، وهي مصدر رئيسي للعملة الأجنبية للحكومة، حيث دفعت الحرب في غزة جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران في اليمن إلى مهاجمة السفن العابرة للبحر الأحمر دعما للفلسطينيين.
وإلى جانب انخفاض إنتاج الغاز الطبيعي المحلي الذي بدأت القاهرة في تصديره، تفاقمت المشاكل الاقتصادية في البلاد ومنها نقص الدولار، إلا أنها تحتاج إلى الدولار لاستيراد الغاز الطبيعي والمواد البترولية والقمح لبرنامج دعم الغذاء الشامل الذي يشمل أكثر من 62 مليون شخص.
ومنذ أوائل عام 2022، أدى نقص العملة الأجنبية إلى كبح نشاط الأعمال المحلي وتراكم البضائع في الموانئ وتأخير مدفوعات السلع، مما أجبر مصر على طلب قرض موسع لمدة 46 شهرا من صندوق النقد.