مصر تغامر بتفاقم التضخم عبر زيادة المعروض النقدي

المالية العامة المصرية تئن تحت وطأة ضغوط متواصلة بسبب عجز مستمر في العملة الأجنبية والديون المتزايدة التي تحتاج لإعادة تمويل أو سداد 20 مليار دولار منها خلال الأشهر المقبلة.
وزارة المالية المصرية تتوقع أن يبلغ عجز الميزانية نحو 825 مليار جنيه

القاهرة - تغامر مصر بالتسبب في تفاقم تضخمها القياسي ووضع مزيد من الضغط على الجنيه ما لم تبطئ وتيرة زيادة المعروض النقدي الذي يقول مصرفيون ومحللون إنه يُستخدم لسد العجز المتزايد في الموازنة.

وتظهر أرقام البنك المركزي أن المعروض النقدي (ن1) الذي يشمل العملة المحلية المتداولة والودائع تحت الطلب بالجنيه المصري قفز 31.9 في المئة خلال عام حتى نهاية ماي/أيار 2023، بعدما زاد 23.1 في المئة في السنة المالية المنتهية في نهاية يونيو/حزيران 2022 و15.7 في المئة في السنة المالية 2021/2020.

وتسارع نمو المعروض النقدي بشكل حاد على مدى ثلاث سنوات تكشفت خلالها نقاط الضعف الأساسية في الاقتصاد المصري بعد تعرضه لسلسلة من الصدمات بما في ذلك جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا.

كما تتعرض المالية العامة للدولة لضغوط بسبب عجز مستمر في العملة الأجنبية والديون المتزايدة التي تحتاج لإعادة تمويل أو سداد 20 مليار دولار منها خلال الاثني عشر شهر المقبلة.

وارتفع الإنفاق بدرجة كبيرة مع سعي الدولة لتنفيذ مشاريع بنية تحتية ضخمة تشمل مدنا جديدة وتوسعة كبيرة لشبكة الطرق بينما تحاول الاستمرار في تقديم بعض الدعم في ظل تدني مستويات المعيشة.

وتتوقع وزارة المالية أن يبلغ عجز الميزانية 824.4 مليار جنيه (26.7 مليار دولار) في السنة المالية 2024/2023 التي بدأت في أول يوليو/تموز، ارتفاعا من عجز تقديري قدره 723 مليار جنيه في 2023/2022 و486.5 مليار في 2022/2021.

كما تظهر بيانات الوزارة أنها تتوقع ارتفاع الإنفاق الإجمالي إلى 2.07 تريليون جنيه هذا العام من 1.81 تريليون جنيه في 2023/2022.

ويقول المحللون إن طباعة المزيد من الجنيهات بوتيرة سريعة يؤدي إلى زيادة التضخم ومزيد ضعف العملة.

وقال باترك كوران من تيليمر "في ضوء القدرة المحدودة على الحصول على تمويل خارجي وتعرض القطاع المصرفي للديون الحكومية بنسبة كبيرة، فإن الإخفاق في كبح عجز الميزانية قد يؤدي إلى المزيد من تمويل العجز بزيادة المعروض النقدي وتفاقم مشاكل التضخم والعملات الأجنبية في مصر".

وتسارع معدل التضخم في المدن المصرية إلى 35.7 في المئة في يونيو/حزيران متجاوزا مستواه القياسي السابق المسجل في 2017 ومقارنة مع 30.6 بالمئة في أبريل/نيسان بينما قفز التضخم الأساسي لمستوى قياسي أيضا مسجلا 41 في المئة.

وفي وقت سابق من الأسبوع الجاري رفع جيه.بي مورجان توقعاته لمتوسط معدل التضخم في السنة المالية الجديدة التي تنتهي في يونيو/حزيران 2024 إلى 22.7 في المئة من 21.3 في المئة "نتيجة استمرار الضغوط التضخمية وبسبب مخاطر العملة الأجنبية". ومن المتوقع أن يبلغ متوسط التضخم الأساسي 23.5 بالمئة.

وتراجع سعر الصرف الرسمي للجنيه المصري بواقع النصف أمام الدولار منذ مارس/آذار 2022 وبأكثر من ذلك في السوق السوداء. وتتوقع سوق العقود الآجلة للعملة أن يهبط الجنيه إلى 40 مقابل الدولار خلال العام المقبل من حوالي 30 حاليا.

ويرجع جزء كبير من العجز في الميزانية المصرية إلى ارتفاع أسعار الفائدة على الدين الداخلي والخارجي الذي سجل زيادة كبيرة خلال الثماني سنوات الماضية.

وتفاقمت فاتورة الفوائد بعدما بدأ مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) رفع أسعار الفائدة في مطلع 2022 ومع تفادي المستثمرين لديون الأسواق الناشئة.

وتتوقع وزارة المالية أن تستهلك مدفوعات خدمة الدين الداخلي والخارجي حوالي 52.3 في المئة من إيراداتها في السنة المالية 2024/2023.

ومن المقرر صرف قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي على مدى 46 شهرا بعد تأكيده في ديسمبر كانون الأول، غير أن المراجعة الأولى للبرنامج تأجلت وسط عدم تيقن بشأن تعهد مصر بالانتقال إلى سعر صرف مرن لعملتها المحلية وبيع أصول مملوكة للدولة.

ويقول مصرفيون ومحللون إن الطريقة الأساسية التي زاد بها البنك المركزي المعروض النقدي هي الإقراض المباشر للحكومة بما يشمل شراء سندات حكومية.

ويمكن ملاحظة ذلك من خلال ما أعلنه البنك المركزي عن صافي المطالبات المستحقة على الحكومة الذي قفز إلى 1.48 تريليون جنيه بنهاية مايو/أيار 2023 من 1.06 تريليون جنيه بنهاية يونيو/حزيران 2022، بحسب بيانات البنك المركزي.

وقد ترتفع فاتورة الفائدة على الدين المحلي أكثر بعد رفع سعر الفائدة لأجل ليلة بمقدار ألف نقطة أساس منذ مارس/آذار 2022. وقفز سعر الفائدة على أذون الخزانة لأجل عام واحد إلى 24.07 في المئة في أحدث مزاد في السادس من يوليو/تموز من 14.09 في المئة قبل عام.

وعلى مدى الأشهر الخمسة المنقضية، خفضت وكالات التصنيف الائتماني موديز وستاندرد اند بورز وفيتش تصنيف الدين السيادي لمصر. وفي مايو/أيار وضعت وكالة موديز مصر قيد المراجعة من أجل خفض آخر محتمل وعزت ذلك لبطء التقدم في بيع الأصول.

ومن شأن تخفيض آخر للتصنيف الائتماني من موديز أن يجعل تصنيف مصر يتراجع من "B3" إلى "Caa" على الأقل بما يشير إلى "موقف ضعيف وتعرض لمخاطر ائتمانية مرتفعة". وتقول موديز إن مثل تلك المراجعات تستغرق عادة 90 يوما.